مهرجان صديق للبيئة.. شعب الجا في غانا يحظر الضوضاء حفاظًا على البحر

بسام عباس
لدى سكان أكرا الساحلية علاقة روحية بالبحر

مهرجان سنوي في غانا يحييه شعب الجا يحظر الضوضاء لمدة شهر، ويستعيد حالة الانسجام بين البشر والطبيعة والبحر.


تصدر عاصمة غانا، أكرا، التي يبلغ عدد سكانها نحو 3 ملايين نسمة، مزيجًا من الأصوات الصاخبة يصم الآذان من الأصوات المتداخلة ليل نهار.

وطغت هذه الأصوات الاصطناعية عمليًّا على الأصوات الطبيعية اليومية، التي تسمعها أكرا، لتحول بين السكان وصوت البحر الهادئ، الذي يصبح خافتًا ويتوارى خلف جعجعة الضوضاء.

حظر الضوضاء

أوضح موقع كونفرزيشن الأسترالي أن شعب الجا في غانا يفرض طقوسًا تحظر إحداث أي ضوضاء في المدن التي يقطنها لمدة شهر سنويًّا، بين شهري مايو وسبتمبر، احتفالًا بمهرجان الحصاد السنوي، المعروف باسم “هورمورور”.

وأضاف أن مدن الجا، من خلال هذا الحظر، تمنع إصدار أي أصوات اصطناعية، لا سيما تلك الصادرة من أجهزة الراديو وأنظمة النداء العام والسيارات والكنائس والمساجد ومكبرات الصوت والمصانع. وجميع هذه الأصوات الاصطناعية تتوقف في هذا الوقت، لتفسح المجال لأصوات البحر خلال شهر، لمنح فرصة للبحر بالتجدد والتعافي.

التأمل الذاتي والبحر

كشف الموقع، في تقرير نشره أمس الأربعاء 3 مايو 2023، أن الاحتفال بمهرجان الحصاد السنوي يعود إلى قرون بعيدة، وأنه يعد جزءًا حيويًّا من التراث الثقافي لشعب الجا، ويمثل حالة التحول من موسم الصخب والضغوط إلى موسم الراحة والتأمل، ليعزز الإنسان فرص التواصل الاجتماعي، بهدف تنشيط الحياة الاجتماعية والسياسية والدينية في مدن الجا.

وقال المدرس المساعد في جامعة غانا، لاريا أكويته، إن نتائج بحثه عن المهرجان تشير إلى أن رمزية حظر الجا للضوضاء أكثر من مجرد إثارة الصراع أو تصفية الحسابات، لافتًا إلى أن هذا الحظر يتيح لمجتمعات الجا فرصة للتأمل الذاتي، لأنه يدعوه إلى التركيز على تراثه الأصيل عن الصمت والضوضاء والموت.

وأضاف أن في خلفية الحياة اليومية لشعب الجا، يعمل صوت البحر اليومي المتناسق مع البيئة كتحوط نفسي اجتماعي ضد الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في الجزء الصاخب من المدينة. لافتًا إلى أن إحدى التجارب الصوتية اليومية المسلّم بها على شاطئ البحر هي الصوت الانسيابي، الذي تصدره أمواج البحر.

استعادة أصوات البحر

أشار الموقع إلى أن الاستماع إلى البحر في أكرا الحالية اكتسب مكانة روحية كبيرة في مناطق الجا السكنية على ساحل المدينة. لذلك يمهد حظر الأصوات الاصطناعية، والتوجه نحو البحر، الطريق لمدن الجا لاستعادة أصوات البحر.

ويسمح أيضًا لمدن الجا مثل لا وتيشي وتيما بتوسيع آفاقها الموسيقية، واستدعاء أنواع موسيقى مهرجان “الهورمورور”، مثل كبا أو كباشيمور، وهي عبارة عن أداء صوتي غير مصحوب بأي آلة موسيقية، وتتكون الأغاني من عبارات متكررة لها علاقات أيقونية مع القضايا الحالية، ما يسهل على المستمع متابعة خطوط القصة.

الأداء الموسيقى الصوتي

في أثناء الاحتفالات، تحول مجتمعات الجا أزقة المدن وشوارعها إلى ساحات أداء، وتتحرك المركبات بصعوبة كبيرة، لأن فناني الأداء نصبوا منصاتهم في كل مكان، وتمنع بعض المدن استخدام المركبات في الشوارع، لتتمكن فرق الموسيقى من أداء أغانيها بحرّية.

ويساعد “الهورمورور” شعب الجا على إعادة إحياء العلاقة الصوتية بينهم وبين البحر، وتعد احتفالات المهرجان رفضًا للثقافة الصاخبة في مدينة أكرا، القائمة على إحداث الضجيج، في حين تلقى الضوء على الأغاني والموسيقى المعدة خصيصًا لموسم الأعياد، التي تهدف إلى تعافي المجتمع.

وأوضح لاريا أكويته أن الأمر عكس التصور العام بأن الحظر المفروض على الضوضاء عناء يجب تحمله، بدلًا من الاستمتاع به، ما يفسح المجال للبحر خلال مهرجان الجا، الذي يستمر شهرًا واحدًا في العام، متيحًا الفرصة للإنسان لاستعادة صحته النفسية والاجتماعية.

اقرأ أيضًا| دراسة تكشف كيف تؤثر الضوضاء على ذاكرة الأطفال

اقرأ أيضًا| لغة الحيوانات.. الرقص والرائحة واللون والضوضاء

اقرأ أيضًا| جدل حول مَزارع الرياح.. هل تعرقل المجتمعات الريفية مسيرة أمريكا نحو الطاقة النظيفة؟

ربما يعجبك أيضا