في غياب استراتيجية أمريكية.. كيف فرضت الصين نفسها كقوّة عظمى سيبرانيّة؟

آية سيد
الصين

نفوذ الصين السيبراني لا يمكن إنكاره لهذا فإن طموحها بالتحول لقوة عظمى سيبرانية يبدو قد تحقق بالفعل.


أعربت الصين بوضوح عن هدفها بأن تصبح “قوّة سيبرانيّة عظمى”، وهي مكانة تشير إلى وجود استعداد للتنافس على القوّة مع الولايات المتحدة.

في هذا السياق، أوردت مجلة ناشيونال إنترست الأمريكيّة تقريرًا، في 20 مارس 2022، يفيد بأن نفوذ الصين على التكنولوجيّات العالميّة من خلال جهودها في الحوكمة العالميّة وتجارتها التكنولوجيّة مع العالم النامي، قد يرسخ وضعها كـ”قوّة سيبرانيّة عظمى” في المدى البعيد.

استراتيجيّة سيبرانيّة كبرى

يقول التقرير، الذي كتبته الزميلة بمركز بلفر للعلوم والشؤون الدولية، جوليا فو، إن الصين كانت واضحة بشأن استراتيجيّتها السيبرانيّة الكبرى ومركزية تلك الاستراتيجيّة في خطتها للحفاظ على دولة صينيّة مستقرة. ففي 2017، صرّح معهد أبحاث تابع لهيئة الفضاء السيبراني في دوريّة للحزب الشيوعي الصيني بأنه “إذا لم يستطع حزبنا اجتياز العقبة التي يمثّلها الإنترنت، فلن يبقى في السلطة على المدى الطويل”.

كذلك في 2018، شدد الرئيس الصيني شي جين بينج على أنه دون الأمن السيبراني لن يوجد أمن قومي. إلى جانب وصف مدير الاستخبارات الوطنيّة الأمريكيّة الصين بأنها “منافس أشبه بالندّ” العام الماضي، ووجود بعض المؤشرات التي تضع بكين خلف واشنطن مباشرة من ناحية القوّة السيبرانيّة، هنا يرى التقرير أن نفوذ الصين السيبراني لا يمكن إنكاره، وأن طموحها بالتحول لقوة عظمى سيبرانية قد تحقق.

مفهوم القوّة السيبرانيّة العظمى

ذكر التقرير أن مفهوم “القوّة السيبرانيّة العظمى” متعدّد الأوجه فهو لا يضم فقط الهجمات السيبرانيّة المدمّرة، بل أيضًا الدفاعات السيبرانيّة للدولة، ونفوذها على مجال المعلومات، والمراقبة والتجسس، والنفوذ على المبادئ السيبرانيّة والمعايير التقنيّة العالميّة، والكفاءة التكنولوجيّة التجاريّة.

ورغم أن الولايات المتحدة تظل في صدارة الكثير من هذه الأوجه للقوّة السيبرانيّة، فإن التقرير يحذّر من أن نفوذ الصين على التكنولوجيّات العالميّة من خلال جهودها في الحوكمة العالميّة وتجارتها التكنولوجيّة مع العالم النامي، قد يرسخ وضعها الجديد بصفتها “القوّة العظمى السيبرانيّة” في المدى البعيد.

جهود الصين للهمينة السيبرانيّة

لفت التقرير إلى أن جهود الصين التكنولوجيّة للسيطرة على مجالها السيبراني الداخلي، تتضمن إجراءات مثل جدار الحماية العظيم الذي يحجب الخدمات الأجنبيّة مثل جوجل وفيسبوك وتويتر، وإزالة محتوى المنشورات التي تنتقد سياسة الحزب الشيوعي الصيني، ما يتناقض بطرق كثيرة ومباشرة مع رؤية الولايات المتحدة لحوكمة إنترنت منفتحة وحرّة ومن الأسفل للأعلى.

أما على الصعيد الدولي، استثمرت الصين بقدر كبير في عنصر آخر من القوّة السيبرانيّة، وهو تشكيل النظام الإيكولوجي الرقمي العالمي حسب رؤيتها. وهنا يشير التقرير إلى أن إحدى الطرق لتطبيق القواعد في الأنظمة الإيكولوجية الرقميّة عبر التأثير في المعايير الدوليّة التقنيّة، وهي المواصفات التي تعمل على توحيد المنتجات والخدمات والعمليّات حتى تصبح قابلة للتشغيل المتبادل عبر الحدود.

لكن يبدو أن التأثير في نظام التوحيد الدولي ليس أولويّة استراتيجيّة للحكومة الأمريكيّة، ما مهّد الطريق على مدار العقد الماضي للمرشحين الصينيين لتولّي قيادة العديد من منظّمات تطوير المعايير الدوليّة، من المنظّمة الدوليّة للمعايير إلى اللجنة الكهروتقنيّة الدوليّة والاتحاد الدولي للاتصالات.

كيف يساهم طريق الحرير الرقمي في الهيمنة الصينيّة؟

يشدد التقرير على أن التأثير في المعايير التقنيّة الدوليّة مهم، لكن ما يهم فعلًا اعتمادها في السوق. وهنا يساعد طريق الحرير الرقمي الذي يُعدّ مكوّنًا فرعيًّا لمبادرة الحزام والطريق الصينية، في تحقيق طموحات الصين بأن تصبح قوة سيبرانية عظمى. وفي 2016، أورد الإعلام الصيني أن بكين أبرمت مذكرات تفاهم مع 16 دولة بشأن إنشاء طريق الحرير الرقمي.

وأوضح التقرير أن شركات التكنولوجيا الصينيّة تحصل من خلال طريق الحرير الرقمي على الدعم لكسب موطئ قدم في الأسواق غير المستقرة سياسيًّا، حيث قد لا تغامر شركات أخرى بسبب الاتجاه التصاعدي التجاري المحدود قصير الأجل، بالتالي هذا الدعم من الحكومة يضع حجر الأساس لمسار يعتمد على التكنولوجيا الصينية في الأسواق النامية، ما قد ينتج عنه سنوات من الخدمات والتجارة للحفاظ على هذه الأنظمة الإيكولوجيّة الرقميّة وتحديثها.

معضلة الغياب الأمريكي الأوروبي.. وكيف يمكن حلها؟

يشدد التقرير على أن التأثير في المعايير التقنيّة الدوليّة من الأعلى، ووجود صناعة لاعتماد هذه المعايير ونشرها يعدّ من الأمور الضروريّة لتشكيل الأنظمة الإيكولوجيّة الرقميّة، لكن الغياب النسبي للشركات غير الصينية في الأسواق النامية يُعتبر نقطة ضعف للولايات المتحدة وحلفائها التي ربما لا تمتلك نفس الأنواع من شركات التكنولوجيا بصورة فرديّة، لكن قد يستطيعون مجتمعين.

وخلص التقرير إلى أنه بينما من الصعب على الحكومات الأمريكيّة والأوروبيّة تخطيط استراتيجيّات بعيدة المدى للبقاء في الصدارة تكنولوجيًّا، فمن الضروري أن يفعلوا هذا في ما يتعلق بالصين، وإلا ربما يتركون الباب مفتوحًا دون قصد أمام  بكين كي تصبح القوّة العظمى السيبرانيّة الوحيدة.

ربما يعجبك أيضا