ناجي حرج: ما يحدث في العراق دفنٌ جثثٍ أم طمسٌ للحقائق؟

سحر رمزي

رؤية – سحر رمزي

جنيف – كشف مركز جنيف الدولي للعدالة، عن كم الانتهاكات التي تمارس ضد الشعب العراقي، وأكد مدير المركز ناجي حرج، على أن ما يحدث في العراق من انتهاكات لحقوق الإنسان يثير الكثير من الجدل والغضب لدى المنظمات الدولية ولعل أهم ما رصدته المنظمات الدولية زيادة حالات الاختفاء القسري في العراق، وفي ظلّ غياب إحصاءٍ رسمي حقيقي فان التقديرات التي اتفقت عليها عدّة منظمات غير حكوميّة دولية (ومنها هيومان رايتس ووج ومركز جنيف الدولي للعدالة) تتراوح بين 250 ألف إلى مليون مغيّب وهم حسب الفحص من المكون السني حسب التقارير).

ويرى ناجي حرج، مدير مركز جنيف الدولي للعدالة، أن الإعلان في 11 أغسطس 2019 عن دفن جثثٍ وصفت بأنّها (مجهولة الهويّة) في كربلاء العراق، لم يكن سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد الذي بات يظهر إلى السطح كاشفًا عن مشكلة اختفاء عشرات أو مئات، الآلاف قسريًا. وقد بات جليًّا اشتراك مؤسسات السلطة في استمرار وتعاظم هذه الجريمة، فهي تتهرّب من مجردّ الاعتراف بها ناهيك عن محاولة إنهائها.

وأوضح مدير مركز جنيف أن الاختفاء القسري جريمة ضدّ الإنسانيّة، غالبًا ما يبدأ بالاعتقال التعسفّي، ثم تنصلّ الجهة التي قامت بذلك عن المسؤوليّة وعن تبيان مصير من اعتقلتهم، وأضاف موضحا: منذ الغزو الأنجلو أمريكي عام 2003، اختفى عددٌ لا يُحصى من العراقيين الأبرياء بعد اعتقالات عشوائيّة.

وفي حالات عديدة كان يختفي دفعةً واحدة أعداد كبيرة من الضحايا. ففي عام 2004 اختفى أكثر من 1500 مواطن من مدينة الفلوجة، ولم يُعثر عليهم أو على جثثهم لحد الآن، وتلا ذلك اختفاء المئات من المواطنين من مناطق بغداد وضواحيها.

وغالبًا ما كانت تُرمى جثث الكثيرين في الشوارع والأماكن العامة بعد فترات من اعتقالهم من قبل القوات الحكومية والميليشيات. وفي ظلّ غياب إحصاءٍ رسمي حقيقي فإن التقديرات التي اتفقت عليها عدّة منظمات غير حكوميّة دولية (ومنها هيومان رايتس ووج ومركز جنيف الدولي للعدالة) تتراوح بين 250 ألف إلى مليون مغيّب.

وقال ناجي حرج: من المظاهر العالقة في الذهن لهذه الممارسة البشعة أن أقارب الضحايا كانوا يُعتقلون ويغيّبون أيضًا إذا ما قاموا بمراجعة الدوائر الرسميّة بحثًا عن أبنائهم وآبائهم وإخوانهم. وحتى أولئك الذين كان يذهبون الى مستشفى الطب العدلي ببغداد لاستلام جثث أقاربهم كانوا يواجهون المصير ذاته.

وأكمل حرج: بعد عمليات الشحن والتهييج الطائفي عامي 2006 و2007، جرت حملات اعتقالات وتصفية واسعة النطاق لآلاف الأبرياء في العاصمة بغداد.

وكانت المفارز الأمنيّة والميليشياويّة تقف في الشوارع صباحًا تعتقل المتوجهين إلى المدارس والجامعات والعمل. كانت هذه المفارز تستدلّ على الهويّة الطائفيّة (للهدف) حسب الأسماء. وبعد فترة وجيزة يجري قتلهم، ورمي جثثهم في الشوارع.

وأضاف: “عندما صرّح الدكتور قيس سلمان مدير معهد الطب العدلي في بغداد “(أواخر العام 2006) بأن الثلاّجات قد امتلأت بالجثث تعرّض لمضايقاتٍ أدّت به إلى الهروب خارج العراق.

وأوضح مدير مركز جنيف الدولي للعدالة، أنه من الغريب عوضًا عن أن تقوم السلطات بالعمل للتعرّف على الجثث وتسليمها لذوي الضحايا، باتت تنقل معظم الجثث التي يُعثر عليها في بغداد إلى مقبرة النجف ويجري التصريح بهويّةٍ طائفيّة أخرى للضحايا.

في حين يُدفن آخرون في مقابر جماعية بمناطق متفرقة من العراق، حيث يجري فيما بعد الادعاء أنّهم من ضحايا النظام السابق. وهكذا، يجري طمس الحقائق ويُحرم ذوي الضحايا من التعرّف على أبنائهم ودفنهم بكرامة. ويتبع ذلك حرمانهم من أيّ حقوقٍ توجبها قوانين الدولة.

وأكد حرج أنه بعد دخول -أو “إدخال”- داعش إلى العراق في حزيران عام 2014، تكاثرت الميليشيات المسلّحة. ورغم أن السلطات أنشأت ما أسمته (هيئة الحشد الشعبي) كمظلّة تنضوي تحتها هذه الميليشيات، إلا أنها بقيت، في معظمها، تتصرّف وفق أجندات قادتها الذين لم يخفوا تبعيتهم لإيران وتنفيذهم أجندتها الطائفيّة في المنطقة. وراحت تُطلق حملاتٍ لاعتقالات تعسفيّة ضدّ مناطق معينة ثم يختفي أثر من تعتقلهم.

استهداف طائفي

وكشف مدير مركز جنيف الدولي للعدالة عن مشاركة الميليشيات في استخدام خطابٍ طائفيّ كريه لغرض تجييش وكسب الأتباع من الرعاع ومن انطلت عليهم أكاذيب تشويه التاريخ واختراع القصص التي تفقد من يصدّقها عقله وتُذهب وتفكيره. وأوضح أن معظم قادة هذه الميليشيات، من المجرمين الساديين الشاذّين. قضوا حياتهم في قتال أبناء بلدهم مصطّفين مع القوات الإيرانية المهاجمة للعراق، فتشرّبوا بشتى صنوف الإجرام.

وعندما أصبحوا في مواقع السلطة في العراق لم يتمكنّوا من التخلّي عن تلك العقليّة بل ظنّوا أنّها الطريق الطبيعي في التعامل مع متطلبّات الحياة الطبيعية. ولعلّ مقاطع الفيديو المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، التي تتباهى بها هذه الميليشيات، توضّح ما نريد قوله، إذ غالبًا ما يجري الإجهاز على المعتقل بمئات البنادق ثم تقطيعه والإيغال بالتمثيل بجثته. وفي كل المراحل تتعالى الهتافات الطائفيّة الكريهة من أعدادٍ كثيرة يتحلّقون حول جثة المغدور، فيهم الميليشياوي والشرطي والعسكري ورجل الأمن وأحيانًا رجل دين.

ومع فحُص حالات الاختفاء القسري في العراق، لم يعدّ خافيًا على أحد حسب مركز جنيف الدولي للعدالة أن معظم المغيبين أو المختفين، الذين استهدفتهم قوات الاحتلال الأمريكي ثمّ القوات الحكوميّة وميليشياتها، “هم من المكوّن السنّي” ومن مدن ومناطق تسكنها غالبيّة سنيّة. وأحيانًا، تتم العمليات بتهجير قسري لأولئك السكّان ثم تدمير منازلهم وحرق ما يتبقى فيها، وإضرام النيران في بساتينهم ومزارعهم، والقضاء على كلّ مقومات الحياة في تلك المناطق، ثمّ منعهم من العودة إليها ثانيّة بذرائع شتّى.

طمس للحقائق

أكد ناجي حرج، أن هناك دلائل كثيرة في العراق تؤكدّ أن من جرى اعتقالهم بين عامي 2014 و2017 من مواطني الدور وسامرّاء والصقلاوية والفلوجة والرمادي ومدن ديالى والموصل، وآخرين من المدن المحيطة ببغداد (مدن حزام بغداد)، قد وضعوا جميعًا في سجون سرّية في مدينة جرف الصخر، فضلا عن أولئك الذين اعتقلوا من المدينة نفسها من الشباب والرجال بعد التهجير القسري لسكانها البالغين 120 ألف نسمة عام 2014. وتتجه أصابع الاتهام إلى ميليشيا حزب الله (العراقي) كفاعلٍ رئيس، جنبًا إلى جنب مع ميليشيا بدر وعصائب أهل الحق المجرمتين. وتشير معظم التقديرات إلى أن عدد هؤلاء يقدّر بأكثر من 7000 معتقل في جرف الصخر وحدها. ويبقى هناك الآلاف الذين يُعتقد أنّهم معتقلون في سجون سرّية كبيرة في مناطق متفرّقة أخرى حول العراق.

وأضاف حرج، لقد بات واضحًا وجود ضغط دولي لحلّ الميليشيات في العراق أو تحجيم دورها في أقل تقدير، لذلك فهي تسعى للتخلص من الأدلّة على جرائمها، من خلال عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء والدفن الجماعي السرّي غير القانوني. ومن هنا، فإن تهرّب الدولة من فحص الجثث والتعرّف على هويتها وتسليمها للعوائل المعنيّة هو جزء من محاولة مستمرّة لطمس الحقائق وإبقاء القتلة -المعروفين لديها- خارج طائلة العقاب.

نحن أمام حالة خطيرة جدًا، لكنّ الأمل ما يزال قائمًا في عودة العديد من الأشخاص الذين اختفوا، ولن يتمّ ذلك إلاّ بضغط عربي ودولي، هائل، على سلطاتٍ أدمنت التنصل من أيّ التزامٍ قانوني أو أخلاقي.

ربما يعجبك أيضا