“الكهنوت الاقتصادي”.. “صك” أزمات الدول النامية

كتب – حسام عيد

تعاني الكثير من مجتمعات البلدان النامية، وتحديدا بعد الانتفاضات التي أصابت دول عربية خلال السنوات الأخيرة، من ظاهرة “الكهنوت الاقتصادي”.

ظاهرة أشبه بـ “الكهنوت الديني”، أو مجتمعات العلماء، فهي تمثل تجمعًا حصريًا ومغلقًا لعدد قليل من البشر يفترضون في أنفسهم الحيادية، ومعرفة ببواطن الأمور وقدرة على التنبؤ والقياس يستعصى فهمها على البشر العاديين.

لكن بعكس مجتمعات العلماء، فإن دخول العاطفة وتعقيدات النفس البشرية والمصالح والانحيازات على خط المسائل الاقتصادية تجعل من القدرة على التنبؤ مستحيلة، فتصبح مهمتهم أقل جدوى، بل وأكثر تدميرا في بعض الحالات، بكثير من مهمة المتخصص في العلوم الطبيعية.

ما هو الكهنوت الاقتصادي؟

الكهنوت الاقتصادي؛ ظاهرة تمارس سلطة معرفية مطلقة على أفراد بعض المجتمعات النامية بدون أدنى معرفة علمية أو قدرة على القياس والتنبؤ، وفي نفس الوقت تتمتع بوضع الكهنوت الديني من احتكار لوضع معرفي معين يخدم في الكثير من الأحيان ويشرعن لسلطة سياسية تنتهج من الظلم الاقتصادي باسم العلم منهجا لا يقبل التشكيك.

غطرسة لتعميق الأزمات

يقدم الاقتصاد عقيدة شاملةً لها قانون أخلاقي يعد أتباعه الخلاص في هذه الدنيا؛ فالاقتصاد أيديولوجيةٌ بلغت من الفتنة مبلغا يحمل المؤمنين بها على إعادة تشكيل مجتمعات كاملة لتتوافق مع مطالبها.

الغطرسة، التي هي ليست بالأمر المحمود عمومًا، قد تكون أمرًا خطيرًا في الاقتصاد خصوصًا، لأن علماءه لا يلاحظون قوانين الطبيعة فحسب، بل يساهمون في ابتداعها.

إذا قررت الحكومة، مسترشدة بكهنوتها، تغيير هياكل الحوافز في المجتمع لكي تتماشى، مثلًا، مع افتراض أن الناس يتصرفون بأنانية، فسيبدأ الناس بالتصرف بأنانية، كما لو كان هذا أمرًا يدعو إلى العجب.

كما إنهم سيكافأون على التصرف بهذه الطريقة، وسيعاقبون لو تصرفوا بغيرها، فإن تربى أفراد المجتمعات النامية على الاعتقاد بأن الجشع أمر جيد، فغالبًا ما سيعيشون وفقًا لهذه القناعة.

الغطرسة في الاقتصاد ليس مصدرها نقيصةٌ أخلاقيةٌ متفشيةٌ بين الاقتصاديين، بل مصدرها اقتناع خاطئ: الاعتقاد بأن مبحثهم يعد علمًا.

ربما يعجبك أيضا