محاكمة “باركليز”.. فضيحة جديدة لـ”القوة الضاربة” بالدوحة

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

وجهت المحكمة العليا في لندن اليوم الاثنين، تهما جنائية لأربعة من المسؤوليين السابقين في بنك “باركليز” البريطاني، خططوا لصفقة مشبوهة مع قطر في ذروة الأزمة العالمية التي دفعت الحكومة البريطانية في 2008 لوضع خطة لإنقاذ المصارف من الإفلاس عقب  سقوط “ليمان براذرز” في الولايات المتحدة، محدثا ما يشبه توسنامي في الوسط المالي العالمي.

المحكمة وبناء على تحقيقات أجراها مكتب مكافحة جرائم الاحتيال البريطاني توجه تهما بالتآمر والاحتيال لأربعة مسؤولين كانوا بمواقع حساسة في “باركليز” بالعام 2008 وهم رئيس البنك السابق جون فارلي، رئيس إدارة الثروات السابق توماس كالاريس، المدير المشارك للتمويل الدولي السابق ريتشارد بوث ورئيس قسم الشرق الأوسط بالبنك روجر جنكينز، وبالطبع اسم رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم آل ثاني كان حاضرا بقوة في قرار الاتهام، إذ تتعلق القضية بصفقة للبنك مع قطر القابضة وتشالنجر المملوكة للرجل صاحب النفوذ المالي والسياسي والذي كان ينظر إليه في بداية عهد تميم باعتباره مصدر تهديد، لذا تم تحيده عن عالم السياسة.

ويبدو أن السحر قد انقلب على الساحر، إذ طلبت الأسرة الحاكمة بالدوحة أخيرا من ابن جاسم بصفته صاحب الخبرة لعب دور محامي الدفاع على شاشات الفضائيات الأمريكية والصفحات الأولى للجرائد والمجلات لمواجهة قرار المقاطعة الذي أعلنته مجموعة من الدول الخليجية تتقدمها السعودية والبحرين والإمارات بالإضافة إلى مصر في مطلب يونيو الماضي، وبعيدا عن أن هذه العودة للشيخ جاسم تعلن بوضوح هزيمة فريق تميم في إدارة شؤون الدولة، فيمكنا القول أن دخول باركليز قفص الاتهام في هذا التوقيت ليس في صالح الدوحة التي تأمل في أن يكون مع حمد مفتاح الحل لأزمتها باعتباره الأكثر خبرة بملف العلاقات مع دول الجوار.

فصول القضية

 في أكتوبر 2008 كان فارلي جالسا بمكتبه بمقر باركليز في كاناري وارف في لندن، يفكر في طريقة لزيادة رأس مال المصرف بنسبة 8% “13 مليار جنيه استرليني” خلال أشهر قليلة للهروب من خطة الإنقاذ الحكومية والتي  كان من شأنها أن تأتي مع فرض قيود على المكافآت المدفوعة لكبار التنفيذيين بـ”باكليز”، والضغط من أجل تقليص المصرف لأعماله الاستثمارية، كما أن هذه الخطة كانت ستقوض استراتيجية البنك لاغتنام الأزمة لدفع نفسه إلى الطبقة العليا من المصارف الاستثمارية عن طريق شراء أعمال ليمان براذرز الأمريكية وإنقاذها من الإفلاس.

فريق فارلي وقتها وبحسب تقرير لـ”فايننشال تايمز”  توجه إلى قطر وتحديدا لـ “حمد بن جاسم” مالك “قطر القابضة” في مهمة لإقناعه للمرة الثانية بشراء أسهم بأكثر من 7 مليارات جنيه استرلينى والاحتفاظ بها لفترة ما ثم معاودة بيعها مرة أخرى لتحقيق مكاسب للطرفين، بالنسبة للبنك الهروب من خطة الإنقاذ الحكومية وتبعاتها وبالنسبة للرجل الذي كان بمثابة الذراع المسلحة لأمير قطر وقتها والقوة الضاربة كما وصفه الكتاب الفرنسي الشهير “قطر.. خزينة الأسرار”، كانت تعد هذه الصفقة فرصة للسيطرة بشكل قوى على أحد أشهر البنوك الاستثمارية بلندن.

وبالفعل في 2009 أعلنت “قطر القابضة” عن بيع نحو نصف السندات التي تمتلكها في مصرف “باركليز” بمكاسب بلغت 1.23 مليار دولار، لكنها احتفظت بمكانته كأكبر حامل أسهم في البنك البريطاني، وكانت هذه الخطوة على ما يبدو هي دليل الإثبات الذي بنت عليه مجموعة “بى سى بى كابيتال بارتنرز”، اتهامها لـ”باركليز” أمام المحكمة في أولى جلساتها بداية سبتمبر الماضى، بتمويل صفقة الشراء القطرية بالكامل بقيمة 3 مليارات جنيه استرلينى دون الإفصاح عن ذلك، ما يعد بمثابة فساد مالى، فالصفقة بأكملها ممولة من البنك نفسه لشراء أسهمه دون الإفصاح للمستثمرين أو لسوق المال.

وإن صحت إتهامات مجموعة” بي سي بي” وتحقيقات مكتب مكافحة جرائم الاحتيال فسيكون الأمير القطري أيضا في قفص الاتهام ، وكيف لا هذه الاتهامات تقول أن البنك قام بتمويل الصفقة لصالح قطر القابضة وليس العكس، ما يعني تمرير عمولات من تحت الطاولة أو دخول أموال إلى خزينة الذراع الاستثماري القطري دون وجه حق، إذ تحدثت تقارير إعلامية عن عمولات حصل عليها مستثمرون قطريون وصلت إلى 322 مليون جنيه إسترليني تحت بند استشارات، في مقابل تسهيل صفقة القرض القطري.

وما يكسب القضية زخما، مشاركة مجموعة من مستثمري باركليز في الدعوى الجنائية، إذ يطالبون  بتعويض قيمته تتجاوز المليار دولار عن صفقة قطر المشبوهة، كما يطالب المدعون باركليز بتحمل الفائدة على التعويض لتلك السنوات أيضا.

المأزق القطري

القضية التي تفتح النار على الأمير حمد بن جاسم بعد نحو عشرة أعوام على أحداثها، جاءت في توقيت سيء للغاية للرجل الذي تعول عليه الدوحة لإحداث خرق إيجابي على خط أزمة المقاطعة الخليجية، فهي تضرب مصدقيته الرجل في العمق أمام وسائل الإعلام التي أخد يتحدث إليها يمينا ويسارا منذ أن طُلب منه أن يلعب دور محامي الدفاع عن الأسرة الحاكمة.

فمنذ أيام ظهر حمد بن جاسم عبر شاشة “سي أن أن”، مغازلا للإدارة الأمريكية وللمملكة العربية السعودية، قائلا أعرف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وأريد أن أوجه له رسالة: سيدي الرئيس أرجو أن تنظر إلى هذه الأزمة بعين محايدة باعتبار أن قطر كانت وستظل حليفة للولايات المتحدة…وأناشد كل الأشقاء والسعودية من بينهم، أن ينظروا إلى قطر باعتبارها الأخ الأصغر كدولة صغيرة، لكنها تتمتع بنفس درجة الاستقلالية.
 
لكن تورط الأمير القطري في فضيحة باركليز سيحد من قدرته على لعب دور الوسيط أو حتى المدافع في الأزمة القطرية الراهنة، لاسيما وإن خلصت محاكمة رؤساء باركليز إلى إثبات تهمة الاحتيال والتآمر عليهم، فهذا سيعني مباشرة أن مكتب التحقيق في جرائم الاحتيال يملك أدلة قوية على التورط القطري في تلقي رشاوى وعمولات من إدارة البنك في أتون الأزمة العالمية، لإعادة استثمارها فيه مرة أخرى ضمن مغامرة غير محسوبة دخلتها قطر القابضة، كما دخلت الدولة القطرية بعد الأمير الوالد في العديد من المغامرات غير المحسوبة شمالا وجنوبا.

وبالنسبة لمكانة باركليز وسمعته في الوسط المصرفي، فهذه القضية ستضاف إلى سجل حافل من القضايا التي تورط فيها اسمه، ولعل أبرزها قضية التلاعب بأسعار الفائدة في 2012، والتي كلفت إدارة البنك غرامة قياسية بقيمة 450 مليون دولار، وفي 2014 تم تغريمه بمبلغ قدره 38 مليون جنيه استرليني لتعريضه أصول للعملاء بقيمة 16.5 مليار جنيه “للخطر” في الفترة من نوفمبر 2007 وحتى يناير 2012.

 لكن في عالم المال كل هذه الاتهامات ستتبخر سريعا أمام الأرباح التي سيحققها ثاني أكبر مصرف في بريطانيا، وقدرته على المحافظة على أسعار الأسهم في أسواق المال، عبر خطط بديلة يلجأ إليها من وقت لأخر لمعالجة الأثار الجانبية لهذه الفضائح، أما في عالم السياسة فالتاريخ لا يرحم ولا ينسى سقطات أولئك الذين يجيدون اللعب بين الزوايا اللامتقابلة في لعبة السياسة والمال.

ربما يعجبك أيضا