هل تستعد طهران للخروج من سوريا أم للانتقال إلى مرحلة جني المكاسب؟

يوسف بنده

رؤية – بنده يوسف

بدأت تداعيات تفشي كورونا في إيران تنعكس على نفوذها وتواجد قواتها في المنطقة وبالتحديد في سوريا، وفي هذا الصدد كشف المبعوث الخاص للشؤون الإيرانية برايان هوك في لقاء مع مجلة “فورين بوليسي” نشر الخميس الماضي، أن الإدارة الأمريكية بدأت تلاحظ انسحابات تكتيكية للقوات الإيرانية من سوريا.

وقال هوك: إن ارتفاع عدد الوفيات نتيجة تفشي الوباء في إيران ربما انعكس على رغبتها وحماسها في مواصلة الحروب بالوكالة في منطقة الشرق الاوسط.

وقال هوك: إن إيران تستخدم سوريا كمنصة لتهديد إسرائيل وممر للحفاظ على علاقاتها مع حزب الله مشيرا إلى رغبة الفاعلين في سوريا -في إشارة إلى روسيا- إلى تجاوز فترة الحرب والانتقال إلى سيناريو ما بعد الصراع لكن التواجد الإيراني أصبح عائقا.

والثلاثاء الماضي، ذكر براين هوك، أنه يجب على قادة النظام الإيراني الاختيار بين التفاوض مع إدارة دونالد ترامب أو إدارة اقتصاد منهار.

وفي إشارة إلى فاعلية “الضغوط”، قال براين هوك: “منذ أكثر من 3 سنوات حتى الآن، ما زلنا نواجه إيران ونسيطر عليها، من خلال الدبلوماسية والردع”، حسبما ذکرت صحيفة “نيويورك تايمز”، الثلاثاء 19 مايو/ أيار.

وفي صحيفة العرب، أشار المحلل العراقي، فاروق يوسف، إلى أن إيران لم تعد قادرة على تحمل تكلفة وجودها العسكري غير المباشر في سوريا. وإذا ما كان تأمين طريق طهران-بيروت قد شكل سببا رئيسا لذلك الوجود، فإنه في المرحلة المقبلة لن يكون ضروريا. ذلك لأن إيران لن تكون قادرة على تقديم الدعم إلى حزب الله وتمويله.

وأوضح يوسف، أن أذرع إيران في سوريا من وجود قوات من حزب الله اللبناني والميليشيات العراقية، يقع تحت نظر القوات الروسية وتتكفل إسرائيل بمعالجته من خلال ضربات جوية بين حين وآخر.

وسيكون من الصعب على حزب الله والميليشيات العراقية الاستمرار في البقاء على الأراضي السورية في ظل غياب العامل الإيراني. فبقاء النظام السوري لم يكن هدفا لذاته من وراء الحرب التي خاضتها تلك الميليشيات بل كان الهدف الرئيس يكمن في إبقاء طرق التمويل مفتوحة عبر سوريا.

لن تنتظر الميليشيات الإيرانية -ومن ضمنها حزب الله- طلبا من الحكومة السورية لكي تغادر الأراضي السورية. لقد صار واضحا أن هناك اتفاقا روسيا – إسرائيليا على ضرورة أن تغادر تلك الميليشيات في أسرع وقت.

وبغض النظر عن الضربات الإسرائيلية، فإن تكلفة الاستمرار في البقاء على الأراضي السورية صارت باهظة، وهو ما لا يستطيع حزب الله أو الميليشيات الأخرى تحمّله في ظل ضائقة مالية صار لبنان والعراق يعانيان منها. ناهيك عن الأفق صار مسدودا في وجه إيران.

صورة مغايرة

في صورة مغايرة للرؤية الأمريكية التي ترى أن إيران مضطرة للخروج من سوريا، كتب رياض قهوجي، رئيس تحرير موقع الأمن والدفاع، أن إيران ترسخ نفسها في سوريا ونصرالله يستكمل المسار الذي وضعه سليماني.

وأوضح قهوجي، أن التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط كشفت أن إيران مصممة على تعزيز وجودها في سوريا وأظهرت دورًا إقليميًا بارزا أكثر لأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله مما أثار التساؤلات حول ما إذا كان قد أصبح قائد الظل الفعلي لفيلق القدس الإيراني ذراع الحرس الثوري الإيراني.

فمنذ مقتل قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني في غارة أمريكية بطائرة بدون طيار في العراق في أوائل كانون الثاني/ يناير 2020، يتساءل الخبراء والمراقبون عمن سيتولى التنظيم المسؤول عن العمليات الخارجية للحرس الثوري الإيراني التي تشمل الإشراف على وإدارة  وكلاء إيران في المنطقة، وخاصة في العراق وسوريا ولبنان.

على الرغم من أن إيران عيّنت خليفة لسليماني، الجنرال إسماعيل قآني، إلا أن العديد من المراقبين شككوا في قدرته على إستكمال المسار سبب افتقاره للخبرة الميدانية وضعف معرفته باللغة العربية.

وأوضح مدير مؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري، أنه على الرغم من جميع التقارير حول إعادة نشر الجماعات المدعومة من الحرس الثوري الإيراني بعيدًا عن الحدود مع إسرائيل واحتمال تخفيض القوات الإيرانية في سوريا، إلا أن الحقائق على الأرض تشير إلى عكس ذلك. إذ لا يبدو أن الضربات الإسرائيلية تردع إيران. ويبدو أن الحرس الثوري الإيراني مصمم على تعزيز وجوده العسكري في سوريا.

في الواقع، فبمجرد مراجعة الضربات الجوية الإسرائيلية ضد الأهداف المتعلقة بالحرس الثوري الإيراني في سوريا في الأسابيع القليلة الماضية يظهر مدى انتشارها. في 4 أيار/ مايو ضربت إسرائيل أهدافًا متعددة في الأجزاء الشمالية والشرقية من سوريا. وقبل ذلك بأسبوع، ضربت مقاتلات إسرائيلية أهدافًا جنوب دمشق. العديد من الأهداف التي ضربتها الطائرات الحربية الإسرائيلية في سوريا هي نفسها، مما يعني أن الحرس الثوري الإيراني يواصل إعادة دعم قواعده وتعويض الأصول المفقودة. وأفضل مثال على ذلك قاعدة الإمام علي بالقرب من البوكمال في شرق سوريا التي تعرضت للضرب عدة مرات منذ آذار/ مارس. لم يكن الإيرانيون يرسلون أجهزة متطورة فحسب، بل أفيد أيضًا بناء مصانع لإنتاج صواريخ من عيارات مختلفة محليًا. أظهرت صور الأقمار الصناعية الأخيرة أيضًا منشآت تحت الأرض في قواعد مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني في سوريا يمكن استخدامها لتخزين الأسلحة أو كمصانع للصواريخ.

وأكد قهوجي، أنه من المرجح أن يستمر الحرس الثوري الإيراني في تجنب المواجهة مع إسرائيل والتركيز الآن على بناء قدراته وموارده في سوريا حتى يصبح في وضع جيد بما يكفي لفرض معادلة جديدة مع إسرائيل في سوريا. يبدو أن الحرس الثوري الإيراني يركز على تأمين الطريق السريع الذي يربط العراق في بلدة البوكمال شرقي سوريا بدمشق ولبنان. سيضمن ذلك ممرًا آمنًا لطرق الإمداد من إيران وصولاً إلى اللاذقية (على الساحل السوري) أو بيروت على البحر الأبيض المتوسط. لذا يبدو أن نصر الله يتأكد من أن جميع المكاسب التي حققها الحرس الثوري الإيراني في عهد سليماني في العراق وسوريا ولبنان لن تضيع. لذلك ، فإن وكلاء إيران أقوياء للغاية وواسعي الانتشار بحيث لا يمكن إزالتهم عن طريق الضربات الجوية. اقتلاع إيران ووكلائها يتطلب هجومًا بريًا كاملاً.

مرحلة جني المكاسب

وأوضح مدير موقع الأمن والدفاع العربي، أن الخطوة التالية المنطقية للمحور الإيراني هي تحويل مكاسبهم العسكرية إلى فوائد سياسية واقتصادية. وأن إيران وقعت بالفعل على عدد قليل من الاتفاقات الاقتصادية والتجارية الهامة مع النظام السوري في مجالات النقل والاتصالات والطاقة. وقد  فازت إيران بحقوق التنقيب عن النفط في شرق سوريا.

علاوة على ذلك، يدعو حزب الله وحلفاؤه إلى إنشاء سوق مشتركة تجمع لبنان وسوريا والعراق وإيران للسماح بحرية حركة البضائع والمنتجات للمساعدة في تخفيف الظروف الاقتصادية الصعبة التي يواجهها العديد من هذه البلدان دون الحاجة إلى اللجوء للمساعدة من دول الخليج العربي الغنية بالنفط أو الغرب.

مثل هذه الخطوة ستكون منطقية للغاية لإيران وتساعدها على فرض نفسها وجني المكاسب من سنوات من العمل الدؤوب لترسيخ مكانتها في بلاد الشام. علاوة على ذلك، فإن تشكيل سوق مشتركة سيمكن حزب الله وإيران من تجنب العقوبات الصارمة التي تفرضها عليهما الولايات المتحدة، كما سيسمحان لهما بتعزيز الضوابط الاجتماعية والاقتصادية على مساحة جغرافية شاسعة.

ربما يعجبك أيضا