حماس في القاهرة.. مؤشرات إيجابية على طريق المصالحة الفلسطينية ‏

حسام السبكي

حسام السبكي

في خضم التحسن الواضح في العلاقات بين السلطات المصرية وحركة المقاومة الفلسطينية حماس، مع جملة من التطورات، أو إن صح القول، التحولات الجذرية، في سياسة الحركة تجاه القضايا العربية، وبشكلٍ خاصٍ في مشروعها الوطني “ذي المرجعية الإسلامية”، والذي جاء في وثيقة تعريف الحركة وقامت حماس بعرضه من خلال موقعها الرسمي، في شهر مايو/ آيار الماضي، والذي قرر الانسلاخ من عباءة جماعة الإخوان وأيديولوجيتها، لترسم الحركة لنفسها مسارًا جديدًا يقوم على أساس العلاقات المتوازنة مع كافة دول المنطقة، والنأي بنفسها عن أي خلافات أو شؤون داخلية للدول العربية، يستعد وفد من الحركة برئاسة “إسماعيل هنية” الرئيس الجديد للمكتب السياسي لحركة حماس، و”يحيى السنوار” رئيس الحركة في قطاع غزة لزيارة العاصمة المصرية القاهرة ولقاءِ عددٍ من المسؤولين البارزين فيها، في التقرير التالي نسلط الضوء على أبعاد الزيارة، وأهم البنود المزمع التباحث بشأنها، إضافة إلى خلفية حول شكل العلاقات المصرية مع حماس خلال الفترة الأخيرة.

وفد “حمساوي” رسمي في القاهرة

فقد غادر، وفد رسمي من حركة “حماس” قطاع غزة، صباح اليوم السبت، متوجهًا في زيارة رسمية إلى العاصمة المصرية القاهرة، برئاسة “إسماعيل هنية” رئيس المكتب السياسي للحركة وبرفقة “يحيى السنوار” رئيس الحركة في قطاع غزة، وعددٌ من قياديي حماس، للقاء بعضٍ من المسؤولين المصريين.

وكانت حركة المقاومة الفلسطينية قد أعلنت في بيانٍ سابقٍ لها، أن رئيس المكتب السياسي للحركة اسماعيل هنية ورئيسها في قطاع غزة يحيى ‏السنوار غادرا قطاع غزة في زيارة إلى القاهرة لأول مرة منذ انتخابهما، وأكدت ‏مغادرتهما مصادر في معبر رفح الحدودي.

وقالت حماس، في بيان، إن هنية والسنوار توجها إلى القاهرة “للقاء المسؤولين المصريين على رأس وفد رفيع المستوى من قيادة الحركة في الداخل والخارج”.

وأضاف البيان، إن مسؤولي حماس سيبحثون “العديد من القضايا المهمة وخاصة العلاقات الثنائية مع مصر الشقيقة وسبل تطويرها وتعزيز التفاهمات مع القاهرة التي تمت خلال زيارة وفود الحركة السابقة وآليات تخفيف الحصار عن غزة وغيرها من الموضوعات التي تهم الطرفين”.

وأوضح أن البحث سيتناول كذلك “تحقيق المصالحة الوطنية” في الساحة الفلسطينية.

جدير بالذكر، أن قطاع غزة، قد شهد، أمس الجمعة، مسيرة نظمتها “حركة الجهاد الإسلامي”، طالبت السلطات المصرية المصرية، بالتدخل لاستئناف جهود إتمام المصالحة الفلسطينية، واستعادة الوحدة وإزالة الانقسام، ومطالبة الرئيس �أبومازن� بارسال وفد إلي قطاع غزة لبحث آليات تطبيق ‏المصالحة وفقا للاتفاقات التي تمت أخيرا في القاهرة، والمطالبة بتطبيق اتفاق ‏القاهرة 2011 الذي تم برعاية مصر، والتحذير من عقد المجلس الوطني لمنظمة ‏التحرير في رام الله دون توافق وطني مسبق.

العلاقات المصرية مع حماس.. تحسن ملحوظ

تشهد العلاقات بين القيادة المصرية وحركة حماس حالة من التحسن الإيجابي في الفترة الأخيرة، ولعل أكثر ما يدل على ذلك، هي اللقاءات الأمنية التي عُقدت بين الجانبين في الفترة الأخيرة.

فمع مطلع شهر يوليو/ تموز الماضي، توجه وفد سياسي من حركة حماس برئاسة عضو المكتب السياسي “روحي مشتهى” إلى القاهرة، لاستكمال ومتابعة ‏التفاهمات التي تمت بين الحركة ومصر خلال زيارة قام بها وفد للحركة في يونيو/ حزيران ‏الماضي، وذكر الناطق باسم الحركة آنذاك “فوزي برهوم”، في تصريحٍ صحفي له، أن الوفد يضم فريقا فنيا من وزارات مختلفة.

وقبل ذلك التاريخ، وعلى ذكر تلك التفاهمات بين القاهرة وحماس، ففي الثلاثين من يونيو/ حزيران الماضي، أمدت مصر قطاع غزة بـ 22 شاحنة وقود، بعد أن أرسلت القاهرة دفعة سابقة تضم 14 شاحنة وقود إلى القطاع وذلك في الرابع والعشرين من الشهر نفسه، وذلك لتشغيل محطات الكهرباء التي توقفت عن العمل بالقطاع، بعد النقص الحاد في الوقود، وعُدت المساعدات المصرية لقطاع غزة إشارة على تحسن نوعي في العلاقات بين القاهرة وحماس.

واليوم، أنهى وفد أمني من حركة “حماس”، زيارة إلى العاصمة المصرية القاهرة، التقى خلالها عددًا من كبار الضباط في جهاز المخابرات المصرية، والتي بدأت منذ الثلاثاء الماضي، وتم خلال اللقاء بحث عدد من الملفات ذات الطابع الأمني، من بينها ملفات المطلوبين الذين تطالب مصر حركة “حماس” بتسليمهم لها، إضافة الى ملف ‏ضبط الوضع على الحدود بين غزة وسيناء.

وذكرت مصادر مطلعة، أن أجواء المباحثات كانت مثمرة وإيجابية، وهي تأتي انسجاماً مع الروح الإيجابية السائدة بين “حماس” ومصر في الآونة الأخيرة؛ لا سيما بعد الزيارات الأخيرة المتتالية لوفود سياسية عالية المستوى من “حماس” للعاصمة المصرية وكان آخرها زيارة اسماعيل هنية، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” والتي تمت خلال الأسبوع قبل الماضي.

وكشفت مصادر مصرية، أن الملفات الأمنية التي كانت مطروحة على طاولة النقاش بين وفد “حماس” والمسؤولين المصريين، شملت الوضع الأمني في شبه جزيرة سيناء، ومراقبة الخط الحدودي الفاصل بين غزة ومصر، وملف معبر رفح البري ومسألة الممنوعين من السفر من اصحاب الاحتياجات الإنسانية، إضافةً إلى ملف المختطفين الأربعة الذين تم اختطافهم من حافلات مصرية رسمية بعد اجتيازهم معبر رفح قبل حوالي عام ونصف العام وتحديداً في الثامن من آب/أغسطس 2015.

موقف “حمساوي” متوازن من الأزمة القطرية

في أولى تصريحاتها تعقيبًا على الأزمة الأخيرة التي اندلعت بين قطر والدول العربية والخليجية والإسلامية، في شهر يونيو /حزيران الماضي، وجه “خليل الحية” عضو المكتب السياسي لحركة حماس دعوته، إلى حل الأزمة الخليجية مع قطر بالحوار.

وأشار “الحية” إلى أن ما يحدث في المنطقة العربية والإسلامية خاصة الأزمة الخليجية الأخيرة يعرضها إلى ‏مخاطر كبيرة سواء بتهديد مقدراتها أو مصالحها، مضيفًا أن الحركة تدعو إلى إنهاء الخلافات العربية وحل الأزمة الخليجية بالتفاهم والحوار تحصينا لوحدة ‏ومصلحة الأمة العربية والإسلامية، ولإعادة اعتبار مركزية القضية الفلسطينية‏.

وثيقة حماس.. بداية صفحة جديدة

في مستهل شهر مايو/ آيار من العام الجاري، فاجأت حركة المقاومة الفلسطينية “حماس”، كافة المراقبين والمحللين السياسيين، وحتى رجل الشارع العادي المهتم بالشأن العربي، والفلسطيني على وجه التحديد، بإعلان الحركة، فك ارتباطها التاريخي بجماعة الإخوان المسلمين، حيث نشرت الحركة عبر موقعها الرسمي على شبكة الإنترنت، وثيقة سياسية جاءت من 42 بندًا، تقدم خلالها تعريفًا بنفسها.

وجاء في مقدمة الوثيقة إعادة تعريف الحركة لنفسها على أنها حركة تحرر ومقاومة وطنية فلسطينية بمرجعية إسلامية، وهدفها تحرير فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني، بشكل اختلف عن ميثاق حماس الصادر عام 1988 عندما تم الإعلان عن انطلاق الحركة، حيث قيل بوضوح آنذاك أن الحركة جناح من أجنحة جماعة الإخوان المسلمين.

وسلطت الوثيقة الصادرة حديثًا، الضوء على عدد من الأهداف التي وضعتها حماس وعلى رأسها إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس على خطوط الرابع من يونيو 1967 مع عودة اللاجئين والنازحين إلى منازلهم التي أخرجوا منها، وهو ما أكدته في البند العشرين من الوثيقة الذي قالت فيه :”لا تنازلَ عن أيّ جزء من أرض فلسطين، مهما كانت الأسباب والظروف والضغوط، ومهما طال الاحتلال. وترفض حماس أي بديلٍ عن تحرير فلسطين تحريراً كاملاً، من نهرها إلى بحرها. ومع ذلك – وبما لا يعني إطلاقاً الاعتراف بالكيان الصهيوني، ولا التنازل عن أيٍّ من الحقوق الفلسطينية”.

في الوقت ذاته، ذكر البيان تأكيد الحركة على عدم الاعترافَ بشرعية إسرائيل وإن كل ما طرأ على أرض فلسطين من احتلال أو استيطان أو تهويد أو تغيير للمعالم أو تزوير للحقائق باطل، وجاء في وثيقة حماس بأن منظمة التحرير الفلسطينية هي إطار وطني للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج يجب المحافظة عليه، مع ضرورة العمل على تطويرها وإعادة بنائها على أسس ديمقراطية تضمن مشاركة جميع مكونات وقوى الشعب الفلسطيني وبما يحافظ على الحقوق الفلسطينية.

كما أكدت أن الصراع مع المشروع الإسرائيلي ليس صراعاً مع اليهود بسبب ديانتهم؛ مشيرة أن الحركة لا تخوض صراعاً ضد اليهود لكونهم يهوداً، وإنَّما تخوض صراعاً ضد المحتلين المعتدين، مشيرى الى أن دور السلطة الفلسطينية يجب أن يكون في خدمة الشعب الفلسطيني وحماية أمنه وحقوقه ومشروعه الوطني، مشددة على ضرورة استقلالية القرار الوطني الفلسطيني، وعدم ارتهانه لجهات خارجية، وتؤكد في الوقت ذاته على مسؤولية العرب والمسلمين وواجبهم ودورهم في تحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني.

وفي السياق ذاته قالت الوثيقة: إن حماس تؤمن بالتعاون مع جميع الدول الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني، وترفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول، كما ترفض الدخول في النزاعات والصراعات بينها، وأضافت أن حماس تتبنى سياسة الانفتاح على مختلف دول العالم، وخاصة العربية والإسلامية وتسعى إلى بناء علاقات متوازنة “يكون معيارها الجمعَ بين متطلبات القضية الفلسطينية ومصلحة الشعب الفلسطيني، وبين مصلحةِ الأمة ونهضتها وأمنها.

الخلاصة

وختامًا نؤكد، أن حركة المقاومة الفلسطينية حماس، تسعى لترتيب أوراقها وأوضاعها في المنطقة، في ظل توترات غير مسبوقة تشهدها، وتسعى من خلالها لمكانة أفضل على خارطة منطقة الشرق الأوسط، ولعلها اختارت الطريق الأفضل بالنسبة لها، بعيدًا عن مخاطر الإنزلاق في طريق التطرف والتشرذم والانهيار التام. 

ربما يعجبك أيضا