هل تستطيع الصين أن تصبح «القوة العلمية العظمى»؟

آية سيد
الصين-قوة عظمى

تظل المشكلة الكبرى التي تمنع الصين من أن تصبح قوة عظمى علمية هي تحرير المجتمع العلمي الصيني من نفوذ الحزب الشيوعي الصيني الحاكم.


يتخيل القادة في شرق العالم وغربه أن تصبح الصين القوة العظمى العلمية المهيمنة على العالم في المستقبل، وتتمكن من تحقيق أهدافها الكبرى.

ونتيجة لهذا، تزايدت الدعوات المطالبة بوجود رد أمريكي لضمان المكانة الريادية لواشنطن في التقدم العلمي والتكنولوجي، لكن يرى المحلل في شركة BluePath Labs، ما زيو، والخبير الاستراتيجي، بيتر سينجر، أنه يجب تصميم السياسة العلمية الأمريكية بطريقة تجذب العقول النابغة وتدعمها.

لماذا لن تصبح الصين قوة عظمى علمية؟

يذكر الكاتبان في مقال نشره موقع “ديفينس وان“، في 17 يوليو 2022، أن الصين تسعى جاهدة إلى تحقيق اثنين من الأهداف المتبقية في استراتيجية التنمية المدفوعة بالابتكار لعام 2016، ويتمثل الهدفان في الانضمام إلى الصف الأول للدول المبتكرة بحلول 2035، وأن تصبح “قوة عظمى علمية عالمية” بحلول 2050.

ويشير الكاتبان إلى تقرير حديث صادر عن BluePath Labs لصالح معهد الصين للدراسات الجوية والفضائية، الذي وجد أن الصين تعاني من مشاكل هيكلية متعددة في مجال العلوم والتكنولوجيا تعيقها عن تحقيق هدفها بأن تصبح قوة ابتكار معتمدة على الذات.

منظور نفعي

في “الأطروحة المصورة حول الممالك البحرية”، التي تعد أول عمل صيني مهم يتناول الغرب، طرح العالم الصيني، وي يوان، فكرة “تعلم المهارات من الأجانب من أجل كسب السيطرة عليهم”، هذه المهارات تشير إلى “السفن الحربية، والأسلحة النارية، وطرق تدريب الجنود”، وأدى هذا إلى تبني منظور عن العلوم والتكنولوجيا، والذي كان نفعيًا بشدة وكثيرًا ما كان يساوي العلوم مع التكنولوجيا بطريقة خاطئة.

ويقول الكاتبان إن هذا المنظور النفعي مستمر وله تداعيات كبرى على سياسة الصين تجاه العلوم والتكنولوجيا، مستشهدين بالتركيز الشديد على التطوير على حساب الأبحاث، التي تعد ضرورية للابتكار، ففي السنوات الأخيرة، مثلت الأبحاث الأساسية والتطبيقية 36% من نفقات البحث والتطوير الأمريكية، مقابل 17% للصين. ورغم إدراك قادة الحزب الشيوعي المشكلة، لكن يظل عدم التوزان قائمًا.

سيطرة الحكومة على العلوم والتكنولوجيا

يلفت الكاتبان إلى أن الصين تمنح الأولوية لسيطرة الحزب الشيوعي الصيني الحاكم على سياسات العلوم والتكنولوجيا. في هذا الشأن، أعلن الرئيس الصيني، شي جين بينج، أن سيطرة الحزب القوية “توفر ضمانًا سياسيًا أساسيًا لتعزيز مساعي الصين في العلوم والتكنولوجيا والابتكار”. وبالتالي فإن حرية البحث، التي تميز مؤسسات البحث العلمي الغربية، لا تزال بقعة عمياء رئيسة للعلوم والتكنولوجيا الصينية.

وبحسب الكاتبين، تفضيل الصين للنهج التنازلي (من أعلى إلى أسفل) في تخطيط العلوم والتكنولوجيا يخنق الابتكار، ويفترض أنه يمكن تخطيط التقدم العلمي عبر عمليات التعبئة واسعة النطاق ومشروعات البحث والتطوير الضخمة. لهذا، تكون خطط التنمية طويلة الأجل لبكين ضيقة الأفق وغير قادرة على التكيف مع الاكتشافات العلمية غير المتوقعة. وهذا يجعل الباحثين الصينيين متأخرين عن نظرائهم حول العالم.

المؤشرات الكمية لقياس الأداء

يذكر الكاتبان أن كل العوامل السابقة تؤدي إلى نظام يركز على المؤشرات الكمية لتقييم الأداء والخيارات الشخصية في العلوم والتكنولوجيا، إلا أن المؤشرات الكمية لا تقول الحقيقة دائمًا، فالتركيز المحدود على الأرقام الإجمالية يخفي مجموعة كبيرة من المشاكل الخطيرة.

في هذا السياق، يلفت الكاتبان إلى انتشار ظاهرة “النفايات الأكاديمية”، التي تتمثل في إنتاج عدد هائل من الأبحاث لأغراض لا علاقة لها بتحقيق تقدم في المجال، ما أدى إلى انتشار السرقة الفكرية، وتزوير النتائج، واستخدام العلاقات الشخصية للحصول على الترقية، ونتج عنه قدر كبير من انعدام الكفاءة في السياسة العلمية.

وبحسب إحصاءات الحكومة الصينية، شهدت بكين انخفاضًا شديدًا في العوائد مقابل المبالغ الضخمة التي استثمرتها في البحث والتطوير. ووفق أحد المقاييس، بلغ معدل التكنولوجيا الناتجة عن البحث والتطوير الممول من الحكومة أقل من 10%، وهو أقل بكثير من معدلات الدول المتقدمة البالغة 40% إلى 50%.

محاولات لإصلاح الخلل

يوضح الكاتبان أن صناع السياسة الصينيين أدركوا مؤخرًا هذه القيود ومحاولة إصلاحها، ووضعوا خططًا لدعم الأبحاث الأساسية وتمويلها بسخاء على مدار الـ5 أعوام المقبلة، ومعالجة آليات تقييم الأبحاث المعيبة، لكن تظل المشكلة الكبرى هي تحرير المجتمع العلمي من نفوذ الحزب الحاكم، بالإضافة إلى أن النظام الاستبدادي يصعب من جذب الباحثين من الخارج، وتوظيفهم والاحتفاظ بهم.

وفي الختام، يلفت الكاتبان إلى أنه من الضروري في أي منافسة استراتيجية عدم التركيز فقط على مواطن القوة والضعف في نموذج العلوم الصيني، بل أيضًا على ما هو مطلوب للتنافس معه. وفي نهاية المطاف، يقع رأس المال البشري في قلب منافسة القوى العظمى في مجال العلوم. لذلك، يجب تصميم السياسة العلمية الأمريكية بطريقة تجذب العقول النابغة وتدعمها.

ربما يعجبك أيضا