المتطرفون الألمان.. أين هم الآن وما هو وضعهم القانوني؟

جاسم محمد

رؤية – جاسم محمد

ما زالت ألمانيا إلى جانب بقية العواصم الأوروبية تعيش هاجس عودة المقاتلين الأجانب، وتعتبر عودتهم تهديدا مباشرا على أمنها وأمن أوروبا، وهذا كان من بين أبرز الأسباب التي تدفع ألمانيا لرفض عودة المقاتلين الأجانب وعائلاتهم.

كانت ألمانيا إلى جانب بقية دول أوروبا خضعت إلى الكثير من الضغوطات من الولايات المتحدة، والأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، من أجل تغير موقفها باستعادة مقاتليها، وهنا يبرز السؤال: هل فعلا ألمانيا غير قادرة على استعادة مقاتليها؟، وهل الرفض الألماني يأتي نتيجة موقف سياسي؟ أم لأسباب قانونية؟، وماذا عن الدستور الألماني والمحاكم الألمانية، بشأن الموقف من عودة  “الدواعش الألمان”؟.  

أين “الجهاديون” الألمان وعائلاتهم اليوم؟

سافر  ما يقارب 1050 مواطن ألماني إلى العراق وسوريا للانضمام إلى تنظيم داعش، ومن المعروف أن أكثر من 330 ألمانيًا قد عادوا، فعاد معظمهم إلى ألمانيا في موجات بين عامي 2014 و2015، فيما يزال المئات من المقاتلين الألمان الأجانب في العراق وسوريا ونحو ثلث المقاتلين الألمان الأجانب ما زالوا نشطين في المنطقة أو تحتجزهم قوات الأمن.

وتحتجز القوات الكردية ما يصل إلى 200 مواطن ألماني في سجون ومعسكرات شمال شرق سوريا  وفقا لتقرير المركز الدولي لمكافحة الإرهاب بعنوان  “أين المقاتلون الألمان الأجانب اليوم”. 

وكشفت التقارير من قوات سوريا الديمقراطية من داخل مخيم الهول ربما تفاصيل أكثر،  بوجود 12 ألف عنصر من تنظيم داعش في سجونها،  وتقدر الحكومة الألمانية، أن عدد عناصر داعش في مخيم الهول لوحده: 50 أمرأة و60 طفلا و30 رجلا، يذكر بأن عدد الجهاديين الألمان الذين سافروا إلى سوريا منذ عام 2011 يقدر بـ1050 شخص، قتل منهم 10% وعاد منهم 30% أي ما يقدر ب 300 شخص تقريبا.

 وهناك 95 ألمانيا محتجزون في تركيا أو سوريا أو العراق، وذكرت وكالة الأنباء الألمانية أن الشرطة الألمانية أجرت تحقيقات نشطة ضد 33 منهم وصدرت أوامر اعتقال في 26 قضية، وفي الوقت نفسه، واجه العشرات من أعضاء داعش بالفعل محكمة في ألمانيا بعد عودتهم طواعية، وحتى أولئك الذين لا يوجد ضدهم دليل على جرائم فعلية يخضعون عادة للمراقبة من قبل شرطة الولاية أو وكالات المخابرات المحلية، ماعدا ذلك كشفت الشرطة الألمانية عن عودة بعض “الجهاديين” الألمان وعائلاتهم بشكل غير قانوني.

مركز “فينيكس” للتحري وجمع المعلومات حول المقاتلين الأجانب

هو مركز قيادة العمليات الخاصة الأمريكية المشتركة في الأردن، و”يجمع غالانت فينيكس” معلومات استخباراتية عن المقاتلين الذين قاتلوا من أجل أمثال ما يسمى بـ”داعش” والجماعات المتطرفة الأخرى، وتشمل المعلومات ذات الصلة الوثائق والبيانات وآثار الحمض النووي وبصمات الأصابع التي تم استردادها من معاقل داعش السابقة.

الوضع القانوني لـ “الجهاديين” الألمان

تعمل الحكومة الألمانية من خلال مكتب المدعي العام، في محكمة كارلسروه المختصة في قضايا الإرهاب، بإرسال فريق عمل، يتحقق من وجود عناصر تنظيم داعش وأماكن تواجدهم، ضمن مهمة سرية، كون ألمانيا لا يوجد لها سفارة أو قنصلية في سوريا، وتقول قوانين وإجراءات وزارة الداخلية الألمانية : إن جميع المواطنين الألمان لهم الحق في العودة إلى ألمانيا من الناحية المبدئية بمن فيهم أولئك المشتبه في قتالهم ضمن تنظيم داعش.

ما تعمل عليه ألمانيا في الوقت الحاضر؟ هو العمل على جمع الأدلة والشواهد المتعلقة بعناصر داعش الموجودين في سوريا والعراق، من أجل إخضاعهم إلى المحاكم حال عودتهم، وبدون حصول ألمانيا على تلك المعلومات القضائية هي لا تتمكن من استعادتهم حسب قول الحكومة الألمانية.

لماذا تحذر ألمانيا من عودة المقاتلين الأجانب؟

حذرت  الاستخبارات الداخلية الألمانية من الأطفال والمراهقين الذين تم تكوينهم اجتماعيا وتلقينهم من قبل الجماعات المتطرفة ويعودون إلى ألمانيا من مناطق الحروب، إذ تعرض بعضهم لغسيل دماغ في مدارس داعش وكانوا متطرفين للغاية،  وقال وزير الداخلية الألماني إن دعاية تنظيم الدولة الإسلامية تروج للأطفال على أنهم “جيل جديد من مقاتلي تنظيم داعش، ويتم تصويرهم على أنهم قساة وعنيفون” ، مضيفًا أنهم قد يكونون خطرين عند عودتهم وينشأون كجيل ثان من” الجهاديين” .

تصنيف العناصر الخطرة بين “الجهاديين الألمان”

أدرجت السلطات الألمانية الأفراد الذين تشتبه في استعدادهم للقيام بهجمات إرهابية على النحو الذي يسمى “المعرضين للخطر”  تحت تسمية باللغة الألمانية هي (Gefährder)، وأدرجت الشرطة الفيدرالية الألمانية مؤخرًا 679 فردًا في هذه الفئة الخطرة أو المحتمل أن ينفذوا عمليات إرهابية، و 509 آخرين يعتبرون “الأشخاص الأقل خطورة”. يمثل هذا انخفاضًا عن الـ 748 “المعرضين للخطر” المُدرجين في مارس 2019.

الاستخبارات الألمانية، حصلت على الكثير من الصلاحيات، من الحكومة والبرلمان خلال السنوات الثلاث الأخيرة، تمكنها من اعتماد إجراءات استباقية ووقائية أمنية، منها مراقبة المشتبه بهم، وإخضاعهم للمراقبة الإلكترونية، وقرصنة المعلومات من أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية الخاصة بهم.

دشنت الهيئة الاتحادية لمكافحة الجرائم في ألمانيا في فبراير2020 بوابة إلكترونية لجمع أدلة عن الهجوم الذي شهدته مدينة هاناو بولاية هسن. وأوضحت الهيئة وقتها أنها أصدرت مناشدة للمواطنين بتحميل أي مقاطع فيديو أو صور على الموقع من أجل استجلاء مجريات الجريمة دون ثغرات، مضيفة أنه يمكن أيضاً الإبلاغ عن أي أدلة هاتفياً بالاتصال على رقم مجاني.

نزع الجنسية من “الجهاديين” الألمان 

منذ 9 أغسطس 2019، يجب على أي شخص يذهب للقتال في صفوف الجماعات المتطرفة في الخارج أن يتوقع تجريده من جنسيته الألمانية، ولأسباب تاريخية يحظر القانون الألماني الحرمان من الجنسية عندما يحمل الفرد الجنسية الألمانية فقط وينتهي به الأمر “عديم الجنسية”.

وتبنّت الحكومة الألمانية ثلاثة أسس: فمن يحمل جنسية ثانية ويبلغ سن الرشد ويريد المشاركة مستقبلا في القتال يمكن مبدئيا أن يفقد الجنسية الألمانية، كما أنّ القانون ليس له مفعول رجعي على المقاتلين المعتقلين حاليا وقاتلوا لصالح داعش.

كيف تعاملت السلطات الألمانية مع “الجهاديين الألمان”؟

تعمل ألمانيا إلى جانب دول أوروبا على مراجعة كل ملف على جانب من الملفات الأخرى، وهذا يعني أن ألمانيا تعتمد جمع المعلومات حول المقاتلين الأجانب، في مناطق النزاع خاصة سوريا والعراق، وأكدت  تقارير الاستخبارات الألمانية أنها قامت بجمع المعلومات حول عدد من “الجهاديين” الألمان، في سوريا والعراق وقبل عودتهم، الهدف هو إخضاع من يمكن إخضاعه حال عودته إلى ألمانيا.

ومن الجدير بالذكر أن القانون الألماني لا يعاقب من سافر إلى سوريا والعراق وعاش في ظل “خلافة داعش” بقدر إخضاع من تورط في عمليات إرهابية “قتل أو جرائم حرب” وتكون عقوبته في لا تقل عن ثلاث سنوات، وفي بعض الحالات يمكن أن تصل إلى عشر سنوات، ولا تخضع ألمانيا العائدين إلى العقوبات القضائية، عندما لا يثبت تورطهم في عمليات قتل أو جرائم حرب، وهذا ما يثير الكثير من المخاوف لدى المواطن الألماني، وتكمن التحديات أمام أجهزة الاستخبارات برصد ومتابعة العائدين الطلقاء، لأسباب تتعلق بالموارد البشرية والفنية.

ربما يعجبك أيضا