بعد خفض تصنيفها الائتماني.. “الانكشاف الخارجي” يهدد قطر

حسام عيد – محلل اقتصادي

رغم محاولات الاقتصادات الخليجية ممثلة في دولها أن تعيد أسعار النفط إلى التوازن من أجل تحسين ميزانياتها إلا أن هناك مقاومة واضحة في مالية بعض هذه الدول.

ودفع ذلك وكالات التصنيف الائتماني وعلى رأسها موديز لإعادة نظرتها المستقبلية حيال التصنيف السيادي لقطر وتخفيضه، مع احتمالية مخاطر انكشاف للاقتصاد.

والتصنيف الائتماني أو الجدارة الائتمانية هي درجة تظهر حكم وكالات التصنيف الائتماني العالمية على مدى قدرة دولة أو مؤسسة ما على سداد ديونها. فمعنى تصنيف ضعيف أنّ هناك احتمالاً بألا يستطيع المدين الوفاء بالتزاماته، أمّا التصنيف المرتفع فيعني استبعاد الاحتمال.

أسباب تراجع التصنيف الائتماني

خفضت وكالة موديز التصنيف الائتماني لقطر إلى AA3 من AA2 مع تعديل النظرة المستقبلية إلى مستقرة من سلبية.

وتعود أسباب تخفيض التصنيف الائتماني إلى:

– تمر قطر بصعوبات مالية وخاصة فيما يتعلق بالدين الحكومي العام الذي يصل إلى 150% من الناتج المحلي الإجمالي في 2016، من 110% في 2015 وهو الأعلى ليس فقط بين الدول الخليجية وإنما بين جميع الدول التي تحمل تصنيفات شبيهة.

وقد جاء الارتفاع القوي للدين الخارجي القطري بسبب ارتفاع المطلوبات الأجنبية للمصارف التجارية إلى أكثر من 120 مليار دولار أي بنمو 44% عن مستوياته قبل عام.

– الحساب الجاري لقطر سجل عجزا يساوي 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي في 2016.

– وجود شكوك باستدامة نموذج النمو الاقتصادي في البلاد.

– هناك توقعات بانخفاض عدد سكان قطر ابتداء من 2020، خاصة وأن انخفاض السكان سيؤدي لتراجع الاستهلاك والاستثمار.

ولم تكن موديز أول وكالة تخفض تصنيفها الائتماني لقطر حيث سبقتها في مارس الماضي وكالة ستاندرد آند بورز التى خفضت نظرتها الائتمانية للديون السيادية القطرية إلى “سلبية” من “مستقرة” مع تصنيف AA حاليا.

وقالت الوكالة إن موقف السيولة الخارجية القطري يضعف مع النمو السريع في الالتزامات الخارجية على البنوك ودين القطاع الحكومي.

وتوقعت ستاندرد آند بورز أن يبلغ العجز المالي على مستوى الحكومة المركزية نحو 7% من الناتج المحلي الإجمالي في 2017 وأن يهبط تدريجيا كي يصل إلى التوازن (دون عجز أو فائض) بحلول 2018-2019.

وقالت الوكالة إن التوقعات تعكس المخاطر التي يشكلها احتمال تدهور الموقف الخارجي لقطر إذا ظل النمو السريع في الدين الخارجي أكبر من الزيادة في الأصول الخارجية السائلة.

سوء إدارة الاقتصاد

تطمح قطر لعب دور أكبر من حجم اقتصادها ومواردها على حساب الاستقرار الاقتصادي، وهذا يظهر بشكل جلي مع الدعم غير المحدود لبعض المنظمات المصنفة بالإرهاب لدى العديد من الدول الإقليمية، وهذا ما يؤثر كثيرا حتى على مصداقية التعامل البيني مع الكثير من الدول في العالم.

خفض التصنيف السيادي قطر دلالة واضحة على سوء إدارة الموارد المالية للاقتصاد القطري، التي تم استغلالها في مغامرات سياسية جلبت الخسائر للبلاد.

تقليص النفقات والعمال

يواجه اقتصاد قطر، وهي من أكثر الدول ثراء، ببذخ في الإنفاق وإعانات حكومية سخية، صعوبات كبيرة بعد انخفاض أسعار النفط عالميا، وهو ما فرض ضغوطا على الدولة الخليجية الصغيرة، وهو ما أكدته إجراءات تقليص في مشروعات بارزة وحديث عن تعديل في نظامها الضريبي ومنظومة الدعم الحكومية.

وشمل خفض النفقات في قطر مشروعات في مجالات التنمية وبرامج ثقافية ومخصصات للتعليم والمواصلات.

وأصبح الاقتصاد القطري أمام سيناريوهات عديدة لضعف متدرج، ففي يناير الماضي، أعلنت شركة سكك الحديد القطرية فصل 50 من العاملين لديها في إطار مراجعات للكفاءة في العمل، وفصلت شركات رأس غاس وقطر للبترول وميرسك قطر الآلاف من العاملين لديها وكذلك توقفت مشاريع كثر لم تتم بتخطيط استراتيجي ونافذ فمثلا مشاريع الملاعب المستضيفة لكأس العالم 2022 خفضتها من ١١ ملعبا إلى ٨ ملاعب فقط.

وهناك مؤشرات سلبية وضحت خلال الفترة الماضية، منها إعلان مركز السدرة للطب والبحوث، الذي يحصل على تمويل من مؤسسة قطر غير الهادفة للربح، عن خطط لتقليص عدد العاملين، وأدت إجراءات التقليص داخل المؤسسة إلى إنهاء شراكة مع دار بلومزبري للنشر وخفض النفقات الموجهة لصناعة السينما وتقليص ميزانيات الجامعات، وأعلنت هيئة متاحف قطر في يناير الماضي عن تسريح 250 من العاملين، وتعليق خطط إنشاء متحفين جديدين.

ضعف الشفافية

تبرز الشفافية من بين أهم محاور تقرير “موديز” إذ تعد في عمل صناديق الاستثمار السيادية للدول من بين النقاط الأهم في تقييم حجم وقوة هذه الصناديق عالميا.

وقد تناول تقرير “موديز” عن قطر، حجم أصول جهاز قطر للاستثمار، حيث أشارت الوكالة إلى أن الجهاز أضعف من حيث الشفافية من معظم الصناديق السيادية في المنطقة والعالم.

وتظهر وكالة موديز أن هناك معلومات محدودة جدا عن حجم أصول الصندوق ومكوناته وسيولته.

ويضعف هذا النقص في الشفافية الموثوقية في تقديرات حجم أصول جهاز قطر للاستثمار، والبالغ نحو 300 مليار دولار، وكذلك بالتقديرات لصافي مركز الأصول، والذي هو عبارة عن مجموع أصول الجهاز مخصوما منها الديون الحكومية، وهو يُقدر حاليا بـ100%، من الناتج.

مخاطر مصرفية

الارتفاع الحاد في الديون الخارجية المترتبة على البنوك القطرية يزيد من تعرضها لمخاطر تحول ميول المستثمرين، أو تغير ظروف السيولة العالمية.

وأوضحت وكالة ستاندرد آند بورز أن بعض البنوك القطرية سعت للحصول على سيولة من الخارج، لمواجهة الانخفاض في الودائع الحكومية والكيانات ذات الصلة بها، عندما بدأت أسعار النفط في التراجع منذ النصف الثاني لعام 2014.

ويعمل حاليا في قطر 18 بنكاً تخدم 2.5 مليون نسمة، فيما يهيمن «بنك قطر الوطني»، وهو أكبر بنك في قطر وتمتلك الحكومة فيه حصة غالبة، على حصة في السوق تبلغ أكثر من 40% من الأصول المحلية.

أزمة اقتصادية في الأفق

نظرة موديز لاقتصاد قطر سوف تخفض تصنيفها لدى جميع الوكالات الخاصة بالتصنيف، لذا ينبغي على قطر أن تعمل بموجب التوجهات الخليجية التي تحاول تنويع دخلها الاقتصادي بعيدا عن البترول.

وتمر قطر بأزمة اقتصادية حقيقية مغيبة كثيرا عن نفوذها الإعلامي وما يسعى إليه، حتى أن مؤسسة الجزيرة المدعومة بأهداف ابتزازية من قبل الحكومة القطرية قامت بتقليص موظفيها ومشاريعها نتيجة كثرة النفقات دون أرباح تذكر، وتشتهر قطر بكثرة العمالة الأجنبية والتي تمثل ثلاثة أرباع سكان البلد وذلك سيشكل عبئا أكثر للاقتصاد القطري؛ إذا لم يتم تقنينه والاستفادة منه لو بفرض الضرائب.

المشاكل الاقتصادية ستضع قطر أمام احتمالات خطيرة جدا، حسب الواقع والأرقام والتصنيفات، ومنها خطر الانكشاف الخارجي.

تخفيض وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني، الرتبة الممنوحة لقطر إلى AA3 من AA2 متوقع لقطر ولأي دولة تعاني من غياب الشفافية في القوائم المالية وعدم أخذ التدابير التي تسهم في تجاوز أي عجز تمر به الموازنة.

ربما يعجبك أيضا