إنسانية الأزهر “مداواة” لجراح القارة السمراء

أميرة رضا

رؤية – أميرة رضا
عنيت مؤسسة الأزهر الشريف بدورها منذ وقت طويل بإعلاء قيمة الإنسانية، والعمل على نشر ثقافة السلم والتعايش في أنحاء العالم، ولا يجد من يبحث في تاريخ الأزهر عناءً ولا مشقة في التعرف على إسهامات هذه المؤسسة العريقة، وبصماتها البيضاء داخل مصر وخارجها، حيث تعد هذه المؤسسة من أكبر المؤسسات في العالم التي تعمل على إنقاذ البشرية مما يحاق بها في عالم بات يسبح في بحر من الدماء، جراء موجات العنف والإرهاب هنا وهناك.

القارة الأفريقية ومثلث “هدم” الأمم
من هذا المنطلق يضاعف الأزهر الشريف من جهوده على سبيل المثال في القارة الإفريقية، لرفع معاناة أبنائها المتضررين من مثلث هدم الأمم “الفقر والجهل والمرض”،  ورغم ذلك فإن هناك الكثيرين الذين لا يعلمون شيئًا عما بذله الأزهر ولا يزال من جهود لمد يد العون للمحتاجين، ومن باتت حياتهم مهددة بسبب أو بآخر، كما أننا نلاحظ كثيرًا أن هذه الجهود لا تحتل بؤرة اهتمام البعض كما هو الحال في التعامل مع محاولات تشويه هذه المؤسسة الإسلامية العريقة وأكبر مرجعية للمسلمين في العالم أجمع من خلال أقلام مسمومة، يستغلها أصحابها للنيل من الأزهر وإثارة الشبهات حوله وحول علمائه، وما يزيد ذلك الأزهر إلا شموخًا، فلا يلتفت لتلك الترّهات، بل يواصل مسيرته لخدمة البشرية، على اختلاف أجناسها وألوانها وعقائدها.

جهود “الأزهر” في القارة السمراء
تتنوع جهود الأزهر الشريف في قارة إفريقيا؛ ما بين قوافل طبية لعلاج غير القادرين، وقوافل للسلام لنشر ثقافة التعايش السلمي وإحلال الأمن بدلاً من التهديدات، والسلام بدلاً من الحروب، والتفاهم بدلاً من التنافر، والتواد بدلاً من التباغض والكراهية، فضلًا عن البعثات التعليمية والدعوية التي يرسلها الأزهر لنشر نور الرسالة السامية للدين الإسلامي في القارة بأسرها. 

قوافل الأزهر الطبية تداوي جراح المنكوبين
من جانبه سلط مرصد الأزهر الشريف الضوء، على جهود الأزهر التي لم تتوقف على الدعوة والتعليم والتوعية، بل اشتملت تقديم المساعدات الإنسانية للمنكوبين في ربوع إفريقيا، سواء كان ذلك بسبب جفاف، أو ضعف في الإمكانات، أو نزاع مسلح حرم البلاد من التمتع بخيراتها، وتتوالى القوافل الطبية التي يرسلها الأزهر الشريف على البلدان الإفريقية على مدى عقود طويلة مد فيها الأزهر يد العون من خلال أدوية وأطباء يقومون بزيارة المناطق التي غلبها المرض وتعمل على إنقاذهم من شباك المرض.
وكانت أخر تلك القوافل التي أرسلها الأزهر الشريف لعدد من الأقطار الإفريقية، لولاية أبشي بدولة تشاد، والتي أختتمت أعمالها منذ أيام بتوقيع الكشف الطبي وتقديم العلاج لنحو 15 ألف حالة مرضية في 13 تخصصًا، كما أجرت قرابة 300 عملية جراحية مختلفة، وساهمت القافلة بشكل فعال في تقديم الخدمات الطبية المتكاملة، وبشكل مجاني للأهالي، حيث ضمت نخبة من أكفأ الأطباء بكليات الطب بجامعة الأزهر من مختلف التخصصات.

رأب الصدع في أفريقيا الوسطى
وفي الوقت الذي غفلت فيه دول عظمى، ومنظمات دولية عن الأزمة في إفريقيا الوسطى، ولم تحرك مشاهد العنف المتزايدة لها ساكنًا، لم يقف الأزهر الشريف مكتوف الأيدي إزاء هذا الوضع المأساوي بل بادر بالتدخل والوساطة لحل الأزمة بين الأطراف المتصارعة بالبلاد، من خلال وفد أزهري التقى بشخصيات محورية في الصراع الدائر.
كما التقى بعدد من صناع القرار ساعيًا للتقريب بين وجهات النظر وتحقيق مصالحة وطنية تحقق السلام المنشود لكافة الأطراف. 
كما أرسل الأزهر الشريف بالتعاون مع مجلس حكماء المسلمين قافلة السلام لعاصمة إفريقيا الوسطى بانجي خلال شهر يونيو عام 2015م؛ حيث عقدت القافلة عددًا من الأنشطة والفعاليات واللقاءات من أجل تحقيق مصالحة وطنية، ونبذ الفرقة بين أبناء الشعب من المسلمين والمسيحيين، وكذلك رفع المعاناة عن المسلمين الواقعين تحت اضطهاد وعنف جماعة أنتي بالاكا المسيحية المتشددة، والتأكيد في الوقت نفسة على أن الإسلام لا يدعو لمواجهة العنف بالعنف، وهو من باب أولى ينهى عن المبادرة بالعنف بحق الآخرين.

محاربة الفكر المتطرف في إفريقيا
بعد أن تعاظم أمر جماعة بوكو حرام، وأخذت في النمو حتى صارت أكثر الجماعات دموية في العالم، متفوقةً بذلك على تنظيم داعش -ذلك التنظيم الذي انشغل المجتمع الدولي بمتابعة أخباره وتشكيل تحالفات لمكافحته، وشن العمليات العسكرية الواحدة تلو الأخرى بهدف القضاء عليه في حرب ضروس راح ضحيتها آلاف الأبرياء وملايين المشرّدين- كان الأزهر على قدر الحدث، ووقف على جبهة قتال لا تقل شراسة عن المواجهة المسلحة، إذ دخل في مواجهة فكرية مع تلك الجماعات، حرب خاضها الأزهر الشريف من خلال مرصده لمكافحة التطرف، فأخذ على عاتقه تفنيد مزاعم بوكو حرام والرد على ما يثيره أنصارها من شبهات فاسدة ومزاعم باطلة، وتوجيه النصح والتوعية اللازمة للشباب الذي تستهدف هذه الجماعة ونظيراتها استقطابه للانضمام إلى صفوفها، ليكونوا بذلك ضاعفوا مكاسبهم؛ أضاعوا الشباب، واستغلوا حماسهم في تغذيتهم بالأفكار الشاذة المتطرفة وتحقيق أهداف خبيثة، لا علاقة لها بإقامة دين ولا تطبيق شريعة.
وخلال هذه الحرب الضروس قامت مؤسسة الأزهر بكشف هذه الجماعة وبيان حقيقتها، والعمل على توضيح الإسلام في صورته السمحة ومبادئه القويمة التي تدعو لحفظ الإنسان وكرامته، لا كما يعمل هؤلاء المتطرفون من امتهان لكرامة الإنسان.
وفي خضم تلك الأحداث المتلاحقة وموجات الإرهاب المتلاطمة، الأمر ذاته تم حيال حركة الشباب الصومالية التي تنشط بشكل ملحوظ في دول شرق إفريقيا ومنطقة القرن الإفريقي؛ حيث لم يكن الأزهر ومرصده في معزل عن دائرة الأحداث، بل كان في قلب الصورة يؤازر المتضررين ويواسي المنكوبين ويعمل على توعية الشباب الذي تستهدفه هذه الحركة لاسيما في كينيا والصومال، بمخاطر الانخراط في مسالك هذه الحركة والوقوع في براثنها، من خلال العمل على كشف ضلال هذه الحركة وبيان موقف الإسلام منها ومن جرائمها.

ربما يعجبك أيضا