كيف أصبحت بريطانيا بؤرة للجماعات المتطرفة ؟

دعاء عبدالنبي

رؤية ـ جاسم محمد
 
شهدت بريطانيا مطلع عام 2017 عدد من العمليات الارهابية، في الغالب كانت ذات سيناريو متكرر، لكن رغم ذلك لم تستطع الاستخبارات البريطانية  الاستشعار بمثل هذه العمليات كما ينبغي. المشكلة التي تعاني منها بريطانيا، تحديدا ربما في مجال الاستخبارات اكثر من الجانب الشرطي الامني، فمازالت بريطانيا تشهد عمليات ارهابية ينفذها عناصر ذات سجل جنائي وارهابي، دون منعها، وهذا مايعتبر مأخذ على الاستخبارات البريطانية.
 
العمليات الارهابية التي شهدتها بريطانيا، تكشف بانها مازالت، غيرجاهزة بعد لمواجهة التطرف والارهاب، وهذا ماجاء في تقارير الاستخبارات المركزية وكذلك استخبارات بريطانية. فمازالت جماعات “الاسلام السياسي” الجماعات الاسلاموية تنشط على الاراضي البريطانية، بكل درجات تطرفها وانواعها، مع توقعات ان بريطانيا ممكن ان تشهد عمليات ارهابية متكررة، اشارة الى تقارير استخباراتية بريطانية، منها اللجنة الجديدة المعنية بمراقبة اجراءات مكافحة الارهاب، وهذا يعود الى حقيقة بان بريطانيا لم تحسم بعد موقفها منتلك الجماعات.
 
وصف المدير الجديد لوكالة الاستخبارات البريطانية مطلع شهر ديسمبر 2016  حجم التهديدات الإرهابية ضد المملكة بالمتحدة بأنها غير مسبوق. وقال “أليكس يانغر” إن الاستخبارات البريطانية وأجهزة الأمن أحبطت عدد من الهجمات المحتملة. وحذّر” يانغر” من أن “الحروب الهجينة” التي تضم هجمات إلكترونية على الإنترنت وتقويض أنظمة ديمقراطية، باتت ظاهرة خطيرة بشكل متزايد. وأضاف أن التنظيم لديه “هيكل منظم تنظيما جيدا للتخطيط للهجمات الخارجية” وقد اضطلع بالتخطيط لهجمات ضد المملكة المتحدة وحلفائها “حتى من دون اضطراره إلى مغادرة سوريا”.
 
لقد اصبحت بريطانيا بالفعل، اكثر عرضة لعمليات ارهابية، بعد خروجها من الاتحاد الاوروبي، وهذا يعني ان ما كانت تتوقعه بريطانيا ان تكون اكثر امنا بخروجها، هو غير صحيح، وان امن بريطانيا لم يعد مهددا من الخارج ومن موجات اللاجئين والهجرة، لكن بريطانيا مازالت مهددة من الداخل. العمليات التي نفذت في بريطانيا وفي دول اوروبا في الغالب هم مواطنون تلك الدول.
 
تراخي بريطانيا في مواجهة الجماعات المتطرفة على اراضيها
 
وتوصف سياسة بريطانيا تجاه الجماعات ومنابر التطرف، بانها متراخية، فمازالت هناك في بريطانيا مدارس “دينية” تدار من قبل مشايخ التطرف، تدرس فيها مناهج لاتمت للاسلام بصلة، وتحرض على العنف والتطرف، والانكى انها تحصل على الغطاء القانوني من داخل بريطانيا، تحت باب المدارس الخاصة او الجمعيات او المراكز الثقافية.
 
الخطر التي تشهده بريطانيا هو من الداخل بسبب سياسة التراخي والمهادنة مع جماعة “الاخوان المسلمين” وغيرها من الجماعات. سبق ان اعلنت الحكومة البريطانية خلال شهر ابريل عام 2014، بفتح ملف جماعة الاخوان المسلمين على اراضيها، بهدف الوصول الى قرار لحظر الجماعة في اعقاب حظرها في مصر وفي دول اخرى، لكن من المفارقات بان الحكومة البريطانية لم تكشف عن ملف التحقيقات حتى بعد مضي اكثر من ثلاث سنوات!.
 
الدعاية المتطرفة

تستهدف الحركات والجماعات الإسلاموية المتطرفة الشباب في بريطانيا من المسلمين لغرض تجنيدهم في تنظيماتها الاسلاموية “الجهادية” لتحقيق اغراض سياسية بغطاء الاسلام والدعوة. الدراسات اكدت يأن هناك عوامل متداخلة تدفع الشباب على التطرف وأن اغلب منفذي الاعتداءات الإرهابية لا علاقة لهم بالاسلام، فإنهم ينفذونها نتيجة دوافع نفسية مرتبطة بالهوية وأخرى اقتصادية واجتماعية مرتبطة بالبطالة والعنصرية أحيانا، وأيضا استجابة لفتاوى مشايخ القتل ودعاوى التطرف الموجودة داخل بريطانيا الى جانب وسائل التواصل الاجتماعي على الانترنيت.
 
وفي دراسة نشرها المركز الدولي لدراسات الراديكالية التابع  Kings Collegeفي لندن ذكرت وجود عشرات الالاف من المقاتليين من غير السوريين يقاتلون في سورية، بينهم مقاتلون أوروبيون ـ بريطانيون. وتضمنت الدراسة مخاوف اوربية من ازدياد أعداد المقاتلين الأوروبيين المشاركين القتال في سوريا  وعودة أولئك المقاتلين ومشاركتهم في عمليات انتحارية في اوربا. المشكلة ان بعض المؤسسات البريطانية تعتقد بأن اسباب تدفق المقاتلين الاجاتب الى سوريا وغيرها من مناطق النزاع هي مشكلة دينية تتعلق بالاسلام اكثر من انها مشكلة اجتماعية تتعلق بالحصول على التعليم وعلى فرص العمل والاندماج الاجتماعي التي اصبحت ابرز التحديات في بريطانيا وبعض الدول الاوربية.
 
إن تورط الشباب في عمليات ارهابية وتطرف، لايعني بالضرورة ان يكونوا ملتزميين ومتمسكيين في تعاليم الدين الاسلامي والشريعة الاسلامية التي تنبذ العنف، وتدعو الى التعايش والتسامح. لذا كشفت بعض التقارير المعلوماتية بأن البعض من المتورطين لم تكن لهم علاقة بالدين، بل كانوا يعانون من مشاكل اجتماعية والبطالة ولم يكونوا ايضا بعيدا عن فتاوى المشايخ وتاثير” الجهاد الالكتروني والاعلامي” فبعد ان كانت التنظيمات “الجهادية” والقاعدة تعتمد مواقعها وشبكاتها الجهادية والمنتديات، تحولت الى تبني حساب تويتر وشبكة التواصل الاجتماعي الاخرى مستفيدة من عولمة الانترنيت والتكنلوجيا.

هذا الإحساس بافقدان الهوية، حسب بعض الدراسات الاكاديمية في مجال التطرف، تستغله الحركات الإسلاموية التي من شأنها تجعل ألشاب يشعر بالتميز في حياته كمسلم عن الإنسان الغربي، وقد يصل الأمر في حالات متطرفة إلى تكفير الغرب، وهذا الأمر لا يحتاج إلى إيمان عميق بقدر ما يحتاج إلى نقص في الشعور بالهوية، يحاول من خلاله تحقيق ذاته في مجتمع يراه مختلفا عنه ولا يقبل بسهولة أن يكون جزءا منه.
 
الخطاب الإسلامي
 
الحركات الإسلامية كما تعرف عن نفسها هي عبارة عن الحركات التي تنشط في الساحة السياسية ، وتنادي بتطبيق الإسلام وشرائعه في الحياة العامة والخاصة ،وفق تعريف الدكتورعبدالله الغريفي .

ومن أهم  سماته هي الاختلاط الفكري بالسياسي واعتماد أسلوب تحليل الخطاب الإسلامي كبديل عن الفاعلية الحركية السياسية، ومن وحي دراسة الخطاب برزت تسميات عدة ألصقت بعد ذلك بأطياف من الحركة الإسلامية.
 
لا تختلف الحركات الدينية الإسلامية عن بعضها ، من حيث بداياتها في الدعوة إلى( الخير والاصلاح، والحض على أداء الواجبات الدينية والابتعاد عن المفاسد والشرور)، من دون وضوح في أهدافها السياسية، وإبقاء ذلك من ضمن غموض مدروس أحياناً، أو من ضمن حالة من حالات التكتيك المرحلي وإخفاء النيات لدى بعض قياداتها الأساسية في مراحل التكوين الأولى.

فالحركات الدينية وعلى غرار الحركات القومية واليسارية  عملت  او نشطت من داخل نواد وجمعيات، على أساس أنها منظمات أهلية ذات نشاط ثقافي إجتماعي ديني . إلا أنها مثلت واجهات إجتماعية أو ثقافية أو دينية لجماعات سياسية متعددة ، لذا بقي العمل التنظيمي والوعظي الإسلامي احد ابرز سمات ألجماعة واعتماد الدعوة والوعظ وإنشاء المؤسسات الخيرية والشركات والبنوك لدعم العمل السياسي .

شبكات عمل “جهادية” من داخل بريطانيا

تنشط شبكات عمل داخل بريطانيا ودول اوربية اخرى لترتيب عمل الجماعات التي ترغب الالتحاق بالتنظيمات الارهابية في سوريا والعراق وليبيا ودول اخرى، منها واوراق سفرهم وحجوزاتهم من داخل بريطانيا فقد كشفت التحقيقات إن جماعات “بشودري” سهلت أو شجعت مئات الشباب في المملكة المتحدة  قدر عددهم ثلاثمائة شخص عام 2013 من بريطانيا أوروبا  فقط من هذه الشبكة لغرض الانضمام إلى تنظيم “الدولة” وتنظيمات “جهادية” في سوريا. ذكرت التقاريربان هناك أكثر من 600بريطاني يقاتل الى جانب تنظيم داعش ويضاف لهم 300عادوا الى بريطانيا بعد القتال بينهم خمسين أمرأة. ويقول الباحث “لورينزو فيدينو” بأن الأجواء البريطانية المتساهلةمع المتأسلميين ومنحهم حق اللجوء أسهمت في تثبيت “الجهاديين” في منطقة الشرق الأوسط .

 وفي بريطانيا، عل ىمدى العقود الأخيرة، الأمر الذي جعلهم يشكلون مجموعات لجمع الأموال ونشر المؤلفات، وتنظيم الفعاليات والضغط والقيام بمجموعة واسعة من الأنشطة التي تتعارض مع وجودهم في بريطانيا.  وهذا مايوجه اصابع الفشل الى الاستخبارات البريطانية : يجب ان تستشعر الاستخبارات بالعمليات قبل وقوعها، وان تتخذ اجراءات تعرضية و وقائية استباقية قبل حدوث مثل هذه العمليات، وذلك من خلال ماموجود لديها من قوائم المطلوبين على قائمة الارهاب او السجل الجنائي.
 
التقارير الاستخباراتية كشفت تورط الاستخبارات البريطانية بدعم جماعات متطرفة في مناطق النزاع ابرزها  ليبيا ولاغراض سياسية. وقد اعترفت بريطانيا بذلك بعد التسريبات وهذا ممكن ان ينعكس على وضعها الامني.

تقارير الاستخبارات البريطانية ذكرت ايضا بانها تراقب عن كثب 3000 عنصر خطر ضمن فرضية الارهاب الاسلاموي، بينما تقارير اخرى ذهبت الى ابعد من ذلك ليصل العدد الى اكثر من 7000 متطرف اسلاموي داخل بريطانيا. ان مراقبة شخص واحد يحتاج على الاقل 25 فردا من عناصر الاستخبارات، وهذا يعني ان الاستخبارات البريطانية، في هذه الحالة لا تستطيع ان تراقب جميع العناصر الخطرة، وهذا مايدفع بريطانيا الى تعزيز ميزانية الامن ومصادره البشرية، في ظل التهديدات القائمة وبعد خروجها من الاتحاد الاوروبي.
ان التهديدات الامنية الى بريطانية في الغالب هي تهديدات داخلية، التقارير كشفت بان مايقارب 75% من العمليات الارهابية التي تم تنفيذها في بريطانيا، كانت من الداخل، يجدر ان تنظيم داعش، سرح اعداد كبيرة من المقاتلين الاجانب من سوريا والعراق بعد تعهدهم بتنفيذ عمليات ارهابية في اوطانهم ، اوربا.

ورغم ان بريطانيا اعادت بعض من سياساتها واصدرت قوانين جديدة منذ عام 2015، تمنح صلاحيات اوسع الى اجهزتها الاستخبارية، بالقيام باجراءات تعرضية ضد المشتبه بهم، فأن بريطانيا، مازالت لم تصل الى حد مواجهة الجماعات المتطرفة على اراضيها، وهذا يعني انها تحتاج الى  اعادة سياساتها الداخلية تجاه منابع التطرف على اراضيها، قبل تعزيز قدراتها في مجال الامن والاستخبارات ومواجهة التطرف والسلوك العنيف مجتمعيا، من خلال المناهج والتوعية والمنصات الاعلامية والتربوية والاجتماعية.

*باحث في قضايا الإرهاب والإستخبارات*

ربما يعجبك أيضا