من الوطنية إلى العرقية.. “داكا” وإعادة تعريف الهوية “العنصرية” لأمريكا

أماني ربيع

أماني ربيع

“أنا أبيض، أنا يهودي، أنا مهاجر، أنا أمريكي روسي.. ولكن حتى وقت قريب لم أركز كثيرا على تلك الأجزاء من هويتي، فقد ظننت نفسي دائما أمريكيًا عاديًا هكذا بكل بساطة”.

كانت هذه كلمات ماكس بوت من مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية ومؤلف “الطريق لم تؤخذ: إدوارد لانسديل والمأساة الأمريكية في فيتنام”.

يكمل ماكس بوت في مقال له بصحيفة واشنطن بوست الأمريكية: “منذ وصلت إلى أمريكا مع والدتي وجدتي قادمين من روسيا عام 1976، كنت في سن السابعة، وكنت خريصة على الاندماج وقمت بذلك بشكل جيدا جدا، ليس لدي أي لكنة، لم أتكلم كثيرا عن أصولي، وهو بالمناسبة أمر لا يفيد كثيرا فيما يتعلق بوظيفتي، وهي الكتابة عن التاريخ العسكري وسياسة الأمن القومي الأمريكي، لذلك يفاجأ الناس كثيرا عند معرفة أنني لم أولد في الولايات المتحدة، وعندما أقول لهم من أين أنا، غالبا ما يسألون: “هال والديك ديبلوماسيون؟”، والإجابة: لا كان والداي من الروس الذين فروا من اضطهاد الاتحاد السوفييتي ووجدو ملاذا في أرض الفرص.

ولكن لم تكن تلك الأمور مهمة كثيرا، حتى جاء دونالد ترامب.

التفوق الأبيض

منذ قدوم ترامب وهناك دعاية تشبه كثيرا دعاية النظام النازي تخبر المهاجرين أن يتركوا البلد للأمريكيين الحقيقيين، وأن يعودوا من حيث جاءوا، وتبنى الرئيس بنفسه جدول أعمال اليمين المتطرف ومنذ وصوله إلى المكتب البيضاوي عمد إلى تشويه المكسيكيين والمسلمين، ورحب كثيرا بدعاة “التفوق الأبيض”.

وكان ضمن قراراته العفو عن العريف السابق جو أربايو، الذي أصبح رمزا للعنصرية والخروج على القانون من أجل مراقبة اللاتينيين في تحد لأمر من المحكمة، والحجة هي الاشتباه بأنهم قد يكونون مهاجرين غير موثقين.

والآن وضع ترامب كلمة النهاية لبرنامج “داكا” الذي يمنع ترحيل المهاجرين الذين جلبوا بشكل غير قانوني إلى الولايات المتحدة وهم أطفال، ما يعني ترحيل أكثر من مليون طفل فقط لأن والديهم أتوا بهم إلا أمريكا بطريق غير قانونية.

وإنسانيا، تعتبر نهاية “داكا” أمرا صعبا، فما يقرب من نصف المتضررين وصلوا إلى أمريكا قبل عيد ميلادهم السادس، تماما في نفس العمر عندما جئت أنا إلى هنا، ربما كانت حالة عائلتي مختلفة فقد قدمنا بشكل قانوني كلاجئين وأصبحنا مواطنين، وحتى الآن لم يستطع ترامب ولا محامي النائب العام جيف سيسيونس أن يربحا طريقة لتجريد المواطنين الأمريكيين المجنسين من وضعهم القانوني رغم تصريحهم بأنهم يريدون خفض الهجرة القانونية إلى 50%.

وبعيدا عن الأمور القانونية، أفكر في هؤلاء المتضررين وأتساءل عما سيحدث لهم، وأتساءل أيضا ماذا كان سيحدث لي لو كنت واحدا منهم، ماذا أفعل وأنا في سن الثامنة والأربعين وتم ترحيلي إلى بلد لم أره منذ أكثر من 40 سنة لم أعد أتحدث لغته، كيف أعمل وكيف يمكنني الاستمرار في العيش، وهناك خطر الاضهاد السياسي الذي يكون حقيقيا جديدا بالنسة للحالمين الذين أتوا من دول قمعية لأجل الظفر بفرصة، وماذا سيحدث لعائلتي زوجتي وأطفالي، سيكون الأمر أصعب النسبة إليهم لأنهم لا يفهمون.

أمريكا المزيفة

ولا يمكن التعويل كثيرا على إمكانية منح الكونجرس هذا التشريع الذي اقترحه ترامب مهلة قبل تنفيذه في ظل نهج الجمهوريين في الكونجرس والذين وقفوا أمام كل المحاولات الرامية لإضفاء الشرعية على المهارجين غير الشرعيين لسنوات، وهم نفس النسبة التي استغلها ترامب للوصول إلى البيت الأبيض.

ونتيجة كل هذا التحريض على الكراهية هو أنني لم أعد أشعر بأن أمريكا “حقيقية”، إننا نشعر كما لو كنا منبوذين وأقلية، أنا شخص دون حزب، وعلى نحو متزايد بدأت أشعر باني يهودي مهاجر روسي أي شئ سوى أمريكي عادي.

يبدو أن هذا بالظبط ما ينوي ترامب وأنصاره فعله، أنهم يعيدون تعريف ما يعنيه أن تكون أمريكي، والفكرة القديمة في أن أي شخص يحتضن المثل الأمريكية يمكن أن يصبح أمريكيا أصبح تاريخًا، وأصبحت رسالة الشاعرة المهاجرة إيما لازورس المنقوشة على قاعدة تمثال الحرية: “تعالوا إليّ أيها المتعبون المعذبون الفقراء المتعطشون لنسيم الحرية” ضد توجهات البيت الأبيض الجديدة، وبدلا من ذلك سيتم إعادة تعريف الأمريكان وفقا لشروط الدم والتربة، ما يجعلني لأفكر على نحو متزايد في هويتي العرقية بدلا من الهوية الوطنية التي اعتمدتها كصبي عام 1976، وهو أمر مزعج بتالنسبة لي وسوف يكون مأساة لأمريكا.

ما هو داكا؟

و”داكا” هو برنامج يوفر الحماية لنحو 800 ألف شخص في الولايات المتحدة من الترحيل، ويمنحهم تصاريح مؤقتة للعمل والدراسة، ويجب على المتقدمين الذين تقل أعمارهم عن 30 عاما تقديم بياناتهم الشخصية لوكالة الأمن القومي الأمريكية، ويخضع المتقدمون أ لتحريات من مكتب التحقيقات الفيدرالي “إف بي آي” عن خلفياتهم، ويجب أن يكون لديهم سجل جنائي نظيف سواء أكانوا في المدرسة، أو تخرجوا حديثا، أو أدوا الخدمة العسكرية بشكل مشرف.

وبموجب هذا البرنامج، توافق الحكومة الأمريكية على “تأجيل” أي إجراء يتعلق بوضعهم كمهاجرين لمدة عامين، ومعظم المهاجرين الصغار في الولايات المتحدة ينحدرون من المكسيك ودول أخرى في أمريكا اللاتينية.

ربما يعجبك أيضا