صراع العلم والدين من يكسب الرهان؟

كتبت – علياء عصام الدين

في القرن الثامن عشر كان العقل الأوروبي قد وصل إلى درجة عالية من الغرور جعلت البعض يصوره كإله مسيطر كامل القدرة، وأصبح الإلحاد بالدين من المزايا التي تجعل الإنسان مفكرا أو مثقفا، في هذا القرن أجاب العالم الرياضي والفلكي الكبير بيير لابلاس على نابليون عندما سأله الأخير عن مكان الله في نظامه الرياضي بأنه: لم يعد له مكان!

 في هذا القرن كان المفكرون يحتقرون الدين لأنه كان يمثل لهم نمطا قديما من التفكير لم يعد يُجدِ نفعا في قرن العلم والمعرفة، لكن في هذا القرن أيضا جاء إيمانويل كانط الفيلسوف الألماني العظيم ليضع حدًا في نهاية القرن لهذا العبث الفكري، فألف روائعه النقدية الكبرى، نقد العقل النظري ونقعد العقل العملي ليعيد للدين مكانته في القلوب والضمائر ويجعل للعلم ساحته التي لا يجوز أن يدخل الدين إليها ولا يجب على العلم أن يتجاوزها للساحة المجاورة وهي ساحة الدين المقدسة، فأنقذهما معا.

كان ذلك فصلًا من أهم فصول الصراع الدائر دائمًا بين العلم والدين، حاول كانط أن يعيد المكانة لكل منهما حسب اختصاصات كل واحد منهما، وعندما سُئل اينشتين: هل يصلي العلماء؟ أجاب بأن العلماء لا يخضعون في حياتهم إلا لسلسلة القوانين العلمية التي تفسر الأشياء بدء من الذرة وانتهاء بحركة الكواكب والمجرات، لكن هذه القوانين نفسها لازالت غير كاملة بشكل تام ومن عدم كمالها يخرج الشعور الديني ليجد له مكانًا بين هذه الأمور! فهل كنت يومًا من أولئك المشغولين بالعلاقة بين العلم والدين؟ هل ترى أن ثمة تعارض بينهما أم أن بينهما تكامًلا؟ وهل اختفى هذا الصراع التاريخي؟ وكيف يجب أن ننظر اليوم بعد كانط بأكثر من قرنين لمكان كل واحد منهما؟ هل كشف العلم شيئًا جديدا عن هذا العلاقة الغريبة؟

هل سألت نفسك يومًا هل أنت من الأشخاص الذين يفكرون بشكل علمي بمعزل عن الدين، أم أنك من هؤلاء الذين يفكرون بالدين بمعزل عن العلم؟ أم أنك من “القلة” الذين يستطيعون إشراك التفكيرين سويًا؟

لقد وجد العلماء أن التفكير التحليلي النقدي في عقول الأشخاص الذين يؤمنون بالخوارق الطبيعية يكون مكبوتًا أو معطلًا في أغلب الأحيان، نشر هذه الدراسة العلمية المثيرة موقع «بلوس وان» المهتم بالدراسات العلمية على اختلافها.

 الآن أصبح من المتاح تفسير التعارض بين المعتقدات الدينية والأدلة العلمية بالرجوع للاختلافات في بنية الدماغ ونشاطه المعرفي فقد بينت الدراسة أن هناك مناطق في الدماغ مسؤولة عن التعاطف والإيمان والتفكير الروحاني غير تلك المناطق المسؤولة عن التفكير التحليلي النقدي بالتالي فإن سير العمليات المعرفية يختلف في الجانبان بشكل كبير فالمعتقدات الدينية والتفكير العلمي يتضاربان لأنهما ينشطان مناطق مختلفة غير مشتركة في الدماغ، بالتالي فإن الذين يؤمنون بالخوارق يقومون بشكل لا إرادي بقمع مناطق من الدماغ ذات علاقة بالتحليل والتفكير المنطقي.

عاطفة أكبر روحانيات أكثر

يقول استاذ الفلسفة والعلوم من جامعة “كايس وسترن ريسيرف” الأمريكية توني جاك بعد عدة دراسات أن القفز إلى الإيمان بالخوارق يقف حائلًا في طريق التفكير النقدي التحليلي.

ومن خلال بحث أجراه “جاك” وزملاءه على مجموعة من المتطوعين الذين قدموا لهم مسألة فيزيائية وأخرى أخلاقية ليقوموا بحلها حدد “جاك” شبكتان من الخلايا العصبية تتنافسان بينهما لرؤية العالم وفق رؤية دينية أو أخرى علمية.

وتوصل أن الدماغ تحتوي شبكة من الخلايا تقوم بتحفيز التفكير النقدي وشبكة أخرى إجتماعية تقوم بشحن العواطف وزيادة التفكير الروحاني وخلص الباحث أن الدماغ تقوم بزيادة النشاط في واحدة من الشبكتين بينما يخمد النشاط في الأخرى وبالتالي فالأشخاص الذين يكونون أكثر تدينًا غالبًا ما يكونون عاطفيون بشكل أكبر ويقومون بالتالي بتعطيل الجزء المرتبط بالتفكير النقدي في الدماغ .

وكلما كان الشخص أكثر تدينًا كلما كان أكثر ميلًا لصد الشبكة التحليلية في الدماغ وإظهار العاطفة، وحسب العلماء عندما يواجه الفرد تعارض بين الرؤيتين الدينية والعلمية للعالم فإن بنى الدماغ لديه ستحدد كيفية إعلانه لهذا التعارض بين المعتقد والعلم.

العلم والدين .. لا صدام

كثير من العلماء العظماء كانوا متدنيين لأبعد حد وروحانيين جدًا، فكيف يمكن تفسير هذا التناقض وفقًا لدراسة جاك؟

يقول”جاك”: ” بعيداً عن ما يمكن أن يتعارض مع العلم باستمرار، يمكن للمعتقد الديني أن ينشر بإيجابية فالعديد من أكثر العلماء شهرة كانوا في الواقع روحانيين أو متدينين فهؤلاء لديهم قدرات ذهنية معقدة ليروا من خلالها أنه ليس هناك ضرورة لأن يدخل العلم والدين في صدام”.

بالتالي فإن أولئك الذين ينجحون في استخدام كلا الشبكتين معًا ويتجنبون قمع أحدهما مؤهلون أكثر لفهم العالم واكتشاف أسراره.

هكذا يشكل الدين والعلم مظهرين هامين من مظاهر الحياة الاجتماعية وإن سبق الدين العلم في التاريخ الذهني للإنسان بعد بزوغ العلم في القرن السادس عشر إلى أن كلاهما يستهدفان أقصى درجات الحقيقة وإن اختلفت السبل.

رجل العلم يحاول تعليل الخليقة على أساس مبدأ السببية، أما رجل الدين فهو يؤكد الوجود على أساس مبدأ الغائية، وقد استطاع الفكر البشري أن يستوعب المبدآن “السبب” و “الغاية” والبداية والنهاية بالتكامل وليس التعارض.

لقد أصيبت المادية بالإرهاق وأصبحت أكثر تعصبًا وظلامية ويعتقد الفيلسوف ولتر ستيس أن الإنسان قادر على العيش في عالمين مختلفين؛ عالم الظواهر الحسية وعالم الأزل وهو ما ينبغي أن يفعله الإنسان الحديث ليصل الى التوازن النفسي والكمال.

ربما يعجبك أيضا