هل يستعد “القيصر” للإقلاع؟

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

“عندما يختار بوتين أن يركض، سوف يفوز بشكل رائع”، هذا هو الاعتقاد السائد عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سواء داخل بلاده أو خارجها، فهل سيختار أن يركض في المارثون الانتخابي المقبل أم سيختار مغادرة المضمار؟،  الشهر الماضي أكد أن بقاءه في الحكم “مرهون بالظروف”، وبالأمس نقلت صحيفة “الاندبندنت” عن خبراء روس توقعات قوية بأن تكون انتخابات مارس 2018 موعدا لإعلان رحيل بوتين عن الحكم.

منذ أن وصل بوتين إلى القصر الرئاسي عام 2000 وحتى اللحظة، بدا متمسكا بالسلطة إلى أبعد حد، وتمكن من تقديم الكثير لروسيا على الصعيدين الداخلي والخارجي، لذا كان من الطبيعي عام 2008 بعد أن قضى في منصبه فترتين متتاليتين وبحسب الدستور أن يأتي ببديل في لعبة أشبه بالكراسي الموسيقية، ليأخذ قسطا من الراحة المزيفة على كرسي رئاسة الوزراء، ليعود ثانية إلى مكانه الطبيعي على قمة هرم السلطة بانتخابات سبقتها حملة دعاية ضخمة عام 2012، والآن ينتظر الجميع أن يخرج الرجل الغامض عن صمته المعهود ليعلن موقوفه بوضوح من الانتخابات الرئاسية المقررة في مارس 2018.

لكن بوتين الذي احتفل الشهر الماضي بعيد مولده الـ65، يبدو مترددا من الترشح لولاية جديدة، رغم أن كل المؤشرات داخل روسيا تؤكد أنه سيفوز بسهولة، نتيجة عدة عوامل أهمها قبضته القوية على مفاصل الدولة ومؤسساته لاسيما الكرملين والقضاء والاستخبارات، عدم قدرة المعارضة على الاتفاق حتى الآن على مرشح واحد، وبالرغم من إعلان شخصيات مثل زعيم المعارضة ألكسي نافالني والإعلامية كسينيا سوبتشاك نيتهما الترشح، إلا أن الأول لن تقبل أوراقه نظرا لإدانته بتهم يجرمها الدستور الروسي، أما الثانية فتبدو بحسب استطلاعات رأي روسية أقل إقناعا للناخبين.

روسيا ما بعد بوتين

يقول جليب بافلوفسكي المستشار السابق في الكرملين لـ”الإندبندنت”، إن النظام في روسيا يدخل إلى مرحلته النهائية، لكن الرئيس لم يوضح نواياه بعد، حتى لأقرب زملائه، ربما يفكر في التخلي عن السلطة ليتمتع بثروته التي تقدر بـ160 مليار جنيه استرليني، وتضعه ضمن قائمة أثرياء العالم متقدما على بيل جيتس بثلاث أضعاف.

ويضيف فاليري سولوفي، الأستاذ بمعهد موسكو للعلاقات الدولية، من غير المرجح أن تتمكن المعارضة الروسية من الاتفاق على خليفة لبوتين، فهو يتربع منذ صعوده السياسي في التسعينيات من القرن الماضي على قمة نظام سياسي شخصي للغاية يمنحه دورا فريدا، وعنما يتعلق الأمر باحتمالات خروجه من الحكم، فهذا سيكون بمثابة زلزال يضرب موسكو.

في أغسطس الماضي قام صندوق “سياسة بطرسبورج” بإجراء تصنيف للشخصيات المؤهلة للفوز بانتخابات الرئاسة الروسية، وتقدم هذه الشخصيات رئيس الوزراء الحالي دميتري ميدفيديف، يليه عمدة موسكو سيرجي سابيانين، فيما حل حاكم مقاطعة تولا أليكسي ديومين في المرتبة الثالثة، متقدما على وزير الدفاع سيرجي شويجو ورمضان قديروف رئيس جمهورية الشيشان.

بنظرة سريعة إلى هذه الأسماء نرى أنها تنتمي إلى الدائرة المقربة من بوتين بلا استثناء، لنكتشف أن هذا الرجل غير المتوقع، يدرس كل خطواته بعناية فائقة، فهو طوال السنوات الماضية إلى جانب جمعه للمال والثورة كما يرى البعض تمكن أيضا من جمع كل خيوط السياسية الروسية في يده، وأحاط نفسه بأشخاص يدينون له بالولاء قبل أي شيء.

رحيل من أجل الثروة

من الصعب أن نتخيل صحة التوقعات التي تشير إلى أن بوتين قد يرحل عن السلطة باختياره من أجل الاستمتاع بثروته الضخمة، فمثله لا يتخلى عن مكاسب سنوات من الحكم بكل سهولة، كما يجدر به الخوف من نهايات درامية تطارد أمثاله من أصحاب التاريخ الملوث بالقتل والدمار، لكن يبدو أنه بالفعل متعب ومتردد كما أكدت “الاندبندنت” في تقريرها، ففي خريف 2016 طلب من رجاله وضع سيناريوهات رحيله المحتمل عن السلطة، وبالأمس القريب قال إن قراره بشأن الترشح لولاية أخرى يعتمد على الوضع القائم في بلاده والعالم ومزاجه، مضيفا هناك قواعد يتضمنها الدستور، ولن أنتهكها، إلا أنني لست واثقا بأن علي أن أستفيد من حقوقي الدستورية بصورة كاملة.

تقول “نيوزويك” اليوم في مقال بعنوان “بوتين يستعد للإقلاع حتى يتمكن من إنفاق160 مليار جنيه استرليني”، أفادت تقارير مستقلة بأن الزعيم الروسي يفكر في الانسحاب من الانتخابات الرئاسية المقبلة، في خطوة من شأنها أن تهز السياسة العالمية، وتحول بوتين إلى مربع أثرياء العالم ليستمتع بإنفاق ثروته التي تقدر بنحو  160 مليار جنيه أسترليني.

ونشرت صحيفة “ميرور” البريطانية بالأمس تقريرا تطرق إلى ثروة بوتين الضخمة، موضحا أن من بين هذه الثورة أربعة يخوت فاخرة أشهرها يخت بقيمة 28 مليون استرليني أهداه له الملياردير الروسي رومان أبراموفيتش، وقصر في البحر الميت بـ800 مليون إسترليني، ونحو 58 طائرة ومروحية، ومجموعة ساعات تبلغ قيمتها نصف مليون استرليني ومجموعة من العقارات الفاخرة، فيما نقلت الصحيفة عن بيل برودر أحد كبار المستثمرين الأمريكيين في روسيا، تأكيدات بأن هذه الثروة قدرت عام 2000 بنحو 200 مليار استرليني.

لكن بوتين ينكر كل هذه التقديرات، ففي عام 2015 أكد أن دخله يبلغ 95 ألف استرليني وهو راتبه الرئاسي بالإضافة إلى إمتلاكه لشقتين وموقف للسيارات، لذا رجح البعض أن يترك السلطة مع بلوغه الـ65 من أجل التمتع ببثروته الحقيقية بعيدا عن حساسيات منصبه السياسي.

الحياة.. الحب.. الحرية، هذه هي القيم الأساسية في حياة بوتين، فهل يختار الحرية وينهي مسيرته السياسية ليرغد بحياة البذخ والرفاهية، أم أنه يدرك أن لعبته لا يمكن أن تنتهي بهذه الصورة وأن السلام لن يكون في انتظاره خارج مقاعد السلطة التي ربما تحميه؟.. هذا ما ستجيب عنه الأيام المقبلة مع بدء التحضيرات الرسمية لانتخابات مارس 2018.

ربما يعجبك أيضا