عرفات والرحمة والنور عطر يتضوع

هدى اسماعيل

هدى إسماعيل

لبيك اللهم لبيك

لبيك لا شريك لك لبيك

إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك

“الحج عرفة، فمن أدرك ليلة عرفة قبل طلوع الفجرِ من ليلة جُمَعٍ فقد تمَّ حجُّه”، هكذا بلغنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف ، فـ”عرفة” هو اليوم الذي يتمني فيه الحجيج أن يكون أطول من يوم حتى ترتاح القلوب وتنجلي الصدور ويعود كل منهم كيوم ولدته أمه.

وقد تعددت الروايات حول سبب تسمية “عرفة” بهذا الاسم، منها أن سيدنا “آدم” التقى بالسيدة “حواء” وتعارفا بعد خروجهما من الجنة في هذا المكان ولهذا سمي بعرفة، وهما أول من وقف على  جبل عرفات وتضرعا إلى الله ليغفر لهما واستجاب لهم الله.

والثانية ولعلها الأقرب للصحة، أن جبريل طاف بنبي الله إبراهيم فكان يريه مشاهد ومناسك الحج فيقول له: “أعرفت أعرفت؟” فيقول إبراهيم: “عرفت عرفت” ولهذا سمي بعرفة.

الحج عرفة

الزمان يوم التاسع من شهر ذي الحجة، والمكان هو صعيد “عرفات”، حيث يجتمع الحجاج القادمون من كل بقاع الدنيا على صعيد واحد في مكان واحد وزمان واحد وبلباس واحد، رافعين أياديهم بالتضرع لله طلباً للمغفرة والرحمة، لا فرق بين غني وفقير أبيض أو أسود فهم يطلبون شيئا واحدا الرحمة والمغفرة حتى يعودوا كما ولدتهم أمهاتم.

لعرفات أربعة حدود، الأول ينتهي إلى حافة طريق المشرق، والثاني إلى حافات الجبل الذي وراء منطقة عرفات، والثالث إلى البساتين التي تلي قرية عرفات، وهذه القرية على يسار مستقبل الكعبة إذا وقف بعرفات، والرابع ينتهي إلى وادي عرنة.

في الوقت الحالي تم وضع علامات حول منطقة عرفة لتبين حدودها، حيث يوجد هناك علمان في بداية المنطقة وآخران في نهايتها وذلك لتحديد المنطقة، وبين الأعلام تقع بطن عرنة التي قال فيها النبى محمد: “عرفة كلها موقف إلا بطن عرنة” ، وتعتبر منطقة جبل “عرفات”خالية من السكان إلا أيام الحج غير بعض المنشآت الحكومية.

وقت الوقوف

وقت الوقوف بعرفة هو من زوال شمس يوم عرفة إلى طلوع فجر اليوم التالي وهو أول أيام عيد الأضحى، ويصلي الحاج صلاتي الظهر والعصر جمع تقديم بأذان واحد وإقامتين، ويستحب للحاج في يوم عرفة أن يكثر من الدعاء والتلبية، وذلك لقول النبى محمد: “خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير“.

يظل الحجيج في عرفة حتى غروب الشمس، فإذا غربت ينفر الحجاج من عرفة إلى المزدلفة للمبيت بها، ويصلي بها الحاج صلاتي المغرب والعشاء، ويتزود الحاج بالحصى، ثم يقضي ليلته في مزدلفة حتى يصلي الفجر، بعد ذلك يتوجه الحاج إلى منى لرمي جمرة العقبة الكبرى.

فضل يوم عرفة

وردت بعض الأحاديث النبوية التي تتحدث عن فضل هذا اليوم منها: ما رواه أبو هريرة عن النبي محمد أنه قال: “إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء، فيقول لهم: انظروا إلى عبادي جاءوني شعثاً غبراً”، وما روته عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو يتجلى، ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟ اشهدوا يا ملائكتي أني قد غفرت لهم”.

جبل النور

في شمال شرق المسجد الحرام، يقع “جبل النور” الذي يشهد كثافة عالية خلال هذه الفترة من الحجاج، كونه إحدى المناطق التاريخية التي يرتادها الحجاج بشكل كبير، والكثير من الناس يختلط عليهم أن الجبل الذى يقف عليه بعض الحجيج هو عرفة لكنه معتقد خاطئ، فعرفة موقف تمتد مساحته نحو 10 كيلو متر مربع.

يوجد في هذا الجبل غار “حراء”، وهو واحد من أهم الأماكن في تاريخ الإسلام وسيرة نبيه، حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يخلو فيه بنفسه ليتعبد إلى الله قبل البعثة بعيداً عن أهل مكة.

وهو أيضاً المكان الذي نزل الوحي فيه لأول مرة على النبي، وفيه نزلت أول آية من القرآن “اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ”.

والغار عبارة عن فجوة في أعلى جبل النور، والداخل لغار “حراء” يكون متجهاً نحو الكعبة، ويتصف بضيق المكان الذي لا يتسع إلا 4 أو 5 أشخاص فقط، ويُمكن لمن يقف على رأس “جبل النور” أن يُشاهد مدينة مكة المكرمة وأبنيتها.

جبل الدعاء

أو ما يعرف أيضا بـ”جبل الرحمة”، هو أكمة صغيرة رفيعة في مشعر عرفات، وسنامها الأسود الذي صعد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم, داعيا ربه في حجة الوداع، يحرص آلاف الحجاج على اعتلائها يوم عرفة، فيمتلئ بالحياة ليوم واحد من السنة.

ويعتبر جبل الرحمة أشهر مكان في مشعر عرفات بعد مسجد نمرة, وهو جبل مكون من حجارة صلدة سوداء وكبيرة، ويقع شرق عرفات، بين الطريق السابع والثامن, وله أسماء كثيرة منها جبل القرين, وجبل الدعاء، وجبل الرحمة، وجبل إلال على وزن هلال، وجبل التوبة, وهو يتميز بسطحه المستوي والواسع.

ويوجد مسجد “الصخرات”،أسفل لجبل عـلى يمين الصاعد إليه، وهو مرتفع قليلاً عن الأرض يحيط به جدار قصير وفيه صخرات كبار وقف عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة وهو على ناقته.

اشهدوا يا ملائكتي أني قد غفرت لهم هكذا يتباهى رب العالمين بحجاج بيته يوم عرفة.

ربما يعجبك أيضا