المرأة الحديدية.. ميراث مشرف في مواجهة “حفاري القبور”

كتبت – علياء عصام الدين 

“نريد أن ندعم الحافز لديكم حتى يكون بإمكاننا الوصول إلى أكبر عدد من الناس” هكذا حاولت المرأة الحديدية استقطاب المزيد من الألمان للتوجه للإدلاء بأصواتهم في انتخابات تاريخية تشهدها ألمانيا.

نتيجة لا يُعتقد أن تتكرر في التاريخ الألماني وهو احتمالية فوز المستشارة أنجيلا ميركل بولاية رابعة في انتخابات قد تسفر أيضًا وللمرة الأولى عن دخول حزب يميني متطرف البرلمان الألماني منذ أكثر من نصف قرن.

باشر الألمان اليوم الأحد عملية التصويت في الانتخابات الوطنية التي تشهدها ألمانيا، وعلى الرغم من المؤشرات التي تفيد بأن حزب ميركل المحافظ سيبقى التكتل الأكبر في البرلمان إلا أن انقسام المشهد السياسي الألماني يجعل من مسألة تشكيل ميركل لتحالف حاكم أمرًا ليس باليسير.

لقد شكلت أزمة ترك الحدود الألمانية مفتوحة أمام أكثر من مليون مهاجر في 2015 انتكاسة قوية في تاريخ ميركل السياسي، وفتحت الباب على مصراعيه لصالح حزب البديل من أجل ألمانيا، هذا الحزب اليميني المتطرف الذي استغل الاستياء الشعبي من ميركل ليكسب مزيدًا من الأوراق التي قد تدخله البرلمان الألماني.

ساهمت هذه الانتكاسات في جعل ابنه القس البالغة من العمر (63) عامًا أكثر قوة وجلدًا في مواجهة العقبات، حيث سارعت إلى السيطرة على مسألة المهاجرين لتعود مجددًا بحملة انتخابية ضخمة قدمت نفسها فيها كركيزة للاستقرار والسلام والمحبة في عالم أصبح أكثر اضطرابًا بعد أن هزه فوز ترامب نوفمبر الماضي.

المرأة الحديدية لم تتوانى لحظة في الوقوف شامخة مستندة على ميراث مشرف من الإنجازات أمام حفاري القبور جددت قناعاتها وتعهدت بمزيد من التطوير في اقتصاد البلاد بما يتوافق مع العصر الرقمي، كذلك الخروج من أزمة المهاجرين في البلاد التي خطت بها “ميركل” خطوات نحو إثبات عكس الشائع عن لاإنسانية السياسي.

إنه إيمان السيدة الأم بقيم الإنسانية جعلها تقف باتزان على أرض صلبة قوامها المبادئ والأخلاق على الرغم من الإخفاقات.

الآن ميركل في مواجهة (حفاري قبور الديمقراطية) فحزب البديل من أجل ألمانيا بالمرصاد قد يدخل البرلمان ويجعل من مهمة ميركل حال فوزها أكثر صعوبة وينذر بعهد جديد تخرج به ألمانيا من عهدها الثابت القائم على الهدوء وتوافق الآراء إلى عهد المناظرات العنيفة الشرسة في ظل عزوف جميع الأحزاب السياسية الكبرى عن العمل مع حزب البديل من أجل ألمانيا ستصبح عملية بناء تحالف سياسي بعد الانتخابات أمرًا في غاية الصعوبة.

ميراث مشرف

تظهر أحدث الاستطلاعات تفوقًا لصالح حزب المستشارة أنجيلا ميركل، على منافسها الأقرب لمنصب المستشار مارتن شولتس وسط تباين في توجهات المرشحين في ملفات الهجرة واللجوء، وتقارب في موقفهم في ملفات تركيا والإسلام، والأمن وبعض الملفات الاقتصادية لكن لماذ ميركل هي الأفضل والأقرب للفوز؟

في 2007 كانت ميركل رئيسة للمجلس الأوروبي وترأست مجموعة الثماني، وهي ثاني امرأة تشغل هذا المنصب.

لعبت ميركل دورًا محوريًا في مفاوضات معاهدة لشبونة وإعلان برلين، وكان تعزيز العلاقات الاقتصادية عبر الأطلسي واحد من أولويات ميركل ولعبت دورًا حاسما في إدارة الأزمة المالية على المستوى الأوروبي والدولي.

أشير إليها باسم “صاحبة القرار” في السياسة الداخلية، وإصلاح نظام الرعاية الصحية، والمشاكل المستقبلية المتعلقة بتطوير الطاقة.

تم وصفها على نطاق واسع بحاكم الأمر الواقع لزعامة الاتحاد الأوروبي، كما سميت مرتين ثاني أقوى شخص في العالم بواسطة مجلة فوربس، وهو أعلى تصنيف حققته امرأة.

لم تنسى ميركل أصلها كفيزيائية وقامت بزيادة حجم الميزانية السنوية المخصصة للبحث العلمي بشكل مثالي وبمعدلات ثابته فبثت روح المنافسة بين الجامعات وعززت التعاون بين المؤسسات البحثية الألمانية حتى أصبحت ألمانيا وجهة الباحثين الأجانب.

في 2015، سميت ميركل من قبل مجلة التايم شخصية العام مع صورة على غلاف المجلة واصفة إياها كمستشارة للعالم الحر.

في 2016 سميت أقوى امرأة في العالم برقم قياسي للمرة العاشرة من قبل فوربس.

يطلق عليها الألمان لقب “الأم”، لما يجدون فيها من عاطفة وإنسانية ظهرت جلية في موقفها تجاه اللاجئين وسياسة الباب المفتوح .

شهدت ميركل انهيار النظام المالي العالمي وسارعت إلى مد يد العون لجيرانها وواجهت بشجاعة أكبر أزمة هجرة إنسانية شهدتها أوروبا وطرحت لها الحلول.

وصفها المعارضون بـالخائنة كونها أبدت تضامنها مع اللاجئين إلا أنها لم تهتز وواجهت التحديات بقلب كبير.

لا غرابة أن تتمتع مثل هذه الشخصية بشعبية كبيرة وتصبح أقرب للفوز بولاية رابعة في حكم ألمانيا حيث كانت المحور الأساسي في جعل ألمانيا تلعب دورها الإقليمي والاقتصادي والسياسي والإنساني العالمي.

فإذا ما سألتَ أي مواطن ألماني عن سر ازدهار ألمانيا في السنوات الأخيرة فسيذكر حتمًا اسم انجيلا ميركل.

تلك المرأة التي تحمل أسرار الازدهار الاقتصادي والعلمي لألمانيا بين يديها، تحت قيادة ميركل استطاعت ألمانيا أن تصبح رائدة من رواد العالم في مجالات متعددة كالطاقة المتجددة والمناخ والبحث العلمي كما زاد تأثيرها في القطاع الاقتصادي قد تبدو ألمانيا مقارنة بالولايات المتحدة وبريطانيا بطيئة كالسلحفاة في قصة السباق مع الأرنب بيد أن خطواتها ثابتة وحثيثة وتضرب في العمق.

ربما يعجبك أيضا