في النصف من شعبان.. أمْطِرْ بغَيْثِ العفو والغفران

هالة عبدالرحمن

كتب – هالة عبدالرحمن
أمْطِرْ بغَيْثِ العَفْوِ والغُفْرانِ – يا ربَّنا – في النِّصْفِ من شَعْبانِ
واجعلْ رمادَ الإثمِ يذروهُ الهدى وأنِرْ دياجي الرَّانِ بالقُرْآنِ
فيها تجلَّى اللهُ.. فادعوهُ يُجِبْ: إني أُجيبُ العبدَ حينَ دعاني


في ليلة الرحمة برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يقلب وجهه في السماء ليتوجه إلى الكعبة المشرفة في الصلاة، فمن الله عليه بفضله وولاه قبلة يرضاها ففي هذه اليلة العظيمة، منّ الله على المسلمين بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى مكة المكرمة يوم الخامس عشر من شهر شعبان عام اثنين من الهجرة، ويحتفل الكثير من المسلمين بهذا اليوم كل عام بالطاعة والصلاة والدعاء بسبب فضل ليلة النصف من شعبان بفتوي الشيخ ابن عثيمين.

واختلفت مسميات الليلة المباركة بين ليلة البراءة، ليلة الدعاء، ليلة القِسمة، ليلة الإجابة، الليلة المباركة، ليلة الشفاعة، ليلة الغفران والعتق من النيران.

ليلة الغفران
ووَرَدَ الترغيب في إحيائها في جملةٍ من الأحاديث، منها قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا نَهَارَهَا؛ فَإِنَّ اللهَ يَنْزِلُ فِيهَا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: أَلَا مِنْ مُسْتَغْفِرٍ لِي فَأَغْفِرَ لَهُ، أَلَا مُسْتَرْزِقٌ فَأَرْزُقَهُ، أَلَا مُبْتَلًى فَأُعَافِيَهُ، أَلَا كَذَا، أَلَا كَذَا، حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ» رواه ابن ماجه من حديث علي رضي الله عنه، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ أَحْيَا اللَّيَالِيَ الخَمْسَ وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ …» وذكر منها: «لَيْلَة النِّصْفِ مِنْ شَعْبَان» رواه الأصبهاني في “الترغيب والترهيب” من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه.

جعل الله سبحانه وتعالى لليلة النصف من شعبان مزية خاصة من حيث أنه جل في علاه يطلع فيها إلى جميع خلقه فيغفر لهم إلا مشرك حتى يدع شركه ويوحد رب السماوات والأرض، والمشاحن حتى يدع شحنائه ويصطلح مع من خاصمه .

فعن أبي ثعلبة، قال النبي صلى الله عليه وسلم : “إن الله يطلع على عباده في ليلة النصف من شعبان فيغفر للمؤمنين، ويملي للكافرين، و يدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه”.

وفي رواية عن أبي موسى:”إن الله تعالى ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك، أو مشاحن”.صحيح الجامع حديث رقم (1819).

المكروه فيها
واستحب بعض الفقهاء قيام هذه الليلة لتعرض المؤمن إلى رحمة الله ومغفرته. وقد ذكر الإمام ابن تيمية أن طوائف من السلف كانوا يقومونها، وإنما كره بعض السلف الاجتماع لها في المسجد، وعدوا ذلك من البدع. أما ما يفعله كثير من المسلمين من إحداث صلاة فيها بعدد مخصوص وقراءة مخصوصة فهو بدعة محدثة. يقول الإمام النووي: الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب، وهي اثنتا عشرة ركعة تصلى بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة في رجب، وصلاة ليلة نصف شعبان مائة ركعة، وهاتان الصلاتان بدعتان ومنكران قبيحان، ولا يغتر بذكرهما في كتاب قوت القلوب، وإحياء علوم الدين، ولا بالحديث المذكور فيهما فإن كل ذلك باطل.

طقوس الاحتفال
جرت عادة الاحتفال بليلة منتصف شعبان، وهي الليلة التي تسبق يوم 15 شعبان، إذ ورد فيها عدة أحاديث من نبي الإسلام محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم يبيّن فضلها وأهميتها، بالصلاة والذكر وتلاوة القرآن وبعض الأحيان الصيام غفرانًا للأخطاء، ولكن إضافة إلى ذلك تميزت كل دولة بطقوس ومظاهر خاصة بها لإحياء ليلة النصف من شعبان.

فتحتفل الإمارات في ليلة النصف من شعبان والتي تسميها بـ”حق الليلة” تبدأ مراسيمها عقب صلاة العصر، بطواف الأطفال على منازل الحي، مرتدين الملابس الشعبية، حيث ترتدي الفتيات ملابس مطرزة تعرف بالثوب بوطيرة أو الميزع، بينما يرتدى الصبيان الكندورة والطاقية المطرزة، حاملين أكياسًا خاصة مصنوعة من القماش تسمى “الخرايط” ليجمعوا الحلوى والمكسرات بها، منشدين أغنيتهم الخاصة التي توارثوها من أجدادهم “عطونا .. الله يعطيكم . . بيت مكة يوديكم”، وعند إعطاء أهل البيت لهم ما لذ وطاب من المسكرات يسيرون مبتهجين مغنيين “قدام بيتهم وادي.. والخير كله ينادي”.

وتتشابه الكويت والبحرين مع الإمارات في مظاهر احتفالها، باختلاف أنها تسمي الليلة بـالقرقيعان، ويعود ذلك المسمى إلى لفظ عامي مأخوذ من قرع الباب، باعتبار أن الأطفال يقومون بقرع أبواب البيوت في هذه الليلة، بينما تسميها البحرين بـ”ليلة الناصفة” والتي تستمر حتى ساعات متأخرة من المساء، حيث  تقيم مسابقات بين القرى والمآتم فيما بينها عبر توفير جوائز قيمة تتنوع بين أجهزة إلكترونية وألعاب.

فيما تختلف دولة قطر بتقديم الأكلات الشعبية، في ليلة النصف من شعبان والتي يطلقون عليها “ليلة الناقلة” وفي بعض بلدان الخليج العربي يحتفل البعض بليلة النصف من شعبان بصفة شعبية اجتماعية، حيث تقوم بعض الجهات المسماة بـ”دوائر السياحة والتسويق التجاري” بتنظيم هذا الاحتفال.

أما في سلطنة عمان تسمى  الليلة بـ”القرنقشوه”،ويطلق عليها مسلمو الهند “ليلة البراءة” لاعتقادهم أن الله يحدد مستقبل جميع الرجال باحتساب أعمالهم الماضية في ليلة المنتصف من شعبان، فيقضون الليلة في الصلاة والدعاء وتلاوة القرآن، ثم يتوجهون في الصباح الباكر إلى المقابر، حاملين باقات الورود لزيارة أمواتهم و قراءة الفاتحة على أرواحهم طلبًا للغفران.

بينما يحرص الشيعة في العراق على إحياء مراسم الليلة بتنظيم مواكب حسينيه إلى مرقد الحسين بن على، يقدمون خلالها الخدمات لزائري كربلاء، وسط حالة من البهجة والفرح والدعاء بتعجيل ظهور المهدي المنتظر، وهو أن نبي الإسلام محمد بشّر أمته بخروج رجل من ولده من نسل فاطمة الزهراء، آخر الزمان يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وجورًا.

وتولي إيران عناية خاصة بتلك الليلة من خلال تزيين الشوارع والأزقة بالأضواء والزينات وتوزيع الحلويات والعصائر في الطرقات وإقامة الموالد التي يتكفل بها الناس، ويطلقون على هذا اليوم تسمية اليوم العالمي للمستضعفين.

ويطلق المغاربة على ليلة النصف من شعبان “ليلة الدردبة”، حيث يوجد اعتقاد لدى المغاربة بأن مصائر الناس تتحدد في هذه الليلة، وطقوس الاحتفالات تقوم على ثلاث مراحل، الأولى هي أن تقدم قربانًا للجان وهو عبارة عن تيس أسود اللون مع دق الطبول وعزف المزامير، والمرحلة الثانية هي تصعيد عملية الإيقاع لتحفيز الأهالي والمحتفلين لكي يأتوا ليحتفلوا، المرحلة الثالثة هي بداية للرقص الجماعي الإيقاعي وعمل الحركات البهلوانية .

وفي مصر تختلف ليلة النصف من شعبان من محافظة إلى آخرى، ففيها يتجمع الأطفال بأعداد كبيرة من أهل القرية، بعد صلاة المغرب أمام المساجد، لتأتي النساء وتعطي لهم الحلويات، ويكون هذا بمثابة نذر لكل سيدة، وتقف السيدات على صخرة عالية تلقي الشيكولاتة والحلويات ويتهافت عليها الأطفال،  كما يجلب بعضهم عددًا من الشيوخ للبيوت لتلاوة القرآن الكريم، ويكون مقابل ذلك عشاءهم من اللحوم وخاصة البط والأوز وأكل المحشي، وهناك بعض العادات التي ندر وجودها ويتمسك بها كبار السن فقط، وهي عمل الكعك وتوزيعه على الجيران.

ربما يعجبك أيضا