الحياة الحزبية فى تركيا … ولادة قيصرية

مجدي سمير

 مجدي سمير

  شهدت الحياة الحزبية في تركيا ثورة منذ عام 2000، إذ تأسس  83حزبًا سياسيًا خلال الـ17 عامًا الأخيرة من إجمالي 94 حزبًا حاليًا، 44% من الأحزاب الجديدة تأسست بعد عام 2010، حيث يسمح قانون الأحزاب السياسية للفرد بتأسيس حزب جديد شريطة جمع ما لا يقل عن 30 عضو وتعيين أسم ومقر للحزب، وهو ما دفع الكثير من أصحاب الطموح والأغراض السياسية والاجتماعية نحو تأسيس أحزاب، معظمها هامشية لا ثقل حقيقي لها.

من عشرات الأحزاب المقيدة داخل تركيا هناك أربعة أحزاب فقط ممثلة برلمانيًا، تجاوزت عدد أصواتهم العتبة الانتخابية الـ10% خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة المنعقدة في نوفمبر/تشرين ثان 2015، وهي أحزاب العدالة والتنمية بعدد مقاعد 317، والشعب الجمهوري بعدد مقاعد 134، والحركة القومية بعدد مقاعد 40، والشعوب الديمقراطي بعدد مقاعد 59، بينما الـ90 حزبًا الأخرين فيمكن وصفهم بعبارة “تمخض الجبل فأنجب فأرًا” إذ نسبة أصواتهم لم تتخطى  1%، ما يعكس ضئالة تأثيرها سياسيًا، وضعف دورها مجتمعيًا، وفي مقدمتها أحزاب السعادة، والاتحاد الكبير، والأمة، والحزب الوطني.

وشهدت انتخابات يونيو/حزيران 2015 عملية “ولادة سياسية” لممثلي المعارضة داخل البرلمان التركي بتجاوز حزب الشعوب الديمقراطي “الكردي” العتبة الانتخابية ليكون ثالث أحزاب المعارضة داخل البرلمان في مواجهة الحزب الحاكم، إلا أن ما أنجبته هذه الانتخابات يسعى الرئيس التركي إلى وأده عقب انقلاب 15يوليو/تموز الفاشل، باعتقال وحبس عدد كبير من أعضائه.

وفي ظل التراجع الملحوظ لنسبة التأييد الشعبي لحزب العدالة والتنمية وفقًا لنتائج استفتاء أبريل/نيسان 2017، شهدت الحياة السياسية مولد حزب جديد بقيادة ميرال أكشينير، وزيرة الداخلية السابقة وصاحبة التاريخ السياسي والحزبي الحافل.

الخريطة الحزبية

“العدالة والتنمية”
نتائج الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي جرت في أبريل/نيسان الماضي، أوضحت حجم الانقسام الشعبي وتراجع شعبية الحزب الحاكم والرئيس التركي ذاته رجب طيب أردوغان في ظل تحالفه مع حزب الحركة القومية، إلى 51.4% نسبة المؤيدون للاستفتاء مقابل نحو 61% مجموع نسبة تأييد الحزبين في أخر انتخابات برلمانية.

 يواجه الحزب الحاكم الكثير من التحديات الجادة في ظل الانقسام الشعبي وتمديد حالة الطوارئ ومحاولات القضاء على العلمانية وتردي العلاقات مع الاتحاد الأوروبي وزيادة قيود حقوق الإنسان واعتقال وسجن عشرات الآلاف ومحاولات خلط وجمع السلطات التنفيذية والتشريعية، فضلًا عن تزايد حدة الاحتقان السياسي الداخلي بالحزب واستبعاد كوادره مثل عبدالله جول وأحمد داود أوغلو وبولنت أرينتش.

وفي خضم الجدل الدائر بشأن احتمالية عقد انتخابات برلمانية مبكرة واستمرار انخفاض نسبة التأييد لسياسات الحزب، قال أردوغان خلال خطابه الذي ألقاه في مجلس شورى الحزب الخميس الماضي، إن “حزبنا يعاني من تعب شديد ويحتاج إلى كوادر جديدة”، مؤكدًا على تغيير 350 من أعضاء هيئة الحزب بمختلف المدن التركية.

وأوضح الكاتب التركي أحمد نسين، في أحد مقالاته بصحيفة “أرتي جرتشك” أن “سياسات وتجاوزات أردوغان زادت من الاضطرابات داخل الحزب الحاكم، ما يدفع لحدوث انشقاقات داخلية، وخروج حزب جديد من رحم العدالة والتنمية”.

“الشعب الجمهوري”
رغم خسارته معركة الاستفتاء الدستوري، إلا أن النتائج تعكس نجاح زعيم المعارضة كمال قليتشدار أغلو، رئيس حزب “الشعب الجمهوري” في حشد أصوات المعارضة لأهداف سياسية موحدة بلغت نحو 48.6% من إجمالي أصوات الناخبين.

وحقق كليتشدار أوغلو بعض الانتصارات السياسية داخل الشارع التركي عبر “مسيرة العدالة” التي استمرت 25 يومًا تجول خلالها سيرًا في العديد من المدن التركية، لقيادة مسيرة سلمية مناهضة لبعض سياسات أردوغان وحكومة العدالة والتنمية، خاصة بشأن اعتقال نائب بالحزب بتهمة افشاء أسرار الدولة، على إثر كشفه قضية شاحنات الاستخبارات التركية عام 2014.

ودفعت المسيرة -التي حشدت في تجمعها الختامي نحو مليوني شخص- بعض مؤسسات المجتمع المدني في تركيا للمطالبة بترشيح أوغلو لنيل جائزة نوبل للسلام، وسطوع نجمه كرمز معارض قوي، ما يدعم توقعات ارتفاع نسبة التأييد الشعبي للحزب المعارض بالانتخابات البرلمانية والبلدية المقبلة في حال استمرار الأوضاع السياسية الراهنة، والتي تجاوزت 25% في انتخابات نوفمبر/تشرين ثان 2015.
“الحركة القومية”

راهن زعيم حزب “الحركة القومية” المعارض دولت بهتشالي، على التحالف مع الحزب الحاكم في استفتاء التعديلات الدستورية مقابل وعود سياسية في مقدمتها إقرار عقوبة الإعدام ومواصلة محاربة الأكراد وتعزيز مبادئ القومية.

ورغم مضى أربعة أشهر على الاستفتاء إلا أن بهتشالي لم يحصد أية مكاسب سياسية، بل تفاقمت خسائره باشتعال ثورة داخل أركان الحزب، أدت إلى استقالة عدد كبير من أعضائه وسط توقع تراجع نسبة التأييد الشعبي للحزب لأدنى مستوياته بما يهدد مستقبله السياسي حال عدم تجاوزه العتبة الانتخابية في المعارك السياسية المقبلة.

“الشعوب الديمقراطي”
وسط الضغوط المتواصلة والممارسات القمعية من الحكومة التركية إزاء قيادات وأعضاء الحزب الممثل سياسيًا للأكراد داخل البرلمان التركي، وتتمثل أهمها في احتجاز 11 من نواب الحزب، من بينهم رئيسا الحزب المشاركان، صلاح الدين دميرطاش وفيغان يوكسك داغ في نوفمبر/تشرين ثان الماضي بتهم تتعلق بالإرهاب، تبعه اعتقال العشرات من كوادر ومؤيدي الحزب في خطوة هامة لتحجيم سلطاته ودوره السياسي والمجتمعي، بما يهدد وجوده داخل الحياة السياسية خلال المرحلة المقبلة، وهو الأمر الذي دفع الحزب إلى تدعيم وتأييد بعض سياسات حزب “الشعب الجمهوري” في مواجهة الحزب الحاكم.

وأكد دميرطاش في رسالة من محبسه أن “السبب الحقيقي لاعتقاله وكذلك قيادات الحزب وتقييد نشاطه سياسيًا، هو محاولة تجريد الحزب وحرمانه من نسبة تمثيله برلمانيًا. ما دفع الحزب الحاكم إلى استخدام أساليب فاشية وقمعية للتصدي لطموح حزبه الذي تمكن من حصد أكثر من 11% خلال أخر المعارك الانتخابية”.

“حزب جديد”
أعلنت البرلمانية ووزيرة الداخلية السابقة ميرال أكشنير، عن تأسيسها لحزب سياسي جديد يكون وجهة جادة للمعارضة، وذلك عقب نتائج الاستفتاء الدستوري، التي أعلنت مرارًا معارضتها لتلك التعديلات وانفراد شخص الرئيس بكافة السلطات.

بينما لم تكشف أكشنير بعد عن اسم حزبها الجديد -المتوقع الانتهاء من كافة إجراءاته القانونية قبل 26 أكتوبر/تشرين أول المقبل- إلا أنها تتلقى تأييد ودعم شعبي من قطاع كبير داخل تركيا، إذ يرى الكثيرون في شخص أكشنير -السياسية المخضرمة ورئيسة البرلمان سابقًا- ممثل جاد وقوي للمعارضة قد تتصدى لأطماع الحزب الحاكم، فجمعت المنشقين عن حزب الحركة القومية الرافضين لتحالف رئيس الحزب مع أردوغان، والرافضين للسياسات المستحدثة للحزب الحاكم ومؤيدي حركة “فتح الله جولن”.

ووفقًا لحوار تليفزيوني أجراه النائب التركي نوري أوكتان المنشق عن حزب “الحركة القومية”، فإن استطلاعات الرأي الأولية كشفت أن الحزب الجديد قد يجمع نحو 26% من أصوات الناخبين في أول معركة انتخابية، ويكون ممثل قوي للمعارضة برلمانيًا وسط توقعات بغياب “الحركة القومية” وعدم تجاوزه العتبة الانتخابية.

وشاركت أكشنير في تأسيس حزب “العدالة والتنمية”، إلا أنها تركت الحزب بدعوى أنه امتداد لحزب أربكان الاسلامي وانضمت إلى حزب “الحركة القومية” حتى طردت منه بعد أن اعترضت على نهج الحزب في تدعيم أردوغان العام الماضي. وأعلنت في يوليو/تموز الماضي عن نيتها الترشح بالانتخابات الرئاسية في مواجهة أردوغان عام 2019.

ومع تزايد التأييد الشعبي للحزب الجديد الذي يعكسه آراء النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي حسبما أكدت صحيفة “يني تشاغ” التركية، نجد حملة مضادة بقيادة رموز إعلامية موالية لأردوغان ضد أكشنير وحزبها الجديد، إذ تم اتهامها تارة بارتباطها بفتح الله جولن والولايات المتحدة، وتارة بارتباطها بحزب العمال الكردستاني، ما دفع بعض وسائل الإعلام الغربية مثل مجلة “فورجن بوليسي” للقول “أكشينر شجاعة، وقد تحل محل أردوغان في الكرسي الرئاسي، وذلك في حال لم يتم حبسها قبل موعد الانتخابات”.
 

ربما يعجبك أيضا