جولة شرق أوسطية مرتقبة لـ “ماكرون”.. الإرهاب والأزمة السورية في الصدارة

حسام السبكي

حسام السبكي

أعلن الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” عن استعداده للقيام بجولة جديدة في منطقة الشرق الأوسط، في إطار السياسة الفرنسية التي يسعى “ماكرون” لرسم ملامحها خلال الفترة المقبلة، والتي باتت أقرب إلى الوضوح على مستوى مختلف القضايا التي تمر بها المنطقة في الفترة الأخيرة، فالسياسة الفرنسية تكاد تكون مطابقة للموقف الروسي منها، حيث أصبحت باريس لا تجد مبررًا قويًا في رحيل الأسد عن سدة الحكم في سوريا، كما أن موقفها من القضية الفلسطينية لا يختلف كثيرًا عن الإدارات السابقة التي تركز على دعم حل الدولتين، كما أن الأزمة الخليجية من المتوقع أن تكون مطروحة بقوة على جدول أعمال الزيارة التي يقوم بها الرئيس الفرنسي للمنطقة، بينما يعد الموقف الفرنسي من قضية الإرهاب أكثر وضوحًا وحسمًا، وكذلك الحال مع الملف النووي الإيراني.

في هذا التقرير، نعرض قراءة للمشهد المتوقع حول الزيارة المرتقبة للرئيس الفرنسي الجديد “إيمانويل ماكرون”، إلى منطقة الشرق الأوسط، والتي كشفت وسائل إعلامٍ أمريكية أنها ستكون في فصل الربيع المقبل.

الإرهاب يتصدر اهتمامات السياسة الفرنسية

يعتبر الإرهاب المادة الأبرز في اهتمامات السياسة الفرنسية خلال الفترة المقبلة، وذلك بعد الاهتمام الكبيرة الذي أولته الإدارات السابقة على ولاية “ماكرون” للبلاد، ويأتي هذا مع ارتفاع وتيرات العنف في العالم، والتي عانت منها فرنسا الويلات، فقد تعرضت فرنسا وحدها، من بين العديد من الدول الأوروبية خلال السنوات الأخيرة إلى سلسلة من الهجمات الإرهابية العنيفة، والتي تم تنفيذها وفق أيديولوجيات إسلامية متطرفة تصدرها تنظيم “داعش” الإرهابي، والتي خلفت قرابة 240 شخصًا على الأقل فضلًا عن آلاف المصابين.

في غضون ذلك، أكد “ماكرون” أن الأولوية بالنسبة لسياسة فرنسا الخارجية تكمن في محاربة الإرهاب وضمان أمن المواطنين الفرنسيين، مشيرًا إلى أن باريس تنوي عقد مؤتمر دولي لمحاربة تمويل الإرهاب، باعتبار هذه الجهود من الاتجاهات المحورية للتصدي لخطر الإرهاب العالمي، مؤكدًا في هذا الإطار أن اجتثاث الإرهاب يمر أيضًا عبر تجفيف مصادر تمويله، ومشددًا على عزمه التوصل إلى كافة القوى الممولة للإرهاب بكل شفافية.

وقد وجه “ماكرون” دعوته إلى بذل مزيد من الجهود في مجال تنمية منطقة الساحل الأفريقية، وذلك بهدف إرساء الاستقرار في المنطقة ذاتها.

تقارب فرنسي روسي من الأزمة السورية



ربما يكون نوعًا من التقليل إذا قلنا أن الموقف الفرنسي من القضية الفلسطينية في عهد ماكرون، لا تختلف كثيرًا عن مواقف الإدارات السابقة داخل الإليزيه، والتي ترى ضرورة حل القضية الفلسطينية وفق مبدأ الدولتين، وهو مالم يأتي بجديد عن سابقيه، خصوصًا مع سعي السلطة الوطنية الفلسطينية للحصول على اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية المستقلة، والذي لم تجد معه رام الله دافعًا إيجابيًا من الجانب الفرنسي.

فأولى التصريحات الصادرة عن الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” حول القضية الفلسطينية إبان حملته الانتخابية، أن الاعتراف الأحادي الجانب بالدولة الفلسطينية ستكون له نتائج عكسية، وهو بهذا يلتقي مع موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، الذي اعتبر تصويت البرلمان الفرنسي لصالح دعوة الحكومة الفرنسية للاعتراف بالدولة الفلسطينية خطأ جسيما.

وهذا ما يؤكد عليه الباحث في القضايا العربية والاسلامية صلاح القادري حيث أكد أن توجهت الإدارة الفرنسية الجديدة بقيادة “ماكرون” قد تأكدت حينما استقبل بعد انتخابه رئيساً رئيس السلطة محمود عباس، إذ لم يُشر تماما إلى مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ولم يتجاوز الخطاب التقليدي لسابقيه من الرؤساء، والمتمثل في دعم حل الدولتين والإدانة اللفظية لعمليات الاستيطان الإسرائيلي”.

وبشأن القضية الأبرز في منطقة الشرق الأوسط أيضًا، تشير وسائل إعلام فلسطينية نقلًا تقرير أعد محرر شؤون الشرق الأوسط في صحيفة “لوموند” الفرنسية في عددها الصادر، أمس الاثنين، أن رئيس حركة فتح محمود عباس طلب عقد اجتماعاً مع الرئيس الفرنسي “ايمانويل ماكرون” للتباحث في تمويل بعض المشاريع للسلطة الفلسطينية، لكن ماكرون رفض استقبال عباس.

وأضاف المحرر أن سبب رفض الرئيس ماكرون استقبال رئيس السلطة، يتمثل في أن عباس “يدير سلطة ينخرها الفساد”، مضيفاً أن محمود عباس إما أنه متجاهلاً لهذه القضايا أو شريكاً فيها.

وأشار “شارل هولمز”، في كل مرة تقدم في فرنسا الدعم للسلطة الفلسطينية، فإن الصحافة الفرنسية تلاحق الحكومة الفرنسية وتتهمها بالتستر على فساد رموز في السلطة ، الأمر الذي يسبب لها الحرج.

وأضاف هولمز، أن ثمة سبب آخر لمنع استقبال الرئيس ماكرون للرئيس عباس، وهو أن عباس يقوم بإجراءات عقابية ضد قطاع غزة، أدت لتضرر قطاعات حيوية في القطاع، أبرزها التعليم والصحة والبنية التحتية.

ماكرون: متمسكون بالاتفاق النووي مع إيران


وعلى غرار التقارب الفرنسي الروسي، من الأزمة السورية، فيبدو أن ذلك التقارب متواصل على مستوى الملف النووي الإيراني، الذي بات أحد التحديات الكبرى للإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس دونالد ترامب، حيث يميل المزاج الفرنسي الجديد للرئيس ماكرون، تجاه التمسك بالاتفاق النووي المبرم مع إيران في 2015.

وأكد “ماكرون” على التزام فرنسا باتفاق فيينا، بشأن الاتفاق النووي الإيراني، مضيفًا أنه تم تحسين هذا الإتفاق بفضل تدخل فرنسا، منوهًا عن أنه ليس هناك بديل عن نظام عدم الانتشار، وأن فرنسا ستكون صارمة بشأن تنفيذ هذا الإتفاق، مشددًا في الوقت ذاته أن هذا الاتفاق هو ما سيسمح بإجراء “حوار بناء” مع الدولة الفارسية، على حد تعبيره.

الموقف تجاه الأزمة الخليجية

ربما يكون الموقف الفرنسي من أكثر المواقف المتوازنة، والتي تشبه دور الوسيط غير الرسمي في الأزمة الخليجية الأخيرة، حيث تشير تقارير إلى أن فرنسا تميل إلى تغليب لغة الحوار لحل الأزمة، بهدف ما يراه توفير الضمانة للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وتفادي حدوث نزاع جديد بالمنطقة التي تعج بالأزمات خلال السنوات الماضية.
 
تجدر الإشارة إلى أن الإعلان عن الجولة الشرق أوسطية الجديدة للرئيس الفرنسي وأبرز الموضوعات على جدول أعمالها قد جاءت على هامش خطابه الأول في السياسة الدولية والذي ألقاه خلال مؤتمر سفراء فرنسا والذي عُقد اليوم الثلاثاء في العاصمة الفرنسية باريس.

وعلى صعيد الأزمة السورية، التي اشتعلت ذروتها قبل أكثر من 6 سنوات، والتي خلفت أكثر من قرابة نصف مليون سوري، فضلًا عن تهجير الملايين من مواطنيها، فقد باتت السياسة الجديدة لفرنسا أقرب للموقف الروسي منها، والذي يصب بالطبع في صالح نظام بشار الأسد، على حساب المعارضة بكافة فصائلها، السياسية منها والمسلحة.

وعن حقيقة الموقف الفرنسي في ظل الإدارة الجديدة بقيادة “إيمانويل ماكرون”، فقد ذكر الأخير في تصرحياتٍ منسوبة له في 21 يونيو الماضي أنه لا يرى بديلًا شرعياً” لبشار الأسد، وإن بلاده لم تعد تعتبر رحيله شرطاً مسبقاً لتسوية النزاع في سوريا، ورأى ماكرون وقتها أن الأسد “عدو” للشعب السوري، لكن “ليس عدواً لفرنسا”، وأن أولوية باريس هي “الالتزام التام بمحاربة الجماعات الإرهابية وضمان ألا تصبح سوريا دولة فاشلة”.

ويشكل ذلك الموقف الخاص بإدارة ماكرون تناقضًا حادًا مع مواقف الإدارة الفرنسية السابقة، والتي كانت تشدد على أهمية رحيل الأسد كحل للمسألة السورية.

وتأكيدًا على موقف الرئيس الفرنسي الجديد من الأزمة ذاتها، صرح وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، يوم السبت الماضي، بأن رحيل بشار الأسد لم يعد شرطا مسبقا في مفاوضات السلام المقبلة حول سوريا.

تأتي تصريحات الوزير بعدما أكد ممثل الوزارة نفسها في وقتٍ سابق، أن بلاده تعتبر أن بشار الأسد غير قادر على حل الصراع العسكري الطويل الأمد بمفرده، مشيراً إلى أن باريس لا تنوي وضع مسألة الإطاحة به في مقدمة المحادثات.

وعلى ذكر التقارب الفرنسي الروسي في وجهات النظر والتحرك بشأن الأزمة السورية، أكد ماكرون أن التعاون بين البلدين في الفترة الأخيرة، أسفر عن “نتائج ملموسة” بشأن الحد من استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، مشيرًا إلى أن مجموعة اتصال جديدة بشأن سوريا ستعقد اجتماعا في الأمم المتحدة في نيويورك خلال أيلول المقبل، وقال إن “لاعبين رئيسيين” سيشاركون في الاجتماع، دون توضيح أو تفصيل حول هوياتهم.

يُشار هنا إلى أن مصادر فرنسية رسمية قد كشفت قبل أشهر أن باريس تعمل على بلورة مبادرة سياسية – دبلوماسية في سوريا، حيث أشارت المصادر وقتها لصحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية إلى أن باريس تكثّف اتصالاتها مع أمريكا وروسيا وبلدان الاتحاد الأوروبي ودول الخليج من أجل المبادرة.

ولفتت المصادر إلى أن الإعلان عن المبادرة سيكون من قبل الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي يحاول أن يعيد باريس وأوروبا إلى وسط دائرة الاتصالات.

ويعتبر الخلاف بشأن مصير الأسد السبب الرئيسي وراء فشل جهود إيجاد حل للمسألة السورية التي دخلت عامها السابع، حيث تصر المعارضة على أن أي اتفاق سلام يتعين أن يتضمن رحيل الأسد عن السلطة مع بدء المرحلة الانتقالية؛ في حين يقول نظام الأسد وروسيا إن الاتفاقات الدولية التي تضمن عملية السلام لا تتضمن أي عبارة تشير إلى ذلك.

سياسة فرنسية سلبية تجاه القضية الفلسطينية

ربما يعجبك أيضا