نفثة الشيطان.. إما إن يعترفوا أو نموت نحن !

كتبت – علياء عصام الدين

قد تبدو للوهلة الأولى قصة خيالية أو مقالًا أدبيًا بيد أنها حقيقة واقعة، تخيل نفسك تقوم بتسليم كل ما تملك بمحض إرادتك وبطاعة كاملة لرجل مافيا، قام بتوقيفك بعد أن نفخ في وجهك مرة واحدة.

أو تخيل نفسك تسير ببطء دون أن تشعر بهذا القدر من الألم الذي يعايشه المتيقظون ويكابدونه يوميًا لا تدرك إلى أين المنتهى.

تصور أن أحدًا من المسؤولين قرر فجأة أن يكاشفنا برصيده في البنك، أو يفتح لنا قلبه ويعترف بملفات الفساد المكدسة في درج مكتبه في الوزارة.

قد يبدو هذا ضربًا من خيال إلى أن طالعنا مقال حول تلك الشجرة الجميلة ذات الورد الأبيض أحيانًا والأصفر أحيانًا أخرى، والتي تحوي مادة بيضاء قادرة على أن تغيبك تمامًا وتسقطك في هلوسات بنشوة قصوى وسرور تام وطاعة عمياء.
نبتة السكوبولامين أو ”نفثة الشيطان”، أحد أشد المخدرات فتكًا وخطورة في العالم، والتي تُحوّل الضحية في دقائق إلى طفل مطيع مسلوب الإرداة يلبي كل الأوامر الموجهة إليه.

يستخدم المصل لاستحضار الكوابيس، ولكن عند استخلاصه إلى مسحوق يكون تأثيره أكبر حيث إن المجرمين يذيبون المسحوق في سائل أو يضعوه في المشروبات أو يدسوه في الطعام وبذلك يصبح الضحايا سريعي الانقياد.

حظيت “نفثة الشيطان” باهتمام قطاعين من المجتمع أولهم الأطباء الذين يستخدمونه في علاج المصابين بالرعاش، وفي بعض الأبحاث الخاصة بمرض الزهايمر، وثانيهم رجال المافيا للحصول على المال دون أدنى إزعاج من الضحية، فالمخدر كفيل بتحويل الضحية إلى طفل مطيع يسهل سلبه.

وعادة يقوم المجرمون بسلب الضحايا بطاقاتهم الائتمانية وتصفية حساباتهم المصرفية، أو اصطحابهم إلى بيوتهم بهدوء، وسلب كل ما يملكون، ذاكرة الضحية تتوقف عقب استنشاق المخدر بدقائق حيث يتسرب تحت الجلد وينتشر مفعوله ليتحول الضحية إلى ما يشبه “الزومبي” “السائرون نيامًا”  في الأفلام الأمريكية.

والسكوبولامين مستخرج من شجرة “البوراكيرا” المنتشرة في أمريكا الجنوبية وشوارع كولومبيا، وهي نبتة لا طعم لها ولا رائحة، ويؤدي السائل المستخلص منها إلى خلل كبير في أداء الناقل العصبي ما يسفر عن خلل في وظائف المخ.

والشجرة ذات زهور جميلة منتشرة منذ القدم، استخدمتها أجهزة المخابرات أيام الحرب الباردة لأغراض الاستجواب كمصل للحقيقة، كما تم استخدامها  في الطقوس القديمة، حيث كانت تعطى لزوجات وعشيقات الزعماء الراحلين لدفنهن وهن أحياء.

وتتنوع القصص، التي لا حصر لها، عن كيفية استخدام المجرمين في كولومبيا والإكوادور للمخدر ضد ضحاياهم، وتتعدد ضحايا الحوادث السنوية نتيجة استخدام مخدر “نفس الشيطان” .

وحسب التقارير، فقد تم استخدام المخدرات على “عشرات” من الضحايا في باريس، وتم اعتقال ثلاثة أشخاص منهم امرأة قامت باستدراج الضحايا وشجعتهم على استخدام المخدر وساقتهم إلى منزلهم وجردتهم من المال والمجوهرات.

ظهر مصطلح مصل الحقيقة  لأول مرة عام 1992 في وقامت وكالة الاستخبارات الأمريكية باستخدامه على بعض المجرمين لاستجوابهم بيد أن أثاره الجانبية كالهلوسة والنعاس وخفقان القلب دفعتهم لاستبعاده حيث أن المصل أصبح يصرف انتباه الشخص عن الموضوع المحوري للاستجواب. 

بيد أن “نفثة الشيطان” تشل القدرة تمامًا على التفكير أو حتى الكذب فهي توقف أي نشاط ذهني بالتالي فأنت أمام طفل صغير برئ على استعداد أن يخبرك أنه قتل صديقه لأنه رمقه بنظره لم تعجبه!

إن القليل من زهور “السكوبلامين” قادرة على استدراج أولئك المتورطين في قضايا الفساد، إنها مصل للحقيقة يمكن الاستفادة منه بشكل إيجابي في التحقيقات الاستخباراتية أو يمكن تعاطيه كقبلة موت رحيم لكل المظلومين على وجه الأرض حتى يتخلصوا من بؤس الحياة، فإما أن يعترفوا أو نموت نحن.

ربما يعجبك أيضا