هل تلجأ قطر لفك الارتباط مع الدولار لإنقاذ عملتها؟

حسام عيد – محلل اقتصادي

تحت وطأة العزلة المطبقة التي فرضتها الدول الأربعة الداعية لمكافحة الإرهاب على قطر، يعاني الريال القطري من تراجعات سريعة وغير مسبوقة في قيمته مقابل الدولار الأمريكي، حيث تهاوى سعره بنسبة 4% إلى 3.7838 ريال ليكسر حاجز الارتباط “3.64 للدولار”.

كما رفض عدد كبير من البنوك العالمية وشركات الصرافة خاصة في بريطانيا شراءه، الأمر الذي أثار احتمالات لجوء الدوحة إلى خيار فك الارتباط بين الريال ودولار.

تكاليف استمرار الارتباط

بدأت الضغوط على العملة القطرية إثر مقاطعة الدول الأربعة الداعية لمكافحة الإرهاب، التي هزت ثقة القطاع المالي العالمي والمستثمرين الأجانب بقطر، ومع اشتداد الضغوط البيعية على الريال وانسحاب الودائع الأجنبية من البنوك، اضطر البنك المركزي للتدخل بائعاً للدولار.

وسجلت الودائع الأجنبية لدى البنوك القطرية تراجعًا تاريخيًا بنسبة 58.7% مقارنة بشهر مايو الماضي.

وبلغت ودائع العملاء الأجانب في البنوك القطرية في يونيو الماضي 58.184 مليار ریال قطرى، مقابل 170 مليار ریال قطرى في مايو الماضي، ما يعنى تراجعًا شهريًا حجمه 14 مليار ریال قطري.

وتشير التقديرات إلى أن استمرار ربط الريال القطري بالدولار يتطلب بقاء الاحتياطيات أكبر من حجم الكتلة النقدية البالغ 17 مليار دولار، ما يعني أن سعر صرف العملة القطرية بات مهدداً بشكل جدي، بعد أن بات هامش المناورة ضيقاً للغاية لدى البنك المركزي.

وسجلت الاحتياطيات الأجنبية لدى مصرف قطر المركزي انخفاضاً غير مسبوق بنحو 10.5 مليارات دولار في يونيو الماضي، وبما يعادل 30%، لتصل إلى أدنى مستوى في خمسة أعوام على الأقل.

وبذلك يتبقى لقطر 24 مليار دولار من الاحتياطيات النقدية الأجنبية لدى مصرف قطر المركزي، بعد شهرٍ عاصف بدد خلاله البنك المركزي 10.5 مليارات دولار.

وازداد الوضع سوءًا مع توقف العديد من البنوك العالمية عن التعامل بالعملة القطرية.

وتبدو الخيارات كلها صعبة، وربما يكون أقربها اللجوء إلى جهاز قطر للاستثمار، واستخدام أصوله السائلة وتسييل ما يمكن تسييله سريعاً للدفاع عن العملة، لكن هذا الخيار مكلف وغير مضمون النتائج.

فأصول جهاز قطر للاستثمار تقدر بـ300 مليار دولار، وتشمل أسهمًا محلية بما يراوح بين 50 و75 مليار دولار، وهي حيازات صعبة التسييل، ما يعني أن الأصول الأجنبية لدى الصندوق لا تزيد على 225 مليار دولار، وليس واضحاً مقدار الأصول السائلة منها، فالعديد من أصول الصندوق تعد استثمارات قد تحتاج إلى سنوات لضمان بيعها بسعر مُجدٍ.

مخاطر فك الارتباط

مع تفاقم التداعيات السلبية على الاقتصاد القطري جراء المقاطعة، ستضطر الدوحة إلى دعم خيار فك الارتباط بين الريال والدولار، لوقف استنزاف الاحتياطيات الأجنبية، لكن آثاره ستكون كبيرة على الثقة بالاستقرار النقدي.

في الوقت الراهن، تعرض الريال القطري للضغوط في الأسواق الآجلة مع تزايد التكهنات المتعلقة بأن المقاطعة المالية الكلية من دول الجوار لقطر قد تؤدي إلى رحيل التدفقات المالية وتشديد ظروف الائتمان وإجبار القطريين على التخلي عن ربط الريال القطري بالدولار.

المخاطر محدودة على المدى القريب بحكم أن قطر قادرة على تصدير الغاز والبترول، وهذا هو العمود الفقري، لكنها على المدى البعيد ستواجه مشكلة كبيرة في ثقة المستثمر بالاقتصاد القطري، فكلما طالت الأزمة ضعفت ثقة المستثمر الأجنبي الذي بات يفكر كثيرا قبل الدخول إلى قطر أو يعيد حساباته قبل ضخ المزيد من الاستثمارات.

وخفضت وكالة “كابيتال انتليجينس” العالمية للتصنيف نظرتها المستقبلية من حيث ودائع العملة الأجنبية طويلة الأجل لبنك الدوحة إلى سلبية، علماً بأن تصنيف قوته المالية يقع في الفئة A.

وخفضت الوكالة العالمية أيضاً توقعاتها المستقبلية للبنك التجاري (بنك قطر التجاري سابقاً) من حيث الودائع بالعملة الأجنبية طويلة الأجل إلى سلبية، فيما يظل تصنيفه من حيث القوة المالية على الفئة BBB+.

وطال التخفيض أيضاً بنك الأهلي ضمن توقعات الوكالة المستقبلية من حيث الودائع بالعملة الأجنبية طويلة الأجل إلى “سلبية” مع بقاء تصنيف القوة المالية للبنك عند الفئة “A-“.

تعديل السياسة النقدية

– بوسع قطر الاستفادة من الإجراءات التي اعتمدتها البنوك المركزية في أنحاء العالم للتعامل مع خروج رؤوس الأموال مثل تعزيز القواعد الاحترازية وضمان ودائع العملاء إلى حد معين.

– بإمكان الحكومة القطرية زيادة ودائعها لدى البنوك المحلية لتدارك آية أزمات تطرأ في القطاع المصرفي.

– عدم مسايرة السياسة النقدية الأمريكية مثلما حدث في عام 2008، حيث رفضت قطر عدم مسايرة سلسلة غير مسبوقة من تخفيضات الفائدة الأمريكية وصلت بسعر الفائدة الرئيسي إلى مستوى قريب من الصفر، وأبقت على سعر الإيداع الخاص بها عند مستوى أعلى بكثير بلغ 2% لأكثر من عامين مما ساعد على استقرار سوق النقد واحتواء تضخم مرتفع إلى خانة العشرات.

ربط الريال القطري بالدولار في السوق المحلية سيبقى قائما، لكن المأزق الحقيقي سيكون أمام المصارف، التي تواجه متطلبات كبيرة لتمويل مشاريع كأس العالم 2022، خصوصا أن نحو 25% من أصحاب الودائع لديها هم من غير المقيمين.

كما أن الالتزامات الخارجية المصارف القطرية والبالغة 50 مليار دولار تعد ضئيلة للغاية مقارنة باحتياطيات البنك المركزي، وقد تحتاج إلى مزيد من المساعدة إذا تفاقمت الأزمة.

ربما يعجبك أيضا