رهان الفرصة الأخيرة.. الحريري وولادة القانون العتيد

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

“إن السياسة هي ابنة التاريخ، والتاريخ ابن الجغرافيا، والجغرافيا ثابتة لا تتغير، وقدر وطننا أن يكون جغرافياً وسط منطقة بركانية،إن استكانت حممها لفترة فلتثور لفترات، وما بين استكاناتها وثوراتها يُخطّ تاريخنا، مثقلاً بأحماله، مثخناً بجراحه، وأيضاً فخوراً بإنجازاته”، هكذا لخص الرئيس اللبناني ميشيل عون مشكلة بلاده والتي حالت طوال الأعوام الماضية دون تحوله إلى دولة حقيقية لها تجربتها الفريدة والملهمة لكل المجتمعات التي تلفظ الأحادية وتتلمّس طريق التعددية السياسية والدينية.

هذه الكلمات قالها عون في مستهل مائدة الإفطار الرمضاني، التي  دعا إليها الفرقاء اللبنانيين الخميس الماضي، محاولا رأب الصدع والخروج من عنق الزجاجة بقانون انتخابي يغلب المصلحة السياسية على المصالح الطائفية، ويسطر له في أول عهده بسدة الرئاسة انجازا تاريخيا، وبالفعل نجح الإفطار في لم شمل الفرقاء وتم التوافق على قانون النسبية بصورة مبدائية.

اليوم الرهان على القفازات الحريرية في جولة اتصالات مكثفة يجريها رئيس الحكومة سعد الحريري لرأب الصدع بين التياري العوني وحركة أمل، وتشير الأنباء إلى إجتماع مفصلي من المُقرر أن يُعقد مساء اليوم الثلاثاء بحضور الوزيرين علي حسن خليل وجبران باسيل والنائب جورج عدوان والمعاون السياسي للأمين العام لـ”حزب الله” حسين الخليل للبت في المسائل التفصيلية العالقة في قانون الإنتخاب.

الشيطان يكمن في التفاصيل

هذه المسائل التي تمثل عثرة في طريق ولادة القانون العتيد القائم على 15 دائرة، تتلخص في تثبيت المناصفة بين المسحيين والمسلمين وتحديد مهلة لإقرار اللامركزية الإدارية وما إلى ذلك من أمور متصلة بنقل بعض المقاعد النيابية من منطقة إلى أخرى، والأهم من بين هذه المسائل هو الاتفاق بين التيارات السياسية المختلفة على المدة التي سيستغرقها التمديد التقني للبرلمان الحالي، المخرج الذي لا مفر منه كما أوضح وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق في تصريحات صادمة منذ أيام، عندما أكد أنه لا يستطيع إجراء انتخابات قبل مرور ما لا يقل عن سبعة أشهر- بعد التصديق على القانون- أي في مطلع 2018، وذلك لدخول القانون حيز التنفيذ.

هذا التمديد الذي لا مفر منه، لن يتقبله العونيون بارتياح، وتحديدا رئيس التيار الوزير جبران باسيل المستعجل لإجراء الانتخابات ليس من أجل أن يحجز مقعدا فيها بعد خسارتين في دورتين سابقتين، لكن ليثبت أن عهد صهره رئيس الجمهورية الجديد استطاع اتمام الاستحقاق النيابي من دون تأخير طويل واإنهاء عهد قانون الستين الذي ولد في عهد الرئيس فؤاد شهاب.

لكن في النهاية سيكون على العونيين تقديم تنازلات وهم بالفعل قد بدأوا، لكنهم قدموها من موقع قوة لتحقيق المزيد من المكاسب ليس إلا، ولعل أهم هذه المكاسب انتزاع قانون انتخاب يصحح الخلل التمثيلي ويعيد التوازن الوطني الذي اختل منذ العام 1990 على حساب الطرف المسيحي من المعادلة الوطنية، وذلك بهدف ضمان عدم تجاوز المسيحيين في القرارات الوطنية والمسائل المصيرية.

محادثات الغرف المغلقة

بالنسبة لفريق القوات اللبنانية فلديه ذات الهدف لاسيما بعد تقاربهم من التيار العوني والذي انجز الانتخابات الرئاسية قبل ذلك، أما الفصيل المسيحي الأخر وهو الكتائب اللبنانية والقريب من الوسط الحريري فحذر صراحة من تمرير “صفقة انتخابية” وتفخيخ مشروع القانون قبل خروجه إلى النور، وقال المكتب السياسي للحزب في بيان له بالأمس “قانون النسبية على اساس خمس عشرة دائرة، الذي اتفق عليه في بكركي، يمكن أن يشكل نقطة تلاق لتحسين التمثيل وعدالته، شرط ألا يتم تفخيخه من خلال إضافة قواعد جديدة على القياس”.

وشدد بيان حزب الكتائب على ضرورة إخراج قانون الانتخاب من الغرف المقفلة ومناقشته حسب الأصول في المؤسسات الدستورية، بعدما تعمدت السلطة السياسية ترك الأمور حتى اللحظة الأخيرة في محاولة منها لتمرير صفقة انتخابية.

من جانبه أكد رئيس مجلس النواب نبيه بري بالأمس في تصريحات تناقلتها الصحف اللبنانية، أنه لا توجد ايّ مشكلة على القانون الذي تمّ التوافق السياسي عليه بالكامل وعلى كل تفاصيله، موضحا رفضه التام لمحاولة بعض الأطراف السياسية لإيجاد قوانين جديدة إلى جانب هذا القانون أو ايجاد مواقف وتعديلات لا علاقة لها بالقانون.

وأضاف هناك فرصة يجب ألّا نضيّعها، وأرى أنه لم يعد هناك ما يوجب تضييع الوقت، وبالتالي لا أحد يعتقد أنه سيكون هناك تنازل أكثر من الذي قدّمناه، لقد سبق ووافَقنا على قانون هم أعدّوه، فماذا بعد؟ لا نقبل باختراع قوانين جديدة، “هيك ما بيمشي الحال”.

في هذه الأجواء يحاول الحريري اليوم فتح ثغرة في الجدار الانتخابي، آملا في أن يتوصل إلى تسوية للنقاط العالقة تمكنه من الدعوة في نهاية هذا الأسبوع -بحسب أوساط قريبة منه- إلى انعقاد مجلس الوزارء لإحالة مشروع القانون إلى طاولة مجلس النواب بحلول الاثنين المقبل، وسط تفاؤل حذر بأن يرى القانون الذي شكل حجر الزاوية طوال العقود الماضية في أزمات الفراغ الدستوري والتشريعي في بلاد الأرز، النور قريبا.
 

ربما يعجبك أيضا