المحبوبة السمراء.. شرف الشرق وترف الغرب

كتبت – علياء عصام الدين

ما الذي على هذه الأرض يمكن أن يكون أكثر ترفا من أريكة وكتاب وكوبًا من القهوة؟

الساحرة السمراء، آسرة القلوب ومتعددة الأنواع والمذاقات، «القهوة» ذلك المشروب الذي ارتبط بالماضي والحاضر وضرب بجذوره في الأصول والعادات والتقاليد ليصبح نبض الشرق وشريان الغرب.

القهوة لا يخلو منها منزل ولا مطعم وتتبارى المقاهي على تقديمها بكل الأشكال والابتكارات والأنواع، هي رفيقة الطالب الذي يحتسيها ليكتسب مزيدًا من التركيز ويتمكن من السهر لاستكمال الدراسة، وهي صديقة صباحية للعاملين والموظفين وهي الحاضرة في الأفراح والأتراح.

كان يا ماكان، يحكى أن راعيًا للأغنام لاحظ أن أغنامه لا تنام في الليل، وتظل مستيقظة في نشاط وحركة فقرر أن يراقبها وسرعان ما اكتشف أن اغنامه تأكل أوراق غريبة هي شجرة البن وفقًا لقصة طريفة رائجة حول اكتشاف القهوة.

 على مر الثقافات والأجيال برزت القهوة بقوة في الشعر والنثر ورسائل الحب  وأغاني «فيروز»، فالقهوة  كما يقول درويش «لا تشرب على عجل, القهوة أخت الوقت تحتسى على مهل , القهوة صوت المذاق , صوت الرائحة , القهوة تأمل وتغلغل في النفس وفي الذكريات».

وعن مكان النشأة تتأرجح الأقاويل، فالبعض يرى أنها بدأت من إثيوبيا والآخر يذهب إلى أنها نشأت في اليمن وأيًا كان مكان نشأتها فقد انتشرت بصورة واسعة حتى أصبحت من أهم تقاليد الشعوب وأضحت مشروبًا أساسيًا لدى غالبية الناس في كل بقاع الأرض.

الساحرة السمراء.. الأنواع والفوائد

للقهوة أنواع مختلفة وطرق في الإعداد  تصل إلى أكثر من 85 طريقة، ومنها القهوة السوداء والأميركية واليمنية والبيضاء، والخضراء، والتركية  ومنها الإسبرسو، والكابتشينو، والموكا، والأرلندية، وقهوة فيينا والقهوة العربية والقهوة المثلجة.

تعد القهوة العربية مشروب الخليج المفضل يشتهر بها سكان الخليج العربي والعراق وفي الأردن يفضلون القهوة الغامقة ويضاف إليها الهيل والحبهان وتشرب دون إضافة سكر.

أما القهوة الأمريكية فتصنع القهوة من الحبوب الغامقة سريعة الذوبان، و تحضر فقط بإضافة الماء الساخن إلى مسحوق القهوة وهي معروفة بـ«النسكافيه»، ولاقت القهوة الأمريكية رواجًا واسعًا في الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة .

قهوة الذواقين أو «الاسبرسو» وهو قهوة إيطالية غامقة جدًا تتميز بمذاقها المر وثقلها ومفعولها القوي ، حيث يظل مذاقها في الفم لمدة طويلة ويفضلها أصحاب الكيف في شرب القهوة.

وعن فوائد القهوة فحدث ولا حرج  فهي تعمل على تحسين مستوى الكوليسترول فى الدم لاحتوائها على مواد مضادة للأكسدة  وبالتالي تعمل على حماية القلب ووقايته من التعرض للأزمات الصحية.

تحتوى القهوة على الكافيين فتعمل كمنبه قوى للعقل وقد أشاد بعض الرياضيين فى تأثيرها على ادائهم الرياضي، وللقهوة تأثير قوي ضد سرطان وتليف الكبد فهي تعمل على إبطاء نمو الخلايا السرطانية لاحتوائها على مادة “فراكسيناسين”.

في كتاب «تحفة الزمن في حكم قهوة اليمن» يقول الزبيدي أن القهوة سميت بهذا الاسم لأنها تشبع شاربها، وتفعل في النفس فعل النشوة والنشاط، وتمثل مصدر الأنس والسعادة للعرب لذا حرصوا أن تُدار دائماً في منازلهم».

«الهيف» و«الضيف» .. «الكيف» و «السيف»

قام أهل البادية والعرب بتسمية فناجين القهوة العربية  بمسميات عدة فهي مشروب «الأجاويد» ومفتاح السلام، من ضمن هذه المسميات، فنجان «الهيف»، الذي يشربه صاحب المجلس أمام ضيوفه لإثبات سلامة القهوة ويطمئن بأنها جيدة وفنجان «الضيف» الذي يعبر عن الكرم والعيش والملح بين المضيف وضيفه، وفنجان «الكيف» الخاص بالمزاج والاستزادة والتذوق ويرتبط  بالنشوة والسعادة، وأخيرًا يأتي فنجان «السيف» الذي يدل على القوة والمنعة والشرف.
 
عند القبائل العربية  يعتبر صبّ القهوة على الأرض وترك الدلة بشكل معكوس، دلالةً على الحزن وذلك عند موت زعيم القبيلة أو الشيخ ، وهو ما يشبه عملية تنكيس الأعلام لدى الدول.
 
تتعدد الطقوس التي تميز شبه الجزيرة العربية فيما يتعلق بإعداد القهوة وتقديمها للضيوف فيجب على من يقدم القهوة أن يكون واقفًا أثناء صبها للضيف، وأن يمسك الدلة باليد اليسرى ويقدم الفنجان لضيفه باليد اليمنى، وعليه الانحناء أثناء تقديم الفنجان ويبدأ بالتقديم لمن هو في صدر المجلس ثم ينتقل في عملية الصب للضيوف من اليمين إلى اليسار.
 
ومن العادات الأخرى المرتبطة بتقديم القهوة عند العرب أنه لا يجوز للكبير في السن أوالضيف تقديم القهوة، في حال هزّ الضيف الفنجان، فذلك دلالة على عدم رغبته في شرب المزيد من القهوة،  أما إن قدم الفنجان كما هو فتعنيأنه يرغب بالمزيد، ولا تقدم القهوة حاليًا دون الحلوى أو التمر للتخفيف من مرارة القهوة العربية الخالية من السكر.
 
لكمية القهوة المقدمة في الفنجان دلالات عربية في الخليج فإذا زادت الكمية عن نصف الفنجان فهذا دلالة على أن الضيف غير مرحب به أما إذا قلت عن النصف فتعرف بـ«صبة الحشمة» وتشير إلى أنك سعيد بضيفك، في المقابل يعد اعتذار الضيف عن احتساء القهوة من قلة الذوق وعدم الاحترام .

الشام وفلسطين .. الـ«نعم» قبل القهوة

القهوة من المشروبات المفضلة لدى شعوب الشام، ومن أبرز عادات سكان الشام وفلسطين وبعض دول الخليج عدمُ شرب الضيف للقهوة إلا بعد أن يجاب طلبه، لاسيما في حالات الزواج، حيث يُمنع أهل العريس من احتساء القهوة حتى يُجيب أهل العروس طلبهم.
 
وتتجلى أهمية فنجان القهوة  في وضعه أمام المضيف والانتظار فلا يشرب الضيف القهوة قبل الاستجابة لطلبه.

تركيا.. قراءة «الطالع » والقهوة «المالحة» للعريس

القهوة التركية مذاق مميز ولحبوب البن التركي حكاية خاصة بدأت في عهد السلطان العثماني «سليمان القانوني» حين أرسلها إلى والي اليمن فأحبها السلطان ومنذ ذلك الحين انتشرت في تركيا وبدأ الأتراك يتفننون في طحنها وإعدادها بطرق مختلفة حتى أصبحت مشروبًا شعبيًا يتهافت عليه الجميع.
 
وتعد قراءة الطالع لدى النساء إحدى العادات التركية الأساسية بعد احتساء القهوة فهي جزء من الثقافة حتى ولو من باب الفضول والتسلية، فبعد الانتهاء من شرب القهوة  تقلب السيدات الفنجان داخل الصحن، ثم تقوم بقراءة ما سيحدث مستقبلاً من خلال العلامات الظاهرة على الفنجان.
 
 
 وتتميز القهوة التركية بلونها البني المميز وطعمها اللذيذ ويعد احتسائها في اسطنبول أمر يضيف لمذاقها طابعًا خاصًا حتى وإن انتشرت في مناطق كثيرة من العالم فالقهوة بالنسبة للأتراك فن وتاريخ ونمط حياة وميراث توارثه الأبناء عن أجدادهم العثمانيين.
 
ومن العادات الغريبة لدى الأتراك والتي تترتبط بالقهوة، إضافة الملح لقهوة العريس أثناء خطبة العروس التي يحبها فإن شربها كاملة دون استياء أو انزعاج قبلته العروس وتأكدت من حبه لها وتحمله لأخطاءها في المستقبل، أما إذا بدت على ملامح الانزعاج  والضيق ولم يتمكن من استكمال القهوة فيمكن ألا تقبل به العروس ويدل ذلك على أنه يميل إلى النكد وعدم تحمل الصعاب.

مصر.. القهوة  دون «وش» .. وقصة التحريم

يختلف المصريون في طريقة إعداد القهوة عن غيرهم من دول الخليج والشام حيث أن المصريون اعتادوا على عدم غلي القهوة بشكل كامل وهو الذي يعتبره البعض في الدول الأخرى عدم ترحيب في حين أن قهوة المصريون لا بد أن يكون لها سطح متماسك أو «وش» كما اصطلحو على تسميته حتى يدل على الحرفية وحسن استقبال الضيف.
 
ويعتبر الضيف القهوة بدون «وش» غير جيدة ولا تصلح للشرب وتدل على عدم دقة صانعها.
 
وللقهوة في مصر حكاية ففي نهاية عام 1572 صدرت في القاهرة فتوى تقضي بتحريم شرب « القهوة» على الملأ وإغلاق المقاهي وكسر أوانيها، وحاول تجار البذور والبن ومنتجي القهوة وبائعيها إثناء الشيخ صاحب الفتوى عن فتواه دون جدوى،  قام مؤيدوا الشيخ في الاستمرار بالبطش بكل من يبيع القهوة أو يتاجر في البن حتى قتل أحد تجار البن على أيديهم فهرب الشيخ إلى أحد المساجد مع مؤيديه لتجنب اعتداء التجار عليه، قام التجار بتصعيد الأمر وقرروا محاصرة الشيخ وأعوانه في المسجد وأقاموا صوانًا للاعتصام شربوا فيه القهوة دون سكر على روح القتيل نكاية في الشيخ وفتواه، ومن هنا جاءت عادة تقديم القهوة «السادة» في العزاء.


ربما يعجبك أيضا