هل اقتربت لبنان من انهيار اقتصادي محتمل؟

حسام عيد – محلل اقتصادي

أصبح الاقتصاد اللبناني غير قادر على تحريك عجلة النمو للخروج من نفق الركود المزمن، والذي أدخلته فيه المشكلات والمصالح الكفيلة بإلغاء أي قانون منقذ للاقتصاد.

تباطؤ النمو

تباطأ النمو السنوي للاقتصاد اللبناني إلى 1% من متوسط بلغ 8% قبل الأزمة السورية.

وبحسب أرقام صادرة عن البنك الدولي، بلغت التكلفة التراكمية على لبنان بسبب الصراع السوري 18.15 مليار دولار حتى نهاية 2015.

كما أنها سجلت عجزًا في الموازنة بلغ 4.9 مليار دولار في 2016.

تفاقم الديون

للسنة السادسة على التوالي منذ اندلاع الانتفاضات العربية، ولاسيما الأزمة السورية، يشهد الاقتصاد اللبناني ارتفاعاً في الدين العام بوتيرة أسرع بخمس مرّات من نموّه الاقتصادي.

ويبلغ معدل الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في لبنان 148% وهو من أعلى المعدلات في العالم.

وكانت وكالة “موديز” خفضت التصنيف الائتماني للديون السيادية للبنان في أغسطس الماضي وعزت ذلك إلى عبء الدين.

أزمة الضرائب

بات مُلحًا اعتماد لبنان نظامًا ضريبيًا حديثًا، يُبنى على مبادئ العدالة في توزيع العبء والجدية في الجباية بتعميمها على كل المناطق، وتوظيف حصيلتها في مشاريع خدماتية وإنمائية وليس فقط في الانفاق الجاري غير المنتج، كي يطمئن المواطن إلى أن وضعه الاجتماعي والمعيشي سيتحسّن في مقابل الموجبات التي يسددها.

وكان المجلس الدستوري اللبناني قرر في سبتمبر الماضي إبطال قانون الضرائب الذي أقره البرلمان لتمويل زيادات أجور القطاع العام.

وعزا المجلس في بيان القرار لأسباب من بينها أنه تم إقرار القانون “في غياب الموازنة وخارجها”.

زيادة الأجور ستكلف ما يقدر بواقع 1.38 تريليون ليرة لبنانية (917 مليون دولار) بينما ستدر الزيادات الضريبية إيرادات قدرها 1.65 تريليون ليرة (1.1 مليار دولار).

فيما وافقت الحكومة في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي على قانون جديد للضرائب لتمويل زيادة أجور القطاع العام، مما يشير إلى إنهاء أزمة دفعت الكثير من العاملين في القطاع العام إلى الإضراب.

لكن لا تزال أزمة تمويل سلسلة الرواتب مشتعلة في انتظار حسم مجلس النواب في جلسة الإثنين المقبل الموافق 9 أكتوبر الجاري، إقرار مشروع قانون التعديلات الضريبية الذي يمنع تعليق القانون 46 إذا سارت الأمور وفق سيناريو الاتفاق السياسي الأخير الذي سمح بدفع الرواتب على الأساس الجديد لشهر واحد.

تفاقم معدلات الفقر

لوحظ خلال السنوات الخمس الأخيرة ارتفاع ملموس في عدد الفقراء في لبنان، فبينما كانت معدلات الفقر من قبل تقارب الـ28% من إجمالي الشعب، زادت إلى 32% من الشعب اللبناني، منهم 8% يعيشون تحت سقف الفقر والفقر المدقع، بأقل من دولارين ونصف يومياً، بينما يعيش 24% تحت سقف الفقر الأعلى بأقل من 4 دولارات يومياً.

ويرجع تزايد معدلات الفقر بشكل رئيسي إلى ارتفاع البطالة بشكل ملحوظ بسبب النزوح السوري، فعدد العاطلين عن العمل زاد من 11% من إجمالي القوى العاملة إلى 25%.

وساهم الارتفاع الملموس في أسعار المواد الغذائية والمواد الاستهلاكية والإيجارات، مع تزايد الطلب بسبب النزوح السوري، في تفاقم الفقر، فضلاً عن انخفاض الأجور إذ يبلغ الحد الأدنى 450 دولار.

ويواجه شمال لبنان تحديات اقتصاديّة تعد من الأكثر حدة في لبنان فبحسب بيانات البنك الدولي المنشورة ضمن تقرير مُعد عن “الوظائف في شمال لبنان”، يحتل الشمال المرتبة الثانية بعد البقاع لناحية معدل الفقر، إذ إن 36% من سكان الشمال فقراء وتتجاوز هذه النسبة معدل الفقر على الصعيد الوطني البالغ 27%.

ويؤثر تدفق اللاجئين على فرص العمل في الشمال إذ تبلغ نسبة اللاجئين إلى عدد السكان نحو 32%، ويعيش فيها 29% من مجموع اللاجئين في لبنان، أي نحو 445 ألف شخص.

انهيار اقتصادي محتمل

توقعت دراسة بعنوان “الأزمة المالية في لبنان”، بدعم من مؤسسة “كونراد آديناور” و”بيت المستقبل”، أن يشهد لبنان أزمةً اقتصادية ومالية مدمرّة، تتخطى بأشواط عواقب الأزمة المالية التي شهدها البلد سابقاً، وقد تؤدي إلى انخفاض حاد في دخل الأسر وثرواتها، وزيادة حادة في حالات الإفلاس والبطالة، وضبابية حول المستقبل ما سيدفع بعشرات الآلاف من المواطنين إلى الهجرة.

الحديث عن انهيار اقتصادي محتمل ليس ابن ساعته، حيث تصاعدت منذ مدة التحذيرات من كارثة على مستوى لبنان في حال استمرت السياسة المالية على ما هي عليه من دون إحداث تغييرات جوهرية فيها.

السياسة المعتمدة القائمة على دعم ثبات سعر صرف الليرة دفعت بالمصرف المركزي إلى تقديم الدعم للمصارف في كل حين مما جعله يفقد معظم احتياطه، على الرغم من أن ثبات الليرة يقوم بالأساس على الاحتياط بالعملات الصعبة، وذلك لا يؤمّن إلا عبر الاستدانة وهو ما بات مستحيلاً نتيجة للديون الكثيرة التي أصبحت متراكمة على لبنان، أو عبر الصادرات وهو أمر صعب تحقيقه مع تراجع حجمها، أو عبر الاستثمارات الخارجية والتحويلات، وهي خاسرة أيضاً لأن الواقع اللبناني ليس جاذباً لرؤوس الأموال.

لايختلف الوضع المالي الراهن في لبنان كثيرًا عمّا شهدته اليونان في العام 2009، فلبنان يواجه عجزاً متنامياً في الموازنة يعادل 11% من إجمالي الناتج المحلّي، مايُترجَم في بلوغ الدين العام مستويات خطيرة، في ظل ارتفاع معدّلات الفساد وغياب النمو.

وما لم يتمّ إحداث تغييرات جذرية لإعادة احتواء عجز الموازنة، وتعزيز نمو سريع، فسيتّجه الوضع في لبنان حتماً نحو الانهيار.

ربما يعجبك أيضا