وثائقي “داخل القصر”.. “إدمان وتعذيب وقتل”.. سلسلة فضائح تلاحق “آل ثاني” خارج البلاد

ياسمين قطب

رؤية – ياسمين قطب

في سبتمبر من عام 2015 في أحد شوارع منطقة بيفرلي هيلز الراقية، بمنطقة لوس أنجلوس، مطاردة للشرطة، مع سيارة صفراء مخالفة تقطع حاجز السكون، بعد بلاغ من سكان الحي، والتي تبين لاحقا أن راكبها أحد إخوة حاكم قطر الحالي، الشيخ خالد بن حمد آل ثاني.

من هنا بدأت قصة كشف سلسلة فضائح للأسرة الحاكمة القطرية، في وثائقي بعنوان “داخل القصر” لقناة العربية.. فكيف كانت البداية؟

2009 .. الرياضة وتحسين الصورة

في عام 2009، دخلت الدوحة معترك تحسين صورتها الذهنية أمام العالم الغربي، عن طريق دعم الرياضة، ومن ضمن الخطوات، كان الاهتمام بعالم سباق السيارات، وأوكلت تلك المهمة إلى أحد أبناء حاكم قطر وقتها، وشقيق الحاكم الحالي، الشيخ “خالد بن حمد آل ثاني”.

وسلك خالد مضمارا آخر، وهو مخالفة القوانين الأمريكية، فبعد ملاحقة الشرطة له في سبتمبر 2015 لتهديده سكان “بفرلي هيلز”، لجأ إلى الكذب ليهرب من العدالة ويعود إلى الدوحة.

وفي تصريحات متلفزة وقتها صرحت شرطة “بفرلي هيلز” أن قائد السيارة هو القطري الشيخ خالد بن حمد آل ثاني، وأن وزارة الداخلية علمت أنه استطاع مغادرة البلاد، وأنه ادعى كذبا امتلاكه لحصانة دبلوماسية، وهذه مخالفة أخرى.

وكانت تلك الحادثة هي بداية تعرف الأمريكيين على شقيق أمير قطر الذي سيصبح لاحقا حديث الكثير منهم، بعدما كانت وظيفته تحسين صورة الدوحة لديهم.

وصفته الصحافة البريطانية في ذلك الوقت بالفتى المستهتر.

وفي السياق ذاته قالت “إيرينا تسوكرمان” -المحامية والمتخصصة في مجال حقوق الإنسان- إن الشيخ خالد يجسد فساد عائلته، عمره 36 عاما، يدعي امتلاك شركة قابضة ذات أنشطة دفاعية، وعرف بأنشطة رياضية أخرى مثل سباق السيارات، والتورط أيضا في أنشطة غير قانونية أخرى.

وأوضحت أن إدارته للشركة كانت ادعاء، فضلا عن الأعمال المجهولة التي تقوم بها الشركة، وأنه يجب تحري الدقة في مراقبة عمليات تلك الشركة، لمعرفة الطريقة التي تدير بها قطر شركاتها.

برقية ويكيليكس 2012

برقية من “ويكيليكس” في عام 2012، كشفت حجم التصدع الذي ضرب أبناء حمد، بعدما تخطى الأب أكبر نجليه مشعل وفهد لمنصب ولاية العهد، ليعين الثالث جاسم بن حمد وليا للعهد، عام 1996، ماأصاب مشعل وفهد بالاستياء، ودفعهما إلى عدم الاكتراث بالحياة برمتها.

وبعد مرور 7 أعوام على تعيين جاسم وليا للعهد؛ بدأ يتطلع إلى مزيد من السلطات والصلاحيات، كتلك التي يتمتع بها حمد بن خليفة قبل أن ينقلب على والده عام 1995.

وأشارت البرقية إلى أن طموح الابن جاسم أثار حفيظة أبيه حمد، ما دفعه إلى تنحيته في عام 2003، ليحضر ابنه الرابع تميم من اللجنة الأولمبية إلى الديوان الأميري.

ووسط الصراع المتوارث على كرسي الحكم في الدوحة، كان خالد بن حمد منشغلا بقضايا تلاحقه داخل محاكم الولايات المتحدة.

القضية الأولى

محكمة في فلوريدا يتم فيها تداول أوراق قضية للشيخ خالد بن حمد، والتي بدأت فصولها عام 2015.

وصفتها “إيرينا تسوكرمان” المحامية والمتخصصة في مجال حقوق الإنسان، بأن تلك القضية هي فقط الجبل الجليدي الذي يخفي الكثير تحته، وأن القصة لم تنته هنا.

وأكدت أن قطر والعائلة الحاكمة تفسد كل ما تلمسه، من المؤسسات المالية إلى الإعلام وجماعات الضغط، فاستحوذوا إعلاميا على العديد من الشركات في أمريكا وغيرها، وأشهرهم “واشنطن بوست”.

وأوضحت أن هناك علاقة غريبة بين “واشنطن بوست” ومؤسسة “قطر الخيرية” التي وظفت مسؤولا بالخارجية الأمريكية لإدارة عملياتها الإعلامية.

قضية الحارس الشخصي

قابلت قناة “العربية” أشخاصا مقربين تعاونوا مع الشيخ خالد بن حمد عن قرب، وشهدوا تفاصيل القضية وغيرها، ومن أبرزهم الحارس الشخصي له “ماثيو بيتارد” الذي يملك شركتين أمنيتين في فلوريدا، وساهم في تأسيس شركة أمنية لحساب الشيخ خالد.

قال بيتارد: بدأنا بإجراءات تدشين الشركة ثم حصلت له حادثة السيارة الشهيرة في 2015، واختفى عني لمدة عام لم أسمع عنه شيئا، وعرفت بعد ذلك أنه طلب منه العودة إلى بلاده، وبعد ذلك بفترة قصيرة بدأت بتوفير الأمن له ولعائلته، وكان لدي فريق يعمل على ذلك.

وقالت “ريبيكا كاساتانيدا” -محامية للدفاع عن المدعوين ضد الشيخ خالد- إن بيتارد كان يعمل لدى خالد بن حمد محارس أمن شخصي، عمل لصالحه في أمريكا وفي قطر، ورافقه في كل المدن التي ذهب إليها.

دعوتان للقتل

 
ذكر بيتارد الحارس الشخصي لخالد بن حمد: “أول شخص طلب مني أن أقتله كان بسبب دين مستحق، وهذا الشخص كان يمتلك صورا فاضحة للشيخ خلال حفلات ومناسبات خاصة في لوس أنجلوس، فطلب مني أن أقتل هذا الشخص، ولأني على دراية بحالة الشيخ العقلية، قلت له أني سأتولى هذا الأمر بأسلوبي الخاص، فكنت أرغب بمعرفة القصة كاملة، فتواصلت مع الرجل وفهمت منه كافة التفاصيل، وحدثني عن ماضي الشيخ وسلوكه قبل مجيئه إلى هنا، وما هي قصة المبلغ الذي يدين به، فقلت له انظر، سأجري ترتيبات سداد الدين لك، ويكون كل شيء على ما يرام.

وعن طلب قتل آخر، قال ماثيو إنه طلب منه -وكان منزعجا جدا- لعدم تجاوبي، وقال أنت عصيتني، أنت لست رجلا مطيعا، فقلت له أنا لا ألبي كل ما هو غير قانوني وغير أخلاقي.

وأضاف: أنا لست طبيبا، لكني أجيد قراءة الأشخاص وطباعهم، إنه يحتاج إلى مساعدة نفسية، فهو يعتقد أنه يعيش في عالم مختلف، وهذا الأمر مألوف لدى شخص لم يشارك في أي عمليات قتالية، ويعيش ذلك من خلال التلفاز فقط.

وأوضحت إيرينا تسوكرمان -المحامية والمتخصصة في مجال حقوق الإنسان- أن كل من يعملون لدى قطر يعكسون سياستها الخارجية، بانتقاء أعدائها متجاهلين انتهاكات قطر.

ساءت العلاقات بين خالد بن حمد، وماثيو بيترد حاول العودة إلى الاتفاق الأول، وهو العمل معه في تدريب وحدات الأمن، فذهب معه إلى قطر وتدهورت العلاقات بينهما.

يذكر ماثيو أن العمل في قطر مع القوات الخاصة كان ملائما له وأسعده، فهي كانت الخطة البديلة لتقديم المساعدة والابتعاد عن الشيخ خالد بتصرفاته الغريبة.

وتفاجأ ماثيو بيترد هناك في الدوحة، بأن شخصا أمريكيا آخر يعاني الاحتجاز والمعاملة السيئة في قطر، فحاول ماثيو بشتى الطرق أن يساعده في الهرب.

وصرحت المحامية ريبيكا كاساتانيدا، بأن ماثيو كان في قطر لأجل تدريب أفراد الشرطة وقوات خاصة، وتقديم الحراسة إلى الشيخ، وعلم وقتها أن هناك شخص أمريكي محتجز قسرا في قصر الشيخ، وأن ماثيو الوحيد هو من يستطيع مساعدته، فنجح في ذلك ونقله إلى خارج الدوحة ثم خارج البلاد.

احتجز بعدها الشيخ خالد، ماثيو بيترد، لأنه كان يطمئن على المواطن الأمريكي، وثبت تعاونه مع عدد من الوكالات الأمريكية، واصبح ملاحقا من الشيخ والعاملين معه.

وأوضح ماثيو أن الشيخ حاول الوصول إليه في البداية لكنه لم يعرف مكانه، فاتصل بالأمريكي الآخر، وجلبه للقصر خلال وقت قصير، وساءت الأمور، فتلقى ماثيو مكالمة هامسة من داخل القصر بأنه يجب أن ينقذ الأمريكي الآخر، وصادر الشيخ هواتف الأمريكي الآخر وعلم أني على اتصال به، فاتصل بي وهددني بالقتل والدفن في الصحراء وقاللي حرفيا: “سوف اقتلك وأدفنك في الصحراء وأقتل عائلتك”.

أوقف رجال خالد بن حمد ماثيو بيترد، ووضعوا وجهه إلى الحائط وجردوه من متعلقاته الشخصية وهواتفه، وأدخلوه لمقابلة الشيخ.

وصف ماثيو اللقاء قائلا: “كنا ثلاثة في الغرفة، وكان الرئيس التنفيذي حاضرا، فقال: لم لم تأت إلي؟ فقلت: في حالتك العقلية تلك.. وبمجرد ما لفظت كلمة “العقلية” قاطعني وأشار إلى خليل الرئيس التنفيذي، وقال له :”أرايت”.. فعل ذلك لأن هناك لاتستطيع اتهام أحد بشيء، من الممكن أن تسجن خصوصا من آل ثاني، حينها جلست ونظرت إليه وقلت: “لقد أنقذت حياتك وتعاملني هكذا! ، فنظر للخلف وكأنه يقول: “لماذا تذكرت الأمر؟”، بعدها استأنف قائلا “اجلبوا الوثائق”، فأحضروا له وثائق جديدة ودفع ثوبه إلى الخلف ووضع رجليه على الطاولة، ووضع مسدس “glock 26” على فخذه الأيمن وقال: “إذًا مارست أحد ألاعيبك” ولم يوجه سلاحه نحوي، وإلا كانت القصة مختلفة تماما، ولما كنت هنا لأروي لكم ما حدث.

وفي نهاية المطاف نجح بيترد في مغادرة القصر والرحيل عن قطر بعدما تم أخذ كافة مقتنياته الشخصية.

القضية الثانية

قضية أخرى نورط فيها نجل أمير قطر السابق، مع مسعفه الأمريكي الخاص.

يروي ماثيو أليندي، بأنه طلب منه العمل مع الشيخ خالد لأنه سبق أن تعاطى جرعة مفرطة من المخدرات، وأدركوا أنه يعاني إدمانا للمخدرات، وبحاجة إلى وجود مسعف معه طوال الوقت، لأنه يحب الحفلات وربما تخرج الأمور عن السيطرة.

وأضاف: “عندما وصلت إلى قطر، وجدت عالما كبيرا من العقاقير التي لا تمنح بوصف طبيب، إنها تحديدا “الأفيون”، وكان الأمير يستيقظ صباحا ويحاول إخفاء الأمر، وكان دوما يحمل حقيبة فيها عقاقير مخدرة، وكنت أشاهده يتعاطاها، وألاحظ كيف تتغير حالته العقلية، وكيف يتلعثم في كلامه، وتتغير تصرفاته، ويحب البقاء هكذا أغلب الوقت.

وأوضح: اضطررت مرارا لوضع جهاز قياس النبضات للتحقق من كمية الأوكسجين في دمه عندما ينام للتأكد إن كان نائما أم فاقدا الوعي، كما أوصانا أن نفعل بقوله: “تأكدوا دوما من سلامتي ونبضي”.

وعرض ماثيو حارسه الشخصي في التقرير حقيبة سوداء قال عنها: “في تلك الحقيبة كنا نحمل دوما عقاقير طبية، وإسعافات أولية، وبعض الضمادات، حال حصول حادث أو إطلاق رصاص، وكنت أحمل حقيبته الشخصية التي فيها هواتفه وجوازات سفره والأوراق المهمة، والشيء الوحيد الذي يبقى هنا الآن هو دواء انتهت صلاحيته، لأننا تسلمناه وقتها بوصفة طبية، وهي نفس الحقنة التي أعطيناه إياها لإنعاشه، وهي مادة مضادة للأفيون، وهي الوحيدة المتبقية لي، ولم أره يحقن نفسه قط”.

فرض السيطرة والاحتجاز

 قالت المحامية ريبيكا كاساتانيدا، محامية المدعين، أن من كان يعمل لدى الشيخ لم يتمتع بأي حرية للتنقل أو الخروج إلا بإذن.

وأوضح ماثيو أليندي مسعفه الخاص: “كان مكان إقامتي تحت غرفته مباشرة، وكان الخدم دوما يوقظونني من النوم “الشيخ يحتاج إليك” وأساله ما بالك… “لا شيء فقط اجلس هنا”، وكنت أجلس نحو 12 ساعة دون فعل شيء.

وقال: “بعد إلحاح مني بالمغادرة، أخيرا سمح لي بالمغادرة، وعندما وصلت للبوابة كان مترددا للغاية بشأني، فقال لي الحرس الأميري: الشيخ قال إنك لن تغادر، الشيخ غير رأيه، فقلت: أنا أمريكي ولن تحتجزني هنا قسرا .. واستمر الحديث وكان الجندي مسلحا وكان الأمر مخيفا بسبب السلاح، وهو المسؤول أيضا عن أمن المجمع.

وأضاف: كان هناك سياج من حجارة وحديد بجانب البوابة، ارتفاعه 5 أقدام ونصف قبل السور وبجواره كلب حراسه، وبعد 20 دقيقة من النقاش قررت المغادرة بطريقتي؛ وركضت بسرعة ووضعي البدني كان أفضل من الحارس، وجريت إلى السياج واستخدمت بيت الكلب لتسلق الجدار، ثم قفزت، وسقطت بشكل مؤلم، ولم أنجح في محاولتي وكسرت قدمي ذلك اليوم، فداهمني الحراس وأرسلوني إلى باب القصر، أمسكا بي وأعاداني إلى مقر إقامتي.

وبعد ليلة مؤلمة قالوا لي: الشيخ خالد يرغب برؤيتك.. كنت قلقا مما سيحصل لي الآن، فقزت على قدم واحدة وصعدت إلى غرفة نومه فنظر لي قائلا: “كيف حالك أيها الرجل العنكبوت هل تسلقت الجدار؟”.

وبعدها غادر المسعف للدوحة معطوب القدم، لكن القصة لم تنته، وبدأت قصة جديدة داخل الولايات المتحدة، وفوجئ بتعرض صديقته للاغتصاب في الحادي والعشرين من فبراير 2020.. واتهم شقيق حاكم قطر بالاعتداء على صديقته وتركها بين الحياة والموت.

وأوضحت المحامية أن المدعيان يطالبان بالمحاكمة أمام المحاكم الأمريكية، وبالإضافة إلى الإيذاء الجسدي، كان هناك تأخير في صرف الرواتب والمستحقات.

واضافت أن كلا الشخصين تم توظيفهما للقيام بأعمال صعبة، لكنها لا تسمح بأي حال بالاحتجاز قسرا خارج البلاد.

وتواصلت قناة العربية مع السفارة الأمريكية في قطر لكنها لم تستجب.

ربما يعجبك أيضا