هل أصبحت تركيا في حكم الغائب داخل حلف الناتو ؟

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد
 
تصاعدت حدة التصريحات بين ألمانيا إلى جانبها بعض الدول الأوروبية مع تصريحات أردوغان، والتي تكشف عن حجم الخلافات بين البلدين، والتي صلت إلى حد عزم ألمانيا نقل قواتها من قاعدة إنجرليك التركية! وهذا ما يطرح سؤال حول فاعلية حكومة أردوغان داخل الناتو وعن استمراريتها، وهل أصبحت تركيا في حكم الحاضر الغائب داخل الناتو؟
 
سبق أن رفضت بعض دول حلف (الناتو) ألمانيا وفرنسا وهولندا والدنمرك وكندا ودول أخرى عرضا من الرئيس التركي أردوغان بعقد قمة الحلف العام المقبل في تركيا، حسبما ذكرت صحيفة “دي فيلت” الألمانية الصادرة يوم 31 مايو 2017. وفي هذا السياق، تتوقع الكتلة البرلمانية للاتحاد المسيحي بزعامة المستشارة أنغيلا ميركل، المسيحي الديمقراطي في البرلمان الألماني “بوندستاغ” اتخاذ قرار بشأن سحب الجنود الألمان من قاعدة “إنجرليك” الجوية بتركيا خلال فترة قصيرة جدا. ومن المقرر أن يتخذ وزراء دفاع الدول الأعضاء في الناتو قرارهم النهائي حول مكان عقد القمة القادمة نهاية شهر يونيو 2017.
 
يذكر أن أنقرة رفضت زيارة وفد من لجنة الدفاع بالبرلمان الألماني لجنود الجيش الألماني المتمركزين في القاعدة التابعة لحلف شمال الأطلسي “ناتو”؛ لأن الحكومة الاتحادية منحت حق اللجوء لجنود أتراك سابقين، تتهمهم الحكومة في أنقرة بالتورط في محاولة الانقلاب العسكري بتركيا في شهر يوليو 2016. وقال وزير الخارجية الألماني زيغمار غابريل -يوم 5 يونيو 2017- إن ألمانيا ليس أمامها خيار سوى البدء في سحب قواتها من قاعدة إنجرليك التركية بعد إصرار أنقرة على منع أي مشرع ألماني بزيارة القوات الألمانية المتمركزة هناك.
 
كشفت الصحافة الألمانية أن عدد الأشخاص الذين يحملون الجنسية الألمانية والمودعين في السجون التركية يبلغ 44 شخصا، جاء ذلك في رد من الحكومة الألمانية على سؤال من أوزكان موتلو النائب في البرلمان الألماني عن حزب الخضر المعارض. يشار إلى أن هؤلاء الأشخاص يتراوحون بين من يحمل الجنسية الألمانية وحدها ومن يحمل الجنسية التركية إلى جانب الألمانية. وتعود هذه الأرقام إلى شهر مايو 2017، وتشمل حالات الاحتجاز من قبل الشرطة والحبس الاحتياطي والاعتقالات والمدانين.

سحب القوات الألمانية من قاعدة “إنجرليك” التركية
 
مهد مجلس الوزراء الألماني  في السابع من يونيو 2017 الطريق لسحب القوات الألمانية من قاعدة “إنجرليك” التركية، ووافق دون إجراء مشاورات على خطة وزيرة الدفاع الألمانية أورزولا فون دير لاين لنقل الجنود إلى الأردن. وكانت فون دير لاين قد شرحت في تصريحات لشبكة “إيه آر دي” الألمانية الإعلامية خطة تهدف إلى نقل القوات الألمانية إلى قاعدة “الأزرق” الجوية الأردنية، مستبعدة تماما قاعدة “قونية” التركية التابعة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) كبديل، وذلك لأسباب “تقنية”، موضحة أنها اقترحت قاعدة “الأزرق” في الأردن. 
 
وكان الرئيس التركي أردوغان قد وصف ممارسات الحكومة الألمانية بأنها تشبه الممارسات النازية، وذلك على خلفية منع مشاركة وزراء أتراك في فعاليات ترويجية في ألمانيا لدعوة الأتراك المقيمين هناك للتصويت لصالح التعديلات الدستورية.
المانيا وتركيا علاقات معقدة

زاد مشهد العلاقات التركية الألمانية، تعقيدا في أعقاب كشف تقرير الاستخبارات الألمانية منتصف شهر أوغست 2016، يقول فيه: “تركيا أصبحت مركزا للجماعات الإسلامية المتشددة” وأن أردوغان لديه “تقارب فكري” مع حماس في غزة وجماعة (الإخوان المسلمين) المحظورة في مصر وجماعات المعارضة الإسلاموية المسلحة في سوريا، وفقا للشبكة التلفزيونية الألمانية (إيه.آر.دي).

يذكر ان التقرير كان سريا وتم إعداده بتفويض من وزارة الداخلية بناء على طلب برلماني من حزب اليسار المعارض. وعن التقييم الحساس الذي صدر من وزارة الداخلية الألمانية بأن تركيا تعد “منصة عمل مركزية” لإسلاميين.

يبدو أن المستشارة الألمانية ميركل والرئييس الفرنسي ماكرون، يريدان التوصل لتوافق مع روسيا ويغازلان نوعاً ما الصين. بما أن الأمريكيين لا يرغبون بمنح الأوروبيين دوراً في سوريا، سيبحث الأوروبيون عن دور لهم عبر الروس. وهذه الجهود ربما تكون قريبة من المبادرة الصينية، “الحزام والطريق”، التي تستهدف دول المنطقة وأوروبا ، بعيداً عن الولايات المتحدة ستجد أوروبا مكاناً لها لتكون بين الأقطاب الأربعة الكبرى: الصين وروسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وسيكون هذا في صالح روسيا والصين على حساب الولايات المتحدة.
 
شهدت العلاقات الالمانية التركية الكثير من التجاذبات في اعقاب الحرب في سوريا عام 2011، وربما كانت الحرب السورية وتداعيات المقاتلين الاجانب على امن المانيا واوروبا، نقطة تحول في العلاقات مابين البلدين، جعل المانيا تحتاج الى التعاون الاستخباراتي مع تركيا. وتصاعدت هذه العلاقة في اعقاب موجات اللاجئين والمهاجرين غير الشرعين التي ضربت اوروبا عام 2015 و 2016. هذه العلاقة ربما جعل المانيا ودول اوروبية بحاجة الى التعاون التركي لوقف موجات تدفق اللاجئين والمهاجرين ومتابعة المقاتلين الاجانب مابين سوريا واوروبا عبر الاراضي التركية.

تشهد العلاقات الالمانية التركية تدهورا سريعا، على مستوى سياسي واستخباراتي وحتى في مجال الدفاع داخل الناتو، سبق الى المانيا ان سحبت بطاريات باتريوت من تركيا عام 2015، والان تنظر بسحب طائرات الاستطلاع من قاعدة انجرليك، الى جانب اتهام الاستخبارات الالمانية تركيا، بانها منصة للجماعات الارهابية. مقابل ذلك منعت الحكومة التركية قيام اعضاء بالبرلمان الالماني لزيارة جنود المان في قاعدة انجرليك التركية، خلال شهر يوليو 2016، في اعقاب ادانة المانيا الى تركيا حول مجزرة ابادة الارمن. يذكر أنّ الحزب الديمقراطي الاشتراكي، الشريك الأصغر في الحكومة الائتلافية بزعامة المستشارة أنجيلا ميركل، يصرّ على سحب ألمانيا طائراتها وقواتها من القاعدة.
 
ان سحب المانيا قواتها من قاعدة انجرليك الى الاردن ، ممكن ان تشجع دول اخرى لاتخاذ ذات القرار بنقل قواتهم، الى دول اخرى. ماتشهده تركيا من انشطة وسياسات تتعارض من سياسات الناتو، ولا تخدمها ابدا، وهذا مايثير التسائولات حول مدى جدية بقاء انقرة داخل الناتو، بل حتى احتمالات خروجها من الناتو.
 
 *باحث في قضايا الارهاب والاستخبارات*

ربما يعجبك أيضا