هل يمثل الشمال السوري غوانتانامو القارة الأوروبية؟

محمود رشدي

رؤية – محمود رشدي

وكأن الملاذ الأوروبي من الهجمات الإرهابية لم ينته بعد عقب احتضار تنظيم داعش بالشمال السوري، فقد تلقت القارة العجوز العديد من هجمات الذئاب المنفردة مما أفقدها صوابها في كيفية المواجهة في ظل تزايد موجات اللاجئين إليها من الشرق الأوسطي. بالرغم من أن الباقين من داعش لا يتجاوز بضع مئات تقبع في سجون القوات الكردية، إلا أن الهجمات الإرهابية لا تزال تسبب تصدع الأمن بداخلها، ما جعلها تفضل البقاء في منأى عن العائدين من داعش بوجودهم داخل سجون القوات الكردية في مقابل المواجهة أو تصحيح مسارهم.

دخلت أوروبا في سجال بين مسؤوليها بشأن العائدين من داعش وطرحت العديد من الإجراءات للتعامل معهم. فما بين إجراءات نزع الجنسية والعفو عنهم تواجدت عقوبة السجن والملاحقة القضائية، إضافة إلى إعادة التأهيل داخل المجتمع. كما يمكن تقدير العائدين بحوالي 800 فرد، تستحوذ كل من ألمانيا وفرنسا وبلجيكا وبريطانيا على حوالي 90% منهم بحسب تقديرات المركز الدولي لدراسة التطرف (ICSR).

وفي فبراير الماضي، هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الدول الأوروبية بإطلاق سراح مقاتلي داعش من السجون الكردية (مدعومة من القوات الأمريكية) إذ لم إذا لم تتدخل تلك الدول وتستعيدهم وتحاكمهم في محاكمها الخاصة.

ترامب يهدد

في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، طالب ترامب كلًا من فرنسا وبريطانيا وألمانيا باستعادة ما يقرب من 800 مقاتل داعشي تم القبض عليهم في سوريا لمحاكمتهم في بلادهم، موضحًا أن البديل لن يكون جيدًا، حيث ستضطر واشنطن لإطلاق سراحهم، وهو ليس خيارًا جيدًا، خاصة وأنهم بحسب وصف الرئيس الأمريكي “ما زالوا قادرين على فعل الكثير”.. تاركًا “حلفاءه الأوروبيين” – كما اعتاد وصفهم، في حيرة من أمرهم.

عودة مشروطة

طالب الوزير في أكبر ولاية ألمانية من حيث السكان بضرورة جمع المعلومات الاستخبارية عنهم وبشكل مبكر قبيل البت في ملف عودتهم إلى البلاد لكي يكون ممكنًا إدخالهم السجن بشكل سلسل. لكن الوزير يعترف أيضا بصعوبة التعامل مع المتشددين الذين لا توجد أدلة على تورطهم في ارتكاب جرائم في الخارج، ما يعني إطلاق سراحهم في البلاد.

بيد أن وزير داخلية ولاية برلين أندرياس غايزل وهو من الاشتراكيين فذهب إلى ما بعد مرحلة المقاضاة القانونية للعائدين من المتشددين الداعشيين، حيث طالب ببرامج تسمح بخروج المتشددين من مسار التشدد الإيديولوجي والعودة إلى مسار المجتمع الاعتيادي، هذا إلى جانب مراقبة مكثفة لكل من يشكل منهم خطرا على الأمن الداخلية أو يتم تصنيفه “بالخطير” أمنيا.

رفض قاطع

الموقف الألماني القابل لمبدأ العودة للوطن قابله رفض أوروبي جماعي، فقد أعلنت وزيرة العدل الفرنسية نيكول بيلوبيه يوم الإثنين أن بلادها لن تتخذ أي إجراء في الوقت الحالي بناء على طلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من حلفاء أوروبيين استعادة مئات من مقاتلي “داعش” من سوريا، وأنها ستعيد المقاتلين على أساس مبدأ “كل حالة على حدة”.

وقالت بيلوبيه: “هناك وضع جيوسياسي جديد في ظل الانسحاب الأمريكي.. ولن نغير سياستنا في الوقت الحالي.. لن تستجيب فرنسا في هذه المرحلة لمطالب ترامب”.

وتقضي سياسة الحكومة الفرنسية برفض استعادة المقاتلين وزوجاتهم، ووصفهم وزير الخارجية جان إيف لو دريان بـ”أعداء” الأمة الذين يجب أن يمثلوا أمام العدالة سواء في سوريا أو العراق، لكن وزير الداخلية كريستوف كاستانير أعلن في أواخر يناير أن انسحاب الولايات المتحدة من سوريا أجبر فرنسا على الاستعداد لعودة عشرات المتشددين الفرنسيين. وتحاول باريس بالفعل إعادة القصّر على أساس مبدأ كل حالة على حدة.

أما عن الدنمارك، أعلن المتحدث باسم رئيس الوزراء الدنماركي، مايكل ينسن، رفض بلاده استقبال الدواعش قائلا إن “الحديث يدور عن أخطر أشخاص في العالم، ولذا لا ينبغي لنا أن نستقبلهم”.

وأشار ينسن إلى أن قرار ترامب بسحب القوات الأمريكية من سوريا الذي أعلن عنه في ديسمبر الماضي، سابق لأوانه، لأن الوضع في البلاد لا يزال غير مستقر.

ترتعد أوروبا من احتمالية كون سجناء الأكراد من الدواعش بمثابة قنابل موقوتة تمثل المسلسل الجديد من العمليات الإرهابية داخل أوروبا بمجرد عودتهم لبلدانهم الأصلية مرة أخرى، أضافة إلى تكاليف أعادتهم من المراقبة والإصلاح، إضافة إلى تلويث الجو الإصلاحي بالسجون الأوروبية وتحويلة لأرض خصبة من العمل الجهادي.

ربما يعجبك أيضا