منعوها فقالوا خطرا.. تعرف على أشهر الروايات الممنوعة في القرن 20

أماني ربيع

أماني ربيع

هل يجوز سجن الأفكار؟، أو لنكون أدق هل يمكن للأفكار أن تحبس على رف دون أن تجول بحرية في عقول تحولها من الحالة المجردة إلى واقع ملموس، في الحقيقة لا أحد يستطيع ذلك، فـ للأفكار أجنحة تنتقل من مكان لآخر بل ومن جيل لآخر، ليس لأحد من سبيل أمام طوفانها الذي يُغرقنا لنطفوا محملين بالمعرفة..

وكل كتاب لايقف عند حدود الورقة التي كتب فيها، فهو يروي عقلا ليزهر هذا العقل ويروي بدوره عقولا أخرى، في دائرة لا تنتهي من الكرم المعرفي.

ولكن لأن المعرفة كاشفة فاضحة لك مختفي وملتبس، هناك من يخشون الكتب ويعتبرونها أخطر الأسلحة، وفي دفتهم الكتاب قد يساوي جيشا كاملا، فهو يعُري عنهم، أفرادا كانوا أم حكومات، حكمتهم الزائفة، ويطلع الجماهير على حقيقتهم دون غطاء، وعندما تسقط عنهم تلك الأقنعة الاجتماعية، يسقط عنهم أهم درع يمكنهم من حكم هؤلاء الجماهير وهو الخوف.

وكثيرون يعتقدون أن مصادرة الأفكار هو أمر انتهى بانتهاء عصر محاكم التفتيش، وأن العقليات التي تنهج هذا النهج إنما تنتمي للقرون الوسطى ولا تصلح لأن تتواجد في مجتمعنا المعاصر، لكن حدث وفي القرن العشرين قرن التحولات الكبرى في المعرفة والعلوم أن أعلنت حكومات الحروب على كتب وروايات اعتبروها خطرا على كراسيهم، وتحولت تلك الكتب إلى جريمة، حيازتها أو قراءتها تقود إلى السجن.

الأمر لم يعد حكرا على الكتب فحسب، فحتى عندما يحول كاتب تمرير فكرته عبر قصة أو حكاية ولو كانت رمزية تلتقط أجهزة الاستشعار الحساسة لتلك الحكومات الرسالة قبل أي شخص، لتجهض الفكرة قبل أن تتكاثر..

نستعرض معا في التقرير التالي أشهر الروايات الممنوعة خلال القرن العشرين..

1984.. جورج أورويل 1949

إنها رواية كل العصور، تنتمي لنوعية الأدب الذي لا يسقط بالتقادم، وتصلح دولة “أوشينيا” العظمى التي تدور فيها الرواية لأن تكون رمزا لكثير من دول العالم منذ كتابة الرواية عام 1949وإلى يومنا هذا.

تفضح الرواية بعين خبيرة استبداد الحكومات وتلاعبها بالجماهير، تلاعبها بعقولهم وتاريخهم بل ولغتهم فتنشأ لغة جديدة هي “نيوسبيك” تغير معاني الكلمات لكي لا تخرج من فمك كلمة ضد الدولة أو بالأحرى ضد من يحكمونها، التاريخ نفسه يتغير وفقا لما يراه الأخ الأكبر، فتطمس الوقائع لتصبح حقيقة اليوم في طي النسيان غدا.

 الفرد في تلك الدولة نسخة من جماعة لا يجوز له أن يختلف عنهم، لا يحق له أن يفكر، فالتفكير المستقل محرم والحريات الشخصية غير موجودة، فيلاحقه الحزب ويغضب عليه الأخ الأكبر الذي يراقب دوما كل حركة، والفكر في عرف هذه الدولة جريمة.

أحدثت تلك الرواية جدلا كبيرا لكونها واقعية إلى حد كبير، وأثبت أورويل أنها ليس مجرد كاتب ينتمي لنوع الأديب المفكر، بل وسياسي حاذق حلل الفكر الاستبدادي وكشف أساليبه، بل وتنبأ أيضا بمستقبل الدول في ظل الحكم المستبد.

وظهر تاثير تلك الرواية الفذة في أعمال لاحقة لكتاب آخرين، أشهرها رواية 451 فهرنهايت لراي برادبوي، والرجل الراكض لستيفن كينج، والبرتقالة الميكانيكية لآرثر بيرجس.

ولم تكتف الرواية بتأثيرها الفكري، بل تجاوزته إلى التأثير على اللغة الإنجليزية عبر عدد من المصطلحات التي ابتكرها أورويل، بمصطلحات Doublethink, أو التفكير المزدوج، وNewspeak, أي اللغة الجديدة، و Big Brother، أي الأخ الأكبر، و Thought police، أي شرطة الفكر، بل وأطلقت لفظة أورويلي، Orwellian، على كل اسلوب أدبي متاثر بطريقة وص أورويل أو مستوحاة من عالمه.

ترجمت هذه الرواية لـ 62 لغة, ومنعت في كثير من الدول ذات النزعة الشمولية باعتبارها خطرا سياسيا، وبخاصة في الاتحاد السوفييتي، حيث ظهر التشابه الكبير بين سمات الأخ الأكبر في الرواية، وبين الزعيم السوفييتي جوزيف ستالين، واستمدت أوشيانيا معظم صفاتها من مجتمع الاتحاد السوفييتي، بينما اعتبر الكثير أن المنشق إيمانويل جولدشتاين في الرواية هو رمز للثوري الماركسي ليون تروتسكي، الذي تم طرده من الحزب الشيوعي.

Animal Farm.. جورح أورويل 1945

للمرة الثانية نرى اسم جورج أورويل الذي لم يمهله القدر الوقت ليثرينا أكثر بإبداعاته الأدبية، فمات عقب نشر روايته الأشهر 1984، عام 1950.

واستمد أورويل شخوص هذه الرواية، التي كتبت عام 1945، من عالم الحيوانات، لتخرج لنا حكاية رمزية هزلية تحمل بين طياتها معاني كبيرة وتهكما على واقع اصبح فيه الصوت الأعلى للحكم الجائر، فالثورات قد لا تكون دائما مبشرة بالخلاص، وإنما تتحول أحيانا لعملية إحلال يتم عن طريقها إفساح المجال لديكتاتورية لتحل محل ديكتاتورية أخرى، وهو ما اعتبره الكثيرون إسقاطا غير مباشر على الثورة البلشفية في روسيا، والنظام الشيوعي بالاتحاد السوفييتي.

وبما ان كل من قرأ الرواية رأى فيها محاكاة لواقع مجتمع الاتحاد السوفييتي منعت الرواية لسنوات طويلة هناك، وفي ألمانيا الشرقية التي لم تدخلها إلا بعد هدم جدار برلين، وكذلك في كوريا الشمالية وكوبا.

Brave New World.. ألدوس هسكلي 1932

تعتبر هذه الرواية، التي نشرت عام 1932، إلى حد كبير ملهمة لعمل جوروج أورويل اللاحق 1984، لكن الفارق هنا أن الأديب الإنجليزي ألدوس هسكلي يحدثنا عن سيطرة من نوع آخر هي سيطرة الآلة على الواقع الإنساني.

وفي عالم هسكلي البعيد كل البعد عن الروعة، عالما كل شئ فيه مباح، وهو عكس أورويل الذي كان القمع سمته، في هذا العالم لن تكون هناك ضرورة للزواج فالجنس متاح، والأجنة تخلق داخل المعامل، تختار صفاتها كيفما تشاء، سواء عقلية أو جسدية أو حتى شخصية، هذا العالم مبني على الطبقات، أغنياء وعبيد وخدم.

لكن مع كل تلك الحرية المتاحة والتكنولوجيا الحديثة، يفقد الإنسان مع الوقت طابعه البشري ليتحول إلى آلة بلاد مشاعر، وتفقد الإنسانية روحها لصالح ما يسمى بالتطور.

ومن يملكون عصا التحكم في عالم هسكلي يختلفون عن طبيعة الحكام في عالم أورويل، فهؤلاء يسيطرون عبر علم النفس والسلوك، بعيدا عن السيادة المباشرة، ليتحول البشر إلى ماريونيت تحركها عصا خفية دون أن يدروا أنهم مجرد دمى تتحرك لصالح قوة اكبر، فالحكومة توجه مواطنيها منذ طفولتهم سلوكيا، يؤثرون في استجاباتهم الحسية مثلما فعل بافلوف مع كلبه، فينشاون كارهين للريف والجمال وفكرة الإله، بحيث يرفضون تلقائيا كل فكرة تتعارض مع أجندتهم.

وتخيل أن تنشأ لتتقبل دون إرادتك، أو بمعنى أصح دون أن تدري أن هذه ليست إرادتك، لتكون في مرتبة إجتماعية لم تخترها ووظيف لم تخترها، بل وحتى لحظة الموت سترحب بها في فرح، لأنك مبرمج على ذلك.

ووتتنبأ الرواية بتقنية الأفلام ثلاثية الأبعاد، التي تعتبر مثيرات جنسية للجماهير تلهيهم عن أمور أكبر، وبهذا يتحول البشر إلى آداة، كما في عالم اليوم لصالح الشركات العملاقة “رب العالم الجديد” كما يصفها هسكلي، وتتحول الديموقراطية لمجرد شكل فلا توجد منافسة حقيقية فالشركات هي المتحكم هي التي تسن القوانين هي التي تحدد الصح والخطأ.

واعتبرت الرواية غير لائقة في أكثر من دولة لمحتواها الجنسي الغير لائق، وبخاصة في ايرلندا التي اعتبرتها معادية صراحة للدين، وفي الهند.
All Quiet on the Western Front.. إيريك ماريا ريمارك 1929

ودائماً كانت هناك جثثا جديدة غذاء للقذائف، الموتى أشبه بتوابيت تتطاير أشلاؤها هنا وهناك، وجوههم الميتة تحمل تعبيراً شنيعا سيلتصق بذاكرتك إلى الأبد، أحدهم كان ممداً، جسده ممزقا وداميا، ينشج بصوت لاهث مذعور: «ابقوا معنا.. لا تذهبوا».

هذه واحدة أخرى من الروايات الصالحة لكل وقت وحين، هي رواية عن الحرب، وعما يفعله اعتياد صورة الدم في إنسانيتنا التي تتساقط منا بفعل الحروب والصراعات، ففي الحرب تفقد كل قيمة معناها، فالمهم أن تبقى حيا على حساب أي شخص.

تدفع الحرب بشبانا يذهبون أحلاما وردية ويعودون أشلاء روح، كانت الرواية وقت نشرها عام 1929 بمثابة صدمة كشفت معاناة الجنود النفسية والجسدية خلال الحرب العالمية الأولى ببشاعتها ودمارها، وتحويلهم من فتيان ودعاء إلى آلة قتل لا ترى.

فيتساءل الجنود الشبان في الرواية، لكن إذا انتهت الحرب، ماذا سيكون مصير هؤلاء الشباب الذين كبروا على الجبهة، سيشربون؟! وماذا سيفعلون بعدها، وكيف ستكون حياتهم اليومية، “ماذا ينتظرون منا؟، لسنين ونحن مشغولون بالقتل هذه مهنتنا الأولى، معرفتنا بالحياة تقتصر على الموت، ما الذي سنصبح عليه”.

ينتقد ريمارك المواطن الألماني، رد فعل الدولة الألمانية التي سارت الحياة فيها بطريقة طبيعية، دون الالتفات بالمحاربين الذين ضحوا بكل شئ لأجل ألمانيا.

وبالطبع قابل الحزب النازي الرواية باعتبارها عملا غير وطني، فالنازية كانت تعتبر الحروب مجدا وترسخ ذلك لدى العامة، بينما تنفر الرواية من دمويتها ووحشيتها المفرطة، وتم إحراق جميع نسخ الرواية وسحبت الجنسية عن ريمارك الذي هاجر إلى سويسرا.

..Mein Kamp أدولف هتلر 1925- 1926

من سخرية القدر أن النظام النازي الذي منع رواية كل شئ هادئ في الجبهة الغربية، تم منع إنجيله أو الكتاب الذي اعتبر دستورا للنازية وهو “كفاحي”، لهتلر، ربما الكتاب ليس رواية بالمعنى المعروف لكنه مذكرات كتبها هتلر بين عامي 1925- 1926، يستعرض من خلاله أفكاره ومعتقداته وطموحاته وخططه لمستقبل ألمانيا، كتبه أثناء سجنه إثر الانقلاب العسكري الفاشل عام 1923، حين حاول الاستيلاء على السلطة عقب نهاية الحرب العالمية الأولى، فتم سجنه مع أتباعه.

اعتلى الكتاب قائمة الأعلى مبيعا إبان حكم هتلر لألمانيا، بيعت منه ملايين النسخ، وكانت حقوق طباعة الكتاب حصرية لولاية بافاريا حتى عام 2015، والتي منعن نشر الكتاب داخل ألمانيا لعقود حتى لا تنتشر افكار هتلر مرة أخرى، لكن اعيد طبع الكتاب في البلاد عام 2016.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، منع بيع الكتاب وطباعته، واصبح تداوله أمرا غير قانونيا، وبخاصة في الأرجنتين، وبولندا التي منعت نشر الكتاب حتى عام 1992.

Grapes of Wrath.. جون شتاينبيك 1939

“كيف يمكن أن تخيف رجلاً لا يسكن الجوع في أحشائه فقط، ولكن في بطون أطفاله الخاوية!، لا يمكنك أن تخيفه، لقد عرف خوفاً لا يفوقه خوف..”.

محور عناقيد غضب شتاينبيك هو عائلة جود الت تعتبر لسان حال الكثير من العائلات وقت الكساد العظيم في أمريكا، فمثل آلاف الأسر الأمريكية التي عانت الموت جوعا وعطشا، ارتحلت من موطنها في أوكلاهوما إلى كاليفورنيا بحثا عن حياة أكثر آمانا، ويعترف شتاينبيك أنه حاول كل ما في وسعه لتحطيم أعصاب القارئ، ببساطة أراد عندما تقرأ الرواية الا تكون راضيا.

ينتقد كاتبنا المجتمع الأمريكي وتناقضه، فينما أقيم على قيم العدل والمساواة وتكافؤ الفرص، نرى الواقع غير ذلك، فالحد الأدنى للمعيشة غير موجود، البيت والوظيفة والطعام حلم.

رصدت الرواية الواقع القاسي للأسر الأمريكية من الفقراء والمزارعين، منتقدة النظام الرأسمالي في البلاد، ما اضطر إلى منعها بل وحرقها علنا، وياللمفارقة، على يد العمال التي كانت تدافع عنهم.

Lolita..  فلاديمير نابوكوف 1955

بلغة أنيقة وساحرة، نسج نابوكوف خيوط روايته المثيرة للجدل لوليتا، التي صنفت لوقت طويل باعتبارها رواية إيروتيكية، لدخولها منطقة تابو خطير هو ممارسة الجنس مع الأطفال، حيث يقع هامبرت هامبرت في علاقة محرمة مع ابنة زوجته دلوريس الطفلة ذات 12 عاما.

وبرغم الموضوع المثير للاشمئزاز الذي تتناوله الرواية، لم يكن هدف نابوكوف اللعب على وتر الجنس، لذلك اتبع سردا عذبا بأسلوب غير منفر يجبرك على متابعة الرواية بل ويأسرك حتى تنتهي منها.

المثير أن أصدقاء نابوكوف حذروه من نشر الرواية، ورفضت 6 دور نشر أمريكية نشرها، ولم يجد الأديب سوى دار نشر فرنسية هي “أوليمبا”، قبلت بنشر الرواية عام 1955، لتدخل بعدها بـ 3 سنوات لأمريكا وتحقق نجاحا هائلا هناك، لتصبح من الروايات المحظورة الأكثر مبيعا.

منع استيراد الرواية في بريطانيا حتى عام 1959، وفي عدة دول باعتبارها غير أخلاقية.

ربما يعجبك أيضا