الروهنجيا.. حياة على “ضفاف الموت”

أسماء حمدي

كتبت – أسماء حمدي

هناك حركة.. صاح أحد ضباط الشرطة وهو يلوح ببندقيته ومن ثم ظهرت أمامه فتاة 14 عاما وهي ترتجف خوفَا كانت تختبئ وسط حقول الأرز مع عشرات من الفتيات والنساء من أقلية الروهينجا، بعد أن اقتحمت الشرطة منازلهم بقرية “زاي دي بين” غرب ميانمار، بزعم البحث عن مسلحين شنوا هجوما مفاجئا على ثلاثة مراكز حدودية شمال شرق ولاية راخين “أراكان”.

كانت عفيفة ذات الـ14 عاما تختبي وسط حقول الأرز، وشاهدت قوات الشرطة تجر فتاتين إلى داخل الحقول، فتحركت فزعا، ما لفت انتباه الشرطة إليها، فيما أمسك بها أحد الضباط قائلا: “سنقوم بذبحك”، و اختنقت الدموع في عيني عفيفة خوفًا.

مشهد من المشاهد المتكررة يوميا، ومن أقلها عنفًا وبشاعة، في حياة أقلية الروهينجا المسلمة في ميانمار، والذي لم يكن سوى بداية لموجة العنف الأخيرة ضد 1.1 مليون روهينجي يعيشون في منطقة راخين الغربية “أراكان” التي تعاني في الوقت الراهن من حصار قاس على أيدي البوذيين، وصل إلى حد منع أهلها من الذهاب إلى أعمالهم أو البحث عن الطعام.

معاناة لا تنتهي

وتقول “ناشيونال جيوجرافيك”، إن عفيفة بطلة قصتنا قضت 5 أشهر بصحبة والدها وأشقائها داخل ميانمار، مختبئين في الغابات لتجنب الجيش، وغالبا ما تمر عليهم أيام دون طعام، وفي أول محاولة لعبور نهر ناف، الذي يفصل بين ميانمار وبنغلاديش، فتح زورق دورية بورمي النار عليهم، وانقلب قاربهم وقتل العديد من اللاجئين.

ووصل نصف عائلة عفيفة إلى مخيم بالوخالي، حيث قام أكثر من 11.000 وافد جديد بتحويل التلال إلى خلية من أكواخ الخيزران والقماش، وفي رحلة الهروب يتم القبض على الروهينجا بين البلدين، فيما يسقط العديد منهم ضحية للجوع أو نيران الجيش البورمي.

تجدر الإشارة هنا إلى أن بنجلاديش دولة فقيرة مكتظة بالسكان، لا تظهر أبدا حماسا لاستضافة الروهينجا، وفي الوقت نفسه ترفض حكومتها عروض المساعدات الإنسانية لتحسين أوضاع الروهينجا في مخيمات الموت، ومؤخرا أعلنت أنها تدرس نقل اللاجئين إلى جزيرة نائية في خليج البنغال.

هذا المقترح الراديكالي يهدف إلى دفع الروهينجا بعيدا أو باتجاه العودة إلى ميانمار، ما يعني تحويلهم إلى فريسة سهلة للجيش البورمي، لتستمر المعاناة وتبقى الأيام السيئة بالنسبة لـ”الروهينجا” بدون نهاية.

خيبة أمل

وقبل أكثر من عام، أصبحت أونغ سان سو كي، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، الزعيم الفعلي لميانمار، وأعربت المجموعات الدولية لحقوق الإنسان – فضلا عن العديد من الروهينجا – عن أملها في أن تساعد “سان سو كي” في نقل راخين نحو السلام والمصالحة.

 وبالرغم من سمعتها كرمز لحقوق الإنسان، بدت أونغ سان سو كي غير راغبة أو غير قادرة على التحدث عن العنف ضد الروهينجا، ناهيك عن عدم تقديم الجناة إلى العدالة.

ولا تزال أونغ سان سو كي شخصية شعبية جدا في ميانمار، حيث أن 90 % من السكان بوذيين ولا يزال الجيش يتمتع بسلطة هائلة، لكن دورها في حماية الجيش في راخين شوه سمعتها العالمية، مما دفع 13 من الحائزين على جائزة نوبل بإرسال رسالة لها وتوبيخها بسبب فشلها في حماية حقوق الروهينجا.

يقول ماثيو سميث، المؤسس المشارك لـ”فورتيفي ريتس”، ​​وهي مجموعة لحقوق الإنسان مقرها بانكوك: “مثلنا مثل الكثيرين في المجتمع الدولي، توقعنا المزيد من سو كي، إنها تعمل في وضع حساس سياسيا، ولكن هذا لا يبرر الصمت أو الإنكار في مواجهة جبال من الأدلة، فقد شن الجيش هجوما على السكان المدنيين، ولم يحاسب أحد”.

وفي يونيو الماضي عندما سعت بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق التي شكلت للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في ميانمار، بما في ذلك راخين “أراكان”، رفضت حكومة أونغ سان سو كي منح تأشيرات لأعضاء الفريق، وقالت “اننا لا نقبلها”، مشيرة إلى أن هذه المهمة قد تفاقم الانقسامات بين البوذيين والمسلمين.

وتعتبر الأمم المتحدة الروهينجا واحدة من أكثر الأقليات اضطهادا في العالم، حيث يعيشون في أمة يهيمن عليها البوذيين، ويقول الروهينجا إنهم من السكان الأصليين في راخين “أراكان”، وبالرغم من جذورهم صدر قانون 1982 وجرد الروهينجا من جنسيتهم، وهم يعتبرون الآن مهاجرين غير شرعيين في ميانمار.

ومنذ خمس سنوات، أسفرت المصادمات بين الطوائف البوذية والمسلمة عن مقتل المئات، معظمهم من الروهينجا، ومع حرق مساجدهم وقراهم، اضطر 120.000 روهينجا إلى العيش بمخيمات مؤقتة داخل ميانمار “المعروفة باسم بورما”.

وما بدأ ظاهريا كمطاردة للجناة وراء هجمات مواقع الحدود تحول إلى هجوم لمدة 4 أشهر على السكان الروهينجا ككل، ووفقا للشهود الذين قابلتهم الأمم المتحدة والجماعات الدولية لحقوق الإنسان، شملت حملة الجيش عمليات إعدام واحتجاز جماعي وتجريف للقرى، واغتصاب ممنهج للنساء الروهينجا، ويعتقد “يانجي لي” المقرر الخاص للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في ميانمار أنه “من المرجح جدا” أن الجيش ارتكب جرائم ضد الإنسانية.

ولم يعرف ما حدث في ولاية راخين الشمالية “أراكان” تفصيليا، بعد أن قامت الحكومة بمنع المحققين والصحفيين وجماعات حقوق الإنسان بالوصول لقرى الروهينجا التي دمرها الحريق، فيما أظهرت لقطات فيديو للهواة والناشطين عبر مواقع التواصل الاجتماعي جثثا متفحمة لبالغين وأطفال ملقاة داخل القرى المحترقة.

وحسب منظمات حقوق الإنسان، قتل مئات من الروهينجا، فيما أدى هجوم الجيش إلى نزوح أكثر من 000 .75 من الروهينجا إلى مخيمات اللاجئين المكتظة عبر الحدود في بنجلاديش حوالي 60 % منهم من الأطفال، فيما ما يقدر ب 20.000 أو أكثر شردو داخل حدود ميانمار.

وقبل أن تغادر قوات الشرطة القرية في ذلك اليوم، قالت بطلتنا “عفيفة”، إنهم أشعلوا النار في حقول الأرز الجاهزة للحصاد، ونهبوا المنازل، وأطلقوا النار على جميع الماشية والماعز أو سرقوها، وأدى الدمار والخوف إلى إجبار والدي عفيفة على تقسيم الأسرة إلى مجموعتين والهروب في اتجاهات مختلفة – لزيادة احتمالات البقاء على قيد الحياة.

“لم نكن نريد التخلي عن وطننا، لكن الجيش ليس له سوى هدف واحد هو التخلص من كل الروهينجا”، هذا ما قاله والد عفيفة محمد إسلام، بعد أن وصل 5 من أفراد أسرته الـ 11 إلى البلوخالي، وهو مخيم للاجئين في بنجلاديش.

ربما يعجبك أيضا