وفاء قطب.. مأذونة ومرشدة أسرية وأخصائية نفسية إذا لزم الأمر

سهام عيد

سهام عيد – عاطف عبداللطيف

وسط أجواء من الفرح والزغاريد، ينتظر الجميع لحظة دخول المأذون ليتولى مهمة عقد الزواج -كما هو متعارف في الأفراح الإسلامية- فتظهر فتاة محجبة تعلو الابتسامة وجهها، تبارك الحضور، وتمسك بدفترها وتبدأ مراسم الزفاف، وسط لحظات من السعادة والاستغراب.

على مدار سنوات عُرف المأذون بزيه الأزهري الشهير العمة والكاكولا، إلا أن وفاء غيرت أبسط معالم المهنة ووضعت بصمتها، وأضافت إليها طابعا أنثويًا جميلًا.

فور تعينها، شهد الشارع الإسماعيلي حالة من الاستغراب، غير أنها لم تستمر طويلًا فسارع الشباب المقبلين على الزواج بالحي التابع لها بالحجز لديها، وهو ما لم تكن تتوقعه وفاء، حيث كانت متخوفة من ردود فعل الناس ومدى تقبلهم لوظيفتها: “بس اللي حصل العكس تمامًا الناس تقبلتني جدًّا جدًّا وفرحت بي جدًّا جدًّا”.

تخرجت وفاء من كلية الحقوق جامعة الزقازيق عام 2006، وحصلت على ماجستير قانون من جامعة الزقازيق، وعملت معاون قضائي في محكمة الإسماعيلية الكلية وتقدمت لوظيفة مأذون عام 2009 ضمن 31 رجلًا، وكانت هي السيدة الوحيدة.

ترى وفاء، أن مهنة المأذون الشرعي “إنسانية” في المقام الأول، وليس مجرد وظيفة قانونية أو وظيفة توثيق، وفي فترة وجيزة، نجحت أن تثبت نفسها وتحفر اسمها وسط الجميع.

المهنة لم تكن عائقًا أمامها

لا زال الجميع ينظر إلى المرأة نظرة دونية، أو أنها لن تنجح في تولي بعض المهام، وإن عملت بها ستؤثر على طبيعتها يومًا ما، غير أن وفاء أثبتت العكس، وأكدت أن المهنة لم تؤثر عليها يومًا ولا على طبيعتها كأنثى فهي لا تزال محتفظة بطبيعتها، وتخرج مع صديقاتها وتمارس حياتها بشكل طبيعي جدًّا “زي أي بنت”، مضيفة: “أنا معتزة بنفسي جدًّا كبنت، وبحب نفسي جدًّا كبنت، فالحمد لله لحد الآن الوظيفة ما أثرتش عليّ خالص كطبيعة”.

وكحال باقي الفتيات في المناسبات السعيدة التي ينهال عليها الدعوات بـ”عقبالك”، تلاحق أيضًا وفاء في كل مناسبة، غير أن الوضع يختلف شيئًا ما حيث إن طبيعة عملها تضعها في تلك الأجواء بشكل مستمر، إلا أنها لا تتذمر وترى في ذلك شيئًا من الحب: “أنا بلمس ده حب من الناس ليّ، وبحس إنهم عايزين أفرح وعايزين يفرحوا معايا، فأنا مبضايقش منه خالص يعني، وبفرح جدًّا بدعواتهم”.

 تتلقى وفاء الدعم من أسرتها دومًا، فوالدتها رحمها الله كانت أول من شجعها على التقدم للوظيفة، كما يساندها ويدعمها في قراراتها دائمًا والدها وأخوها.

مرشدة أسرية وأخصائية نفسية إذا لزم الأمر

لم يتوقف دور وفاء في مهنتها على مراسم التوثيق سواء كان “عقد زواج” أو “طلاق”، فهي ترى أن مهنتها أسمى من مجرد توثيق أوراق، لذا تقدم نصائح بشكل دوري للمقبلين على الزواج وحديثي الزواج، كما أنها نجحت في عقد الصلح بين الكثير من الحالات التي كانت ترغب في الطلاق، كما تقدم دورات تدريبية في مجال الإرشاد الأسري.

تقول وفاء: “بدأت أطور نفسي في مجال الإرشاد الأسري، وأقرا فيه كتير عشان أقدر أفيد غيري، وبالتالي كل ما بتعمق أكتر في الدراسة كل ما في حالات بلحقها أكتر، وده الي أنا شايفاها إن طبيعة عمل المأذون مش إنه يبقى معاه دفتر يسجل فيه حالات الزواج والطلاق بس، لأ لازم هو يشتغل على نفسه؛ لأن مهنته إنسانية في الأول وفي الآخر، وعلشان كمان الناس ممكن تروح لمأذون، ومتفكرش تروح لطبيب نفسي، أو مرشد أسري، وبالتالي ممكن ألحق حالات كتير، خاصة اللي مفيش توافق بين الزوجين وخاصة في أول سنوات الزواج”.
 

دورات الإرشاد الأسري

من خلال طبيعة عملها، فوجئت وفاء بارتفاع نسب الطلاق في محافظتها، فبدأت تفكر في حل للقضاء على هذه الظاهرة، فبدأت تنظم ندوات توعية  للمقبلين على الزواج وحديثي الزواج والتي شهدت نسبة حضور وصلت لــ100% تقريبًا، مما يدل على أن الشارع الإسماعيلي في حالة احتياج لمثل هذه الندوات.

مكتب تأهيل للمقبلين على الزواج تابع للدولة

وسط النشاط الذي تقوم به أصغر مأذونة في مصر، تنادي وفاء بتخصيص مكتب لتأهيل المقبلين على الزواج ليكون تابعًا للدولة، كشرط أساسي لإتمام مراسم الزواج كالكشف الطبي الذي تم اعتماده وذلك أسوة بالتجربة الماليزية، موضحة: “كل واحد وخطيبته يتوجهوا للدولة ياخدوا دورة تأهيلية، إزاي يقدروا يتعاملوا مع بعض في أول سنة جواز، إحنا من ضمن الأوراق المطلوبة للزواج كشف طبي، كنت بقول إننا ممكن نعمل ده أسوة بالكشف الطبي، والزوج والزوجة يروحوا الدورة دي ولما يخلصوها يطلعلهم شهادة إنهم اجتازوا الدورة دي ومستعدين إنهم يبقوا زوج وزوجة ومفيش مشكلة، طبعًا أسوة بالتجربة الماليزية”.

 في غضون ذلك، قرر المجلس القومي للمرأة في 2018 عمل مركز لتأهيل المقبلين على الزواج في الإسماعيلية، وبالفعل كانت وفاء من ضمن فريق العمل، وتم اختيارها برفقة أخصائين نفسيين، ومرشدين أسريين، مضيفة: “وإن شاء الله عندي أمل إن المركز ده يأثر في نسب الطلاق اللي عالية جدًّا في الإسماعيلية”.

يوميات مأذونة

بجانب الندوات الإرشادية، كانت تحرص وفاء على تقديم نصائحها دائمًا على مواقع التواصل الاجتماعي مدونة بعض المواقف التي تصادفها في العمل مع حفظ خصوصية أصحابها تحت عنوان “يوميات أصغر مأذونة في مصر”، حتى وصلت إلى أنه بإمكانها تقديم العديد من النصائح عبر إذاعة القناة والوصول إلى شريحة أكبر من الناس”.

تقول وفاء: “من هنا جاتلي فكرة برنامج إذاعي اسمه يوميات مأذونة، ليه ما آخدش اللي أنا بعمله في البوستات دي أعمله زي كبسولة أقوله بصوتي في الإذاعة لمدة كام دقيقة، وناس كتير أوي هتسمعه، لأن مش كل الناس فاضية، ومش كل الناس هتدخل تقرا بوست طويل، فكرت إني ممكن أعمله بشكل لايت شوية من خلال الإذاعة، خاصة إن إذاعة القناة مفتوحة في معظم العربيات هنا في الإسماعيلية، فبالتالي هقدر أوصل بسهولة لشريحة أكبر من الناس، وأخدت الفكرة بتاعتي وروحت لرئيس الإذاعة ورحب جدًّا بيها، وإنه شايف إنها فكرة جديدة، ولقي الحمد لله صدى في الشارع، ونجح الحمد لله، وبناء عليه رئيس الإذاعة قرر إنه هيكمل البرنامج في رمضان المقبل بحلقات أخرى”.

أسباب ارتفاع نسبة الطلاق في مصر

أعادت وفاء ارتفاع نسبة الطلاق في مصر إلى عدة أسباب، أبرزها تدخل الأهل بالسلب وخاصة مع صغر سن الزوج والزوجة، والإنترنت وتدخل مواقع التواصل الاجتماعي بالسلب في حياتنا الخاصة، وأخيرًا الإهمال الذي قد يتعرض إليه أحد الأطراف فيلجأ يبحث عن الحب والاهتمام في الخارج سواء على الإنترنت أو مكان آخر”، داعية الجميع بالتوجه إلى متخصصين ومرشدين أسريين في حالة الوقوع في أي مشكلة حتى لا تتفاقم الأمور ويصعب حلها.

تحلم وفاء أن تكمل دراستها، وتحصل على شهادة متخصصة في مجال الإرشاد الأسري، وأن تؤسس مركزا كبيرا في المجال ذاته حتى تساهم في استقرار العديد من الزيجات التي تعاني من الفشل.
 

موظف عام ذو طابع خاص

على الرغم من أن مهنة المأذون تتبع الدولة لا سيما وزارة العدل، إلا أنها ذات طابع خاص، حيث إنه يتم التعيين وفقًا لقرار من مساعد وزير العدل، لكنها تختلف عن باقي وظائف الدولة، فيواجه موظفوها الكثير من العقبات مثل غياب الأمان المادي، فلا يوجد مرتب ثابت ولا معاش عند بلوغ سن المعاش ولا تأمين صحي، فتطالب وفاء المسؤولين بإعادة النظر في هذا الشأن: “إحنا بس طالبين من الوزارة مع كل عقد إحنا ممكن نورد مبلغ لخزينة المحكمة، المبلغ ده ممكن يكون زي تأمين صحي أو حاجة أمان لينا إنهم يخصصوا لنا مستشفيات أو مراكز طبية”.

كما تطالب وفاء بإعادة النظر في اللائحة الخاصة بالمأذونين، حيث إنه يصعب النقل من دائرة إلى أخرى، وهو ما تصفه بالبند الصعب والقاسي الذي يفرض على صاحبه وضعًا معينًا طوال حياته.
 

ربما يعجبك أيضا