نحو جنوب أسيا.. إيران تمهد لممر بديل نحو باكستان والهند

يوسف بنده

رؤية – بنده يوسف
      حملَ الرئيس الأميركي دونالد ترمب -في تصريحاته الأخيرة- باكستان مسؤولية هزيمة واشنطن في أفغانستان، واتهم إسلام آباد، بأنها تمنح ملاذا آمنا لما وصفها بالمنظمات الإرهابية بينها حركة طالبان.

ورد المسئولون الباكستانيون بأن هذه التصريحات تعكر صفو التحالف القائم بين الجانبين منذ أكثر من ستين عاما. وقالت الحكومة الباكستانية إنه “لا يوجد بلد في العالم اضطر للتعامل مع خطر الإرهاب مثل باكستان”. كما أدان البرلمان بالإجماع موقف ترمب من إسلام آباد في استراتيجيته الجديدة تجاه أفغانستان، واعتبر أن التصريحات الأميركية اعتداء سافر على السيادة الباكستانية وتهديد لوحدة أراضيها.

وقال رئيس الوزراء الباكستاني شاهد عباسي، إن استراتيجية أمريكية في أفغانستان ستفشل كما فشلت التي قبلها، مؤكدا على خيار الحل السياسي للأزمة.

وقد أجل وزير الخارجية خواجة محمد آصف زيارته إلى واشنطن، واستبدلها بزيارة على رأس وفد رفيع إلى معسكر آخر، يبدأ من إیران إلى الصین وروسیا وتركیا.

الهدف

لا يستهدف ترامب باكستان، إنما يمارس سياسة الضغط عليها، فهو يبحث عن حلفاء مقبولين للعمل معه داخل أفغانستان، لاسيما أن باكستان لها علاقات قوية مع حركة طالبان عن طريق استخباراتها. وكذلك يريد ترامب إحراز تقدم للعمليات الأمريكية في أفغانستان للخروج بانتصار على الإرهاب في عهده. وأيضًا تدرك واشنطن تقارب روسيا وإيران من جماعة طالبان وهو ما يهدد التواجد الأمريكي في أفغانستان ومنطقة جنوب آسيا.

هناك تدخلات من عدة دول في أفغانستان، وبدأ معظمها في الآونة الأخيرة يتحالف مع حركة طالبان إلى جانب الحكومة الأفغانية، والهدف من ذلك تحقيق المصالحة بين الحكومة هناك وحركة طالبان بهدف تأمين مصالح هذه الدول وتحقيق مكاسب ما بعد المصالحة. أبرز هذه الدول، هي الهند وباكستان وإيران وروسيا والصين وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية.

لا تبتعد تصريحات “ترامب” عن استراتيجة واشنطن الجديدة”نحو آسيا” “في مواجهة الصين”، في عهد الرئيس السابق، باراك أوباما، فالتقارب بين إيران وروسيا حول أفغانستان وكذلك النفوذ الصيني هناك يُقلق واشنطن بشدة؛ ولهذا تضع ثقلها على الهند في مواجهة الصين، وتضع منطقة جنوب آسيا في قبضة نيودهلي، أي من أفغانستان حتى بنجلاديش. أي أن الشراكة التي تعلنها واشنطن مع نيودهلي في مواجهة الإرهاب، تستهدف بالدرجة الأولى الصين وروسيا وإيران. ولهذا السبب سارعت هذه الدول إلى دعم موقف إسلام آباد تجاه تصريحات ترامب، وأعلنت أن المقصر في الحرب على الإرهاب والتطرف هي واشنطن ذاتها.

الفرار إلى إيران

تدفع التحركات الأمريكية في منطقة جنوب أسيا، إيران وروسيا والصين إلى التعاون على حماية نفوذهم ومصالحهم هناك. وكذلك نجد أن باكستان حاولت الضغط على الولايات المتحدة عبر التقارب مع قوى آسيا وروسيا، وهو ما حاولت إيران توظيفه بما يعزز من مصالحها في منطقة جنوب آسيا. ولذلك اهتمت بزيارة وزير خارجية باكستان إلى طهران الذي التقى بالرئيس الإيراني حسن روحاني ولم يكتف بنظيره جواد ظريف.

وتزامن معها مشاروات أمنية مشتركة فيما يخص أمن الحدود بين البلدين. واهتم الإعلام الإيراني بهذه الزيارة، وكانت إسلام آباد حريصة على إيصال رسالة واضحة إلى واشنطن وحلفائها، حيث قام وزير الخارجية الباكستاني، بزيارة إلى مدينة مشهد المقدسة في إيران، وأكد أن بلاده مستعدة للتعاون في مجال توفير الامن والرفاه للباكستانيين الزائرين لمرقد الامام الرضا. وهو ما يعني أن المسألة المذهبية لا تعني باكستان شيئًا أمام مصالحها الإقليمية.

الغاز الإيراني نحو جنوب آسيا

ضغوط أمريكية وإقليمية تُمارس على باكستان من أجل تعطيل خط أنبوب الغاز المقرر انطلاقه من إيران نحو باكستان، وهو المعروف بخط أنابيب السلام، ومازال قيد الإنشاء بشكل بطيء من جانب باكستان.  وتطمح إيران إلى الانطلاق منه إلى أماكن أخرى مثل الهند.

وتلك الضغوط تضع باكستان في دائرة الحاجة إلى الطاقة وتستمر في واردات الغاز المسال الذي تستورده من قطر. أو تفكر في خطوط بديلة أكثر تكلفة مثل خط أنابيب تركمانستان-أفغانستان-باكستان.

إيران عازمة على التوجه نحو آسيا، وهو ما سيجعلها تجد أسواقًا لصادراتها، إلى جانب تحولها إلى محطة ترانزيت مهمة لاقتصاد دول مثل الصين وتركيا، فهي تمثل نقطة تلاقي لغرب ووسط وجنوب آسيا، وانطلاقًا من موقعها، قامت بإنشاء ميناء “تشابهار” على مدخل الخليج العربي، وعززت هذا الميناء بشبكة من السكك الحديدية وطرق مع المناطق الحرة، وربطه مع موانئ دول الجوار مثل سلطنة عمان وباكستان.

والهدف هو أن يكون التوجه نحو آسيا لا يقتصر على الطرق البرية التي تعيقها المشاكل السياسية ومناطق القتال والنزاعات بين الدول، فالوصول إلى الهند يعني أن إيران أمام عقبات كثيرة، منها: الخلافات الباكستانية الهندية والجماعات المتطرفة في باكستان والضغوط الأمريكية والسعودية على إسلام آباد، وعدم الاستقرار السياسي المستمر في باكستان.

ولذلك بعد رحيل رئيس الوزراء الباكستاني “نواز شريف” الذي مارست عليه واشنطن والرياض ضغوطا كثيرة لتعليق مشروع الغاز مع إيران، ووصول شاهد خاقان عباسی إلى رئاسة الوزراء، وهو صاحب الخبرة السابقة فى وزارة النفط، فمن المرجح أن يتم إحياء مشروع الغاز المسال في ميناء جاودر الباكستاني المقابل لميناء تشابهار الإيراني، وبذلك يصل الغاز الإيراني عبر هذا المسار. وكذلك سيلعب هذا الميناء دورًا في الوصول عبر النجارة إلى أفغانستان وباكستان والصين.

والوصول إلى الهند سيكون عبر تجنب باكستان، من خلال مد خطوط أنبوب تحت المياه ويصل إلى سلطنة عمان ومن ثم إلى الهند عبر خط بحري أو عبر محطات الإسالة، وهو ما كشفت عنه غرفة الصناعة والتجارة الهندية”اسوشام”. لن يكون من الواضح هل ستكون البداية في نقل الغاز عبر محطات الإسالة أم عبر خطوط الأنابيب المباشرة. 

لكن الواضح أن إيران تراهن كثيرًا على سلطنة عمان وعلى تنمية موانئها الجنوبية، وعلى صادرات النفط والغاز والكهرباء للحفاظ على نفوذها ومصالحها مع شركائها في منطقة جنوب أسيا في مواجهة المصالح الأمريكية والغربية.

وبالنسبة لتجربة الترانزيت، لا يجب إغفال تجربة ترانزيت التجارة والبضائع التركية إلى العراق وكوردستان وأذربيجان وقطر عبر الأراضي والموانئ الإيرانية.

ربما يعجبك أيضا