“اليمين المتطرف”.. كابوس يطارد الحلم الأمريكي

محمود سعيد

رؤية – محمود سعيد

زادت حدة اليمين المتطرف في الولايات المتحدة الأمريكية مجددا، وقد جاء انتخاب الرئيس دونالد ترامب حافزا لهذه الفئة المتطرفة للتمدد، خصوصا أن “ترامب” كان مرشحها في الانتخابات.

ترامب نفسه جاهر بأفكار عنصرية رفضها المثقفون والمتنورون في أمريكا والعالم منذ الوهلة الأولى، ولكن تلك الفئة الشعبوية العنصرية التي جاءت بترامب ظنت أن الأمور قد دانت لها، وبدأت تكشر عن أنيابها وأحقادها التاريخية على الملونين والمسلمين وغيرهم من المختلفين عنهم.  

ورغم أن الشعبوية و”اليمين المتطرف” تلقوا هزائم فادحة في عدة دولة أوروبية كفرنسا، أعادتهم إلى حجمهم الطبيعي، إلا أن الوضع في أمريكا كان مختلفا، خصوصا مع التصريحات العنصرية للرئيس الأمريكي الحالي الذي جاء به اليمين المتطرف إلى سدة الرئاسة.

ويبدو أن العنصرية لا تزال ضاربة جذورها في أمريكا، رغم مرور أكثر من 150 عاماً على قانون “تحرير العبيد” الذي أعلنه الرئيس الأمريكي الأسبق “أبراهام لينكولن”، وأكثر من خمسين عاماً على الحركة الاحتجاجية الشهيرة التي قادها القس الأسود “مارتن لوثر كينغ” ضد التفرقة العنصرية.

اليمين المتطرف

اليمين المتطرف مصطلح سياسي يطلق على التيارات والأحزاب السياسية لوصف موقعها ضمن محيطها السياسي ويطلق المراقبون السياسيون هذا المصطلح على الكتل الأحزاب السياسية التي لا يمكن اعتبارها من ضمن جماعات اليمين السياسية التقليدية التي تدعو إلى حماية التقاليد والأعراف داخل المجتمع ويكمن الاختلاف الوحيد بين جماعات اليمين التقليدية أو المعتدلة وبين المتطرفة أن الأخيرة تدعو إلى التدخل القسري واستخدام العنف واستعمال السلاح لفرض التقاليد والقيم ولذلك عادة ما ترفض تلك التيارات هذا النعت لأنها تزعم أنها تمثل الاتجاه العام وتنقل صوت الأغلبية.

“ديفيد بيلينغز” مؤرخ الحركات العنصرية في الولايات المتحدة قال إن “الخطاب العنصري الأبيض بات متفلتا من كل قيد وإن مصدره هو شعور البيض الخاطئ بأنهم باتوا مهمّشين”، وقد اعتبر أيضا أن مقولات التفوّق العنصري للبيض رافقت تأسيس الولايات المتحدة.

صعود التيار

صعود تيار اليمين المتطرف في الدول الغربية عموما وأمريكا خصوصا يعود بالسلب على الجاليات المسلمة، فاليمين المتطرف ترتفع أسهمه في الغرب عبر ترويج خطاب معادٍ للإسلام والمسلمين، وهو يسعى لاستغلال تلك النقطة بالذات للوصول إلى سدة الحكم.
وأوضح مرصد الإسلاموفوبيا أن انتشار ظاهرة العداء للإسلام والمسلمين في الدول الغربية، والتأييد الواسع لليمين المتطرف يعود إلى الرغبة الجامحة لدى الرأي العام الغربي في تغيير الأوضاع الراهنة واحتجاج الغربيين على السياسات السابقة والأحزاب التقليدية التي تسببت في الأزمات الاقتصادية والسياسة، كل هذه الأمور تدفع شعوب تلك الدول إلى تأييد التيار اليميني المتطرف الذي ربما يحقق التغيير المنشود علي حد زعمهم.

وأكد المرصد أن ظاهرة صعود اليمين المتطرف ربما استحوذت على الساحة السياسية مؤثرة على التوجه العام للشارع خاصة في أوروبا والولايات المتحدة، ما أدى إلى وجود اعتداءات كثيرة على المسلمين والمساجد وانتشارها على نطاق واسع.

“الأسد” أيقونة للمتطرفين

المفارقة أن بشار الأسد، أصبح “أيقونة” لليمين المتطرف في أمريكا، وذلك بعد الإشادة به في احتجاجات حديثة لليمين المتطرف وظهور صورة له على الصفحة الشخصية على “فيس بوك” لجيمس فيلدز السائق الذي دهس متظاهرًا في احتجاجات “شارلوتسفيل” السبت الماضي.

فسقوط آلاف الضحايا المدنيين نتاج أساليب الأسد القاسية عززت مكانته، ففي فيديو نشر على “تويتر” أشاد 3 رجال شاركوا في احتجاجات “شارلوتسفيل” باستخدام الأسد البراميل المتفجرة لقهر المجتمعات التي انقلبت ضده، وارتدى أحدهم قميصًا يقول “شركة بشار لتوزيع البراميل”، حتى “ديفيد دوك: القائد السابق لحركة “كو كلوكس كلان”، التي أثنى فيها على بشار الأسد وجرائمه، واصفًا إياه بأنه “قائد مذهل”، وأنه “يجب أن يكون الرئيس الأسد حليفنا الوثيق”.

تقول صحيفة الـ”واشنطن بوست” إن “علاقة الحب” بين اليمين المتطرف والأسد متوقعة تمامًا، فحزب البعث الخاص بالأسد قومي بشدة ومتمحور عرقيًا، كما أن الحزب السوري القومي الاجتماعي هو واحد من الأحزاب السياسية القليلة المسموح بها كما أنه من أشد داعميه في الحرب، والذي يستلهم شعاره من شعار النازية أي الصليب المعقوف النازي.

ترامب في دائرة الاتهام

وقد هاجمت الصحف الغربية “سياسات ترامب” وأكدت أن “ترامب يوقظ أشباح أمريكا العنصرية” وقد اعتبرت أن “اليمين المتطرف الذي دعمه خلال الانتخابات أصبح عالة عليه”، كما سلطت الضوء على “علاقات ترامب الخطرة” وأشارت بالأخص إلى التأييد الذي يحظى به من قبل “ديفيد ديوك” الزعيم السابق ل “كو كلاكس كلان”.

صحيفة “لاكروا” أشارت إلى أن “المجموعات المتطرفة نهضت بعد سبات عميق خلال فترة رئاسة باراك أوباما أول رئيس أسود للبلاد، وقد شهدت هذه الحقبة أيضا” أشارت “لاكروا”، “ازدياد أعداد الأمريكيين من أصول أجنبية والتدهور الديمغرافي للبيض.. أما دونالد ترامب فقد روج لطروحات اليمين البديل “الت رايت” المناهضة للهجرة” تضيف “لاكروا” حتى إنه “أحاط نفسه بممثلين عن هذه الحركة أمثال “ستيف بانون” الذي عين مستشارا للبيت الأبيض”.

كما “أن ترامب تبادل، خلال حملته الانتخابية، رسائل حقد وكراهية على موقع تويتر للتواصل الاجتماعي مع العنصريين البيض من بينهم ريتشارد سبينسر الذي رحب بفوزه بالانتخابات قائلا “هيل ترامب”.

الأستاذ المتخصّص باليمين المتطرّف في جامعة “وستفيلد ستايت” “جورج مايكل” قال إن “حركة اليمين البديل “الت رايت” نجحت، خلافا للمجموعات المتطرّفة السابقة بإنشاء ثقافة بديلة خاصة بها”. “مايكل” اعتبر أيضا أن هذه الحركة “مرشّحة للامتداد”.

وقد حاول ترامب الدفاع عن نفسه، وقد دان النازية والعنصرية وجماعة ك ك ك المناهضة للسود وأكد أن العنصرية شر، وأنه سيواجه ذلك.

استراتيجية المواجهة

يقول المفكر والفيلسوف الفرنسي روجيه جارودي: “أعطى الغرب الاستعماري، منذ خمسة قرون مثال التطرف الأكثر فتكا، وهو الادعاء بامتلاك الثقافة الوحيدة الحقيقية – الدين العالمي الوحيد، نموذج التنمية الوحيد، مع نفي أو تدمير الثقافات الأخرى والديانات الأخرى والنماذج الأخرى للتنمية، في حين أظهر الإسلام شمولية كبرى عن استيعابه لسائر الشعوب ذات الديانات المختلفة، فقد كان أكثر الأديان شمولية في استقباله للناس الذين يؤمنون بالتوحيد وكان في قبوله لأتباع هذه الديانات في داره منفتحًا على ثقافاتهم وحضاراتهم والمثير للدهشة أنه في إطار توجهات الإسلام استطاع العرب آنذاك ليس فقط إعطاء إمكانية تعايش وتمازج لهذه الحضارات، بل أيضًا إعطاء زخم قوي للإيمان الجديد: الإسلام. فقد تمكن المسلمون في ذلك الوقت من تقبل معظم الحضارات والثقافات الكبرى في الشرق وأفريقيا والغرب وكانت هذه قوة كبيرة وعظيمة له، وأعتقد أن هذا الانفتاح هو الذي جعل الإسلام قويًّا ومنيعًا”.

أما المفكر الإسلامي د. محمد عمارة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، فقال إن صعود اليمين المتطرف في أمريكا وأوروبا هو دليل فشل النموذج الغربي الذي رفع شعارات الليبرالية والتعددية والحرية.

وأضاف عمارة أن خطاب ترامب ينطوي على عداء واضح للدين الإسلامي وأهله، مؤكدا أن الانقسام عميق الآن في المجتمع الأمريكي مما يؤذن بانهيار “الحلم الأمريكي”.

ولفت إلى أن ما يحدث وسيحدث للمسلمين في أمريكا والغرب سيلفت الأنظار إلى الدين الإسلامي كبديل وحيد بعد فشل كل الايديولوجيات الغربية البائسة بدءا من النازية، مرورا بالشيوعية وانتهاء بالرأسمالية المتوحشة، متوقعا أن يزداد عدد الذين يعتنقون الإسلام كما حدث بعد أحداث 11 سبتمبر، وأنهى عمارة تصريحه مؤكدا تفاؤله في أن تتحول المحن التي يتعرض لها المسلمون إلى منح  تعيد العزة والكرامة  لأمة الإسلام.

إذا لا بد للمسلمين في أوروبا وأمريكا من استراتيجية لمواجهة هذا الفكر اليميني المتطرف، وشمولية الإسلام تتيح لهم أن يتصدوا لهذا الفكر المتطرف بكل يسر، وأن يخاطبوا الشعوب الغربية باللغة التي يفهمونها.

وعليهم أن يدركوا أنه كلما منيت الهجمة الغربية على الإسلام بالفشل، وازداد انتشار الإسلام في الغرب ودخل فيه عشرات الآلاف سنويا عن اقتناع تام، كلما زادات حدة العنصرية لدي اليمين المتطرف والتيارات الشعبوية، ولذا لا بد لقيادات العالم الإسلامي ومفكريه العمل على بناء جسور التواصل مع عقلاء ومنصفي الحضارة الغربية لإيصال حقيقة الإسلام لهم، والفضائيات هي الوسيلة الأنجع التي ستحقق هذا الهدف من أقصى الطرق، فهي السلاح نفسه الذي يستخدمه المتطرفون في الغرب لتشويه الإسلام، وهي الوسيلة نفسها التي ستسهم في دحض الافتراءات، فهل ستتحرك المؤسسات الإسلامية في العالم؟.

كذلك فإن أزمة اليمين المتطرف أو الشعبوي في الولايات المتحدة الأمريكية والتحقيقات بشأن التدخل الروسي في الانتخابات والمشكلات الاقتصادية الكبيرة، قد تدفع ترامب لمحاولة تصدير مشاكله وقد يخوض حربا أو حروبا في الخارج، وهذا الخيار بات أقرب من غيره في ظل زيادة  الخناق على ترامب.

ربما يعجبك أيضا