نجوم الزمن الجميل.. قوات مسلحة فنية من أجل مصر

أماني ربيع

أماني ربيع

يخطئ من يظن أن الفن مجرد وسيلة للترفيه، لأنه في مواقف كثيرة أثبت أن له دورًا اجتماعيًا كبيرًا، وبخاصة خلال الأزمات والحروب، وحتى في أوج الحرب العالمية الثانية، كانت هناك قوافل نجوم من هوليود تتجه إلى الجنود على الجبهة في محاولة للتخفيف عنهم، مثل ريتا هيوارث، وميكي روني، وغيرهم، وفي الحرب الكورية سافرت مارلين مونرو إلى الجنود الأمريكيين وغنت لهم.

ربما يبدو هذا عاديا للبعض، لكن في وقت يتعامل فيه الجنود مع أوضاع قاسية، ويغيبون عن أهلهم وذويهم بالشهور، يزداد الشعور بالوحشة، وتسوء نفسيتهم لإحساسهم بالانعزال، وظهور الفنانين والمشاهير يعتبر حافزا يعيد إليهم الروح، ويمنحهم لحظات من المرح.

وفي مصر لم يختلف الوضع كثيرا، وبخاصة في مرحلة الكفاح ضد الاستعمار البريطاني في منطقة القنال، وبطولات الفدائيين على القنال في بداية الخمسينيات، وتزايد تأثير الدور الفني بعد انطلاق ثورة يوليو عام 1952، والتي كان معظم الضباط المشاركين فيها من محبي الفنون ومعجبي المشاهير، وكان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر نفسه، من عشاق صوت أم كلثوم التي أصبح لها فيما بعد دور بارز في النضال عبر الموسيقى والأغنيات التي صدحت بها في المناسبات المختلفة، ومنها “الله أكبر فوق كيد المعتدي”، و”مصر تتحدث عن نفسها”، وقصيدة “أصبح عندي الآن بندقية”، وغيرها.

وأصبح المطرب الواعد وقتها عبد الحليم حافظ، صوتا للثورة، وتعبيرا عن روح الشباب المشتعلة بالحماس، وغنى أجمل الأغنيات الوطنية في حب مصر، وفي رواية بطولات شعبها، مثل “حكاية شعب” التي قدم فيها قضية السد العالي وتأميم القناة بأسلوب بسيط ولحن حماسي، و”بالأحضان”، و”صورة”، وشكل فريقا فنيا مع أبرز كتاب العامية مثل صلاح جاهين، وعبد الرحمن الأبنودي، لتبسيط المعاني الوطنية، مثل أغنيات “بستان الاشتراكية”، و”المسؤولية”، وغيرها.

قطار الرحمة

وبعد ثورة يوليو، قام الفنانون بتدشين ما يعرف بقطار الرحمة، الذي كان يدور على المحافظات من أجل جمع التبرعات للجيش والبلاد، ومن أبرزهم فريد الأطرش، ومحمد فوزي وشادية، وفاتن حمامة، وغيرهم.

تحية كاريوكا

ومن أبرز الفنانين الذين كان لهم دور في الحركة الوطنية، وعُرفوا بالشجاعة فيما يتعلق بالدفاع عن مصر، الفنانة تحية كاريوكا، التي قامت في بداية الخمسينيات باستغلال شهرتها وأموالها في دعم ومساعدة الفدائيين بمنطقة قناة السويس، في كفاحهم ضد الاحتلال الإنجليزي.

بل وسميت إحدى المناطق بمحافظة الإسماعيلية باسم “تل كاريوكا”، تيمنا بالفنانة التي كانت تقوم بتسليم الأسلحة بنفسها للفدائيين.

وفي تلك المرحلة أيضا، ساعدت كاريوكا، السادات الذي كان لا يزال ضابطا بالجيش إبان اتهامه بمقتل أمين عثمان، وقامت بتهريبه وتخبئته في مزارع قريب لها بالإسماعيلية، وكانت كاريوكا رغم عدم حصولها على قسط وافر من التعليم، على وعي بما يحدث في بلادها، ولديها انتماء غير محدود لترابها.

وبعد الهزيمة في يونيو 1967، ساهمت كاريوكا في جمع التبرعات لصالح المجهود الحربي، وتبرعت بمجوهراتها للجيش، وهو الدور الذي ظلت تمارسه حتى حرب أكتوبر عام 1973، حيث ساهمت مع “الهلال الأحمر” بالتبرعات وبالمجهود الشخصي، وأقامت في عنبر 21 لعناية وتمريض المصابين بمستشفى قصر العيني.

أم كلثوم

كان صوت أم كلثوم خلال الخمسينيات والستينيات، قوة دافعة للشعب والجيش على السواء، بصوتها قوي النبرة، وحماستها، واختياراتها المتميزة للكلمات والألحان، ولم تكتف بهذا فحسب، فبعد هزيمة عام 1967، أطلقت حملة الفن من أجل المجهود الحربي للمساهمة في تسليح الجيش المصري، وكثفت، رغم تقدمها في السن، حفلاتها في مصر والخارج.

وهبت أم كلثوم في تلك المرحلة حنجرتها لدعم الجيش المصري، وطافت مدن ومحافظات مصر مثل: الإسكندرية ودمنهور والمنصورة والغربية، وقدمت حفلتين في الشهر بكل محافظة لعام كامل.

وبلغت إيرادات حفل محافظة البحيرة 39 ألف جنيه وهو رقم كبير حيث إن أعلى إيراد لحفلات أم كلثوم خلال تلك الفترة، لم يتعد 18 ألف جنيه، أما حفل الإسكندرية فوصلت إيراداته إلى 100 ألف جنيه بعد إضافة التبرعات، وأربعين كيلو جراما من المجوهرات بلغت قيمتها أكثر من 82 ألف جنيه، وصلت إيرادات حفلها بمدينة المنصورة إلى 125 ألف جنيه، أم حفل مدينة طنطا فحقق 283 ألف جنيه، وقدمت أم كلثوم هذه المبالغ للجيش المصري.

ولمزيد من الدعم، سافرت كوكب الشرق إلى فرنسا بدعوى من الرئيس شارل ديجول في نوفمبر 1967، لتقف أم كلثوم على مسرح الأولمبيا الشهير وتغني أجمل أغنياتها، وحصلت على أجر كبير مقارنة بأي نجوم في ذلك الوقت، ووصلت إيرادات حفلها في باريس إلى 202 ألف جنيه إسترليني، ثم طارت إلى السودان فالمغرب، ثم تونس ولبنان والكويت الذي أحيت فيه حفلا على مسرح الأندلس، وصلت إيراداته إلى 100 ألف دينار كويتي.

 نادية لطفي

بعد وفاتها، برز للأجيال الجديدة، وجه آخر للنجمة الراحلة نادية لطفي، التي طالما عرفناها بالوجه الرقيق على شاشة السينما، لكن في الحياة الواقعية كانت أكثر من مجرد ممثل، فهي امرأة مصرية مثقفة، واعية، ومناضلة أيضا، وبرز دورها جليا خلال سنوات حرب الاستنزاف التي تلت هزيمة يونيو عام 1967، وكانت تقوم بزيارة الجنود على الجبهة، من أجل شحنهم بالقوة والحماس، ولتذكيرهم دائما أن كل فئات الشعب معم في ظهورهم.

لم تقتصر الزيارات عليها وحدها، فكان كل المشاهير على أتم الاستعداد للمساهمة ولو بدور بسيط في دعم الجيش المصري الباسل، سواء من الأدباء أو الفنانين أو المطربين.

كانت نادية لطفي، ترى أن الفن يمكن أن يكون وجها آخر للنضال، فهو على المستوى الإبداعي كفاح لنشر الجمال في مواجهة ثقافة القبح، وعلى المستوى الاجتماعي قادرا على تغيير الأفكار، وشحن الهمم، والحشد الشعبي تجاه القضايا المصيرية.

احتلت موقع المذيعة عندما قامت مع المخرج شادي عبد السلام بتسجيل شهادات الجنود المصابين في حرب أكتوبر عبر الفيلم التسجيلي “جيوش الشمس”، الفيلم الذي يعد توثيقا لتلك الفترة بما احتواه من مشاهد حقيقة لأحداث الحرب، وقصص الجنود الأبطال.

وتطوعت نادية أيضا للعمل بالتمريض بمستشفى المعادي العسكري خلال الحرب، بل وشاركت في أعمال التنظيف بنفسها، وكانت تكتب رسائل الجرحى إلى أهلهم أيضا.

وفي حوار صحفي لها، قالت الفنانة الراحلة، إن “الفن هو قوات مسلحة إنسانية واجتماعية”.

عبد الحليم حافظ

تبنت الثورة صوت عبد الحليم، الذي طالما صدح بالغناء عن الحرية والكرامة، وبطولات الشعب والجيش المصري، وحتى بعد هزيمة يوليو التي أصابت الجميع بصدمة مروعة، وأدخلت البعض في حالة اكتئاب شديد، لم يسمح العندليب لشبح الهزيمة بالانتقاص من عزيمته، وفي أغنيته “عدى النهار”، للشاعر عبد الرحمن الأبنودي، والموسيقار بليغ حمدي، رأينا رغم النغمة الحزينة في البداية، انتهاء الأغنية بوعد حماسي بعودة قوية لمصر وهو يصرخ: “أبدا بلدنا للنهار، بتحب موال النهار”، وكأنه يخبر المصريين أن الهزيمة مجرد مرحلة وليست النهاية أيضا.

وعقب الهزيمة، وهب حليم أجر جميع حفلاته للجيش المصري، ومنها حفله بلندن، وكذلك نصيبه في إيرادات فيلم “أبي فوق الشجرة” الذي حقق نجاحا مدويا، وإيرادات كبيرة.

شادية

يعتبر الكثيرون شادية “صوت مصر”، لكثرة أغانيها الوطنية التي تعبر عن عشقها لوطنها، وفي الخمسينيات، كانت شادية من أوائل المشاركات في قطار الرحمة مع زملائها من الفنانين، وخلال سنوات حرب الاستنزاف وأكتوبر، تبرعت بأجرها في عدد من الحفلات لصالح الجيش، ودعم المصابين من الجنود.

فاتن حمامة

وكانت سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة من أبرز الوجوه الفنية في قطار الرحمة بالخمسينيات، كما قامت خلال حرب أكتوبر عام 1973، بزيارة الجرحى والمصابين للتخفيف عنهم، وتطوعت في قطاع التمريض مع الهلال الأحمر، وزارت أيضا أهالي الجنود من المصابين والشهداء.

ربما يعجبك أيضا