ورحل “يوسف”.. الموت المجاني في شوارع مصر

كتبت – علياء عصام الدين

“لو ع الحزن بنعرف نحزن بس مفيش للحزن مكان، ابني هيفضل جوة في قلبي صورة بتضحك بالألوان، لسه بيتنفس حرية حي في عيني لا غاب ولا راح”.

هكذا نعت “مروة قناوي” والدة يوسف طفلها الذي فارق الحياة، الحياة التي لا يوجد فيها شيء يساوي ابتسامة طفل لأمه، ولا يوجد فيها أقسى من فقدانها له.

بجسده النحيل وابتسامته البريئة وخصلات شعره المبعثرة ونظراته التي تزيده جمالًا، رحل “يوسف” البالغ من العمر 13 عامًا، راح ضحية طلقة “طائشة” مجهولة المصدر أًصابته في المخ الأسبوع الماضي.

لفظ يوسف أنفاسه الأخيرة أمس في مستشفى بمنطقة الحصري بالسادس من أكتوبر، تاركًا وراءه جرحًا غائرًا في قلوب المصريين.

أثارت قضية يوسف حفيظة ودهشة وخوف المصريين على مواقع التواصل الاجتماعي طيلة العشرة أيام الفائتة.

وبعيدًا عن أن مثل هذه الحوادث تتكرر بشكل كبير وكثير منها لا يتم تداوله على مواقع التواصل ليحظى بهذا الاهتمام إلا أن يوسف استطاع بنظراته وبراءته أن يوحد دعوات المصريين مسلمين وأقباط.

بداية القصة

اخترقت رصاصة من سلاح كاتم للصوت رأس الصغير بينما كان برفقة أصدقائه في ميدان الحصري.

دق جرس الهاتف مؤذنًا بكارثة لمستها قلب الأم قبل أن تجيب على هاتفها وسرعان ما عرفت “مروة” أن ابنها في خطر فهرولت مسرعة لتعرف أن يوسف مصاب بطلق ناري اخترق النخاع الشوكي وأن حالته حرجة للغاية.

“بَكِّت الرصاصة لما عرفت انها صابت ملاك .. إزاي يا يوسف تبقى نايم وسطنا وقلبك هناك”.

بعد ساعات من الحادث انتشرت صور يوسف على مواقع التواصل الاجتماعي فانتفض المصريون وانتشر هاشتاج #صلو_ليوسف على موقع التدوينات المصغر تويتر.

“الكون مِسَلّم امره وبيدعي، عصافير توحد ربنا وتصلي ليك تغريد، ومافيش يا يوسف حد هيسيبَّك، كل البشر مستنّينَّك عيد”.

توالت الدعوات من آلاف المصريين مسيحيين ومسلمين ليحفظ “يوسف” وأن يعود لحضن أمه سالمًا معافى.

شائعات وتكهنات

عقب صمت أمني عن ملابسات الحادث، انطلقت شائعات وتكهنات على مواقع التواصل الاجتماعي.

تحدثت الشائعات عن وجود “قناص” يجوب شوارع ميدان الحصري ويطلق النار بشكل عشوائي وانتشرت صور لوقائع قديمة وغير حقيقية الأمر الذي أثار الرعب والفزع في قلوب سكان المدينة.

انتشرت أحاديث أخرى اتهمت جماعات إرهابية بالتورط في الحادث انتشار النار في الهشيم، وبين القيل والقال رقد يوسف في المستشفى بين موت قريب وطيف حياة.

“يا اللي انت أقرب ليوسف من حبل الوريد، انفخ ف روحه وخلي نبضه يعود، يوسف يارب بـضحكته قادر ينشر سلام ف الأرض وتبتسمله ورود “.

رصاصة طائشة

التحقيقات أشارت إلى أن المتهمين الثلاث تم ضبطهم وأنهم قد أطلقوا النار عشوائيًا في حفل زفاف.

منذ دخول يوسف العناية المركزة انقطع عن العالم وظل قلبه الصغير ينبض ببركة آيات القرآن التي تلاها أصدقاؤه وأهله الذين جلسوا مترقبين في طرقات المستشفى لعله ينهض من جديد، لكن يوسف كان يعيش على “الأجهزة” ولم تتحسن حالته، ولم يتمكن الأطباء من انقاذه، فحالته لا تسمح بالسفر إلى الخارج .

رصاصة طائشة غيبته عن الحياة، يوسف الذي دأبت أمه على تربيته على مقولة “الله محبة”، انتظرته، لكنه لم يعد لتكمل درسها الأخير.

“محدش فهم الرسالة ! محدش فهم إنه ربنا جعل “يوسف” آية نتعلم بيها انه مفيش حاجة اسمها مسيحي و مسلم لكن في حاجة اسمها الكل رفع ايده لرب واحد، محدش فهم انه مفيش كبير و صغير وغني و فقير و فلول و ثورة في بني آدمين اتفقوا على صفه واحدة و لو لمرة و هي أن كلنا بشر، محدش فهم إن الحياة و الموت هبة من عند الله و الطب و الدعاء وسيلة و إن الياس خيانة، وانا مش هخون يا يوسف و معاك للأخر و راضية، مستنياك احكيلك متتأخرش”.

هكذا ودعت مصر يوسف الذي راح ضحية الجهل والعشوائية وغياب الأمن تلك السمات التي أضحت طابعًا أصيلًا في الشارع المصري.

ربما يعجبك أيضا