رؤية – علياء عصام الدين

إني عَشِقتُ، وهل في العشقِ من باسِ،  ما مرّ مثْلُ الهوى شيءٌ على راسي

مالي وللنّاسِ، كمْ يَلْحَوْنَني سَفَهاً،  دِيني لنفْسي ودينُ الناسِ للناس

ماذا يحدث لنا حين نحب؟ لماذا تمتلئ الحياة زهورًا جورية؟ وتكتسب معاني جديدة بعد لقاء شخص بعينه دون غيره؟

إن محاولة الانفلات من قبضة العشق في تلك الحالات الفريدة لا طائل منها، ولا مفر من الاستسلام لها ومكابدة آلام الحب فيها.

ما قبل البوح، هناك همهمات الأنفاس ونظرات العيون، وأصوات العصافير تغرد في كل حدب وصوب، لا شيء سوى نبضات متسارعة وقوس قزح.

ما يمنحه العاشق شيء نادر يصعب فهم تفاصيله، فلا مجال للفكر فقط «الشعور»، تنتقل الأفكار من منطقة الوعي والإدراك إلى اللاوعي، فلا شيء يمكنه اختراق دورة الحواس، نحن نحب بلا أسباب بلا خطط ولا مشروعات نحن نعشق فحسب.

إن استعادة أسباب الهوى والغرام ما هي إلا صحوة وانزلاق إلى هاوية الحلم بعد وصوله إلى الذروة، والحد الفاصل بين الهوى المُسبَب ورعشة الاستيقاظ، هي البقاء في الهامش، لا شيء سوى الهامش ذلك الغائب بالفعل الحاضر بالقوة، فكونوا هوامش لا متونًا، فعرش الهوامش يبقى ولا يزول.

«كافكا» ذلك الكاره للحياة، شديد التشاؤم وقع في “الحب” أليس الحب نسمة صيفية تهفو بغير حساب دون تمييز او اختيار.

بعد «المسخ» و«المحاكمة»، حوَل الحب “كافكا” وقلب موازينه ليكتب لنا «رسائل الغرام»، ذلك الجزء الأكثر حميمية من الحالة العشقية.

«البوح» تلك اللحظة الممتدة لآلاف السنين الضوئية تلك الفاجعة الفاضحة التي تتخلى فيها الأسرار عن عذريتها وتتجلى فيها الروح في أبهى صورها وشفافيتها.

نحن لا نبوح بشيء محدد، بشيء ملموس مفهوم، فرسائل البوح لا تقول شيئًا بعينه بقدر ما تقول كل شيء، كما أن كل نظرة كل قطرة هي رسالة أخيرة وحضن وداع.

هذيان الكلمات بين العاشقين يصبح مطلبًا فهناك “أشياء” لا تصلح مادة للكلام يحكيها الصمت وتحركها اللهفة. 

ما الذي يحدث لنا حين نحب؟ صدمة كهرباء يقترحها الجنون، نحن لا نتقن التفكير مع الحب، فلا ذاكرة ولا وعي ولا أفكار، فقط محض حماقات، اجتياح جامح، وسطو مسلح دون سابق إنذار.

في مواجهة سيل العشق الجارف لا شيء سوى الاستسلام والتشبث بقشات اللقاء التي نتعلق بها لنتنفس ونحيا.

مواجهة الحب تمامًا كمواجهة الموت، نحن أمامه عرايا من كل شيء، عدا قلوبنا وأنفاسنا المرتعشة، وعيوننا المترقبة، وحواسنا المنتصبة، كلاهما يدخل حياتنا على حين غرة، كلاهما مبهم، مباغت، عبثي وقاتل شرس لا يتوانى عن افتراس ضحاياه.

الحب هو ذلك الخفي المضيء الذي يشعل عتمة الحواس وينير دهاليز النفس ويوقظ رغباتنا المستترة، ذلك الشقي الذي يجتاحنا بقوة ويمضي لحال سبيله.

ربما يعجبك أيضا