عبد الكريم قاسم.. 54 عامًا على اغتيال مؤسس الجمهورية العراقية ‏

حسام السبكي

حسام السبكي

تمر اليوم الذكرى الرابعة والخمسين على رحيل المؤسس الأول للجمهورية العراقية، في حقبة ما بعد الحكم الملكي، والذي كان له دور بارز في تحرير العراق من نير الاحتلال البغيض، وكذلك تخليص أراضي العراق من الإقطاعيين، فضلًا عن النهضة بالاقتصاد والتعليم في البلاد، وإكساب العراق قوة ومنعة جديدة لعهدٍ جديد، قبل أن تغتاله يد أعضاء حزب البعث والقوميين العرب بعد الانقلاب الشهير في عام 1963، إنه “عبد الكريم قاسم” رئيس الوزراء السابع والأربعين في تاريخ العراق.

من هو عبد الكريم قاسم؟

هو عبد الكريم قاسم بن محمد بن بكر بن عثمان الفضلي الزبيدي، المولود في الحادي والعشرين من شهر ديسمبر/ كانون الأول عام 1914، وهو ضابط عسكري وشغل منصب رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة في العراق، كما شغل منصب وزير الدفاع بالوكالة في الفترة بين عامي 1958 و1963، وهو يعد الحاكم الأول للعراق بعد الحقبة الملكية، ويعد أحد الرموز البارزة لثورة الرابع عشر من يوليو/ تموز عام 1958.

في يوم السبت الموافق للحادي والعشرين من شهر ديسمبر/ كانون الأول عام 1914، ولد “عبد الكريم قاسم”، لأسرة فقيرة اتخدت من محلة المهدية مستقرًا لها وهي تعد واحدة من الأحياء الشعبية في العاصمة العراقية بغداد، ولد “عبد الكريم قاسم” لأب من الطائفة السنية وكان يعمل بالنجارة، وأم من الطائفة الشيعية، وكان لقاسم شقيقان، الأكبر منهم هو حامد والثاني الأصغر هو لطيف، ولديه أيضًا شقيقتين، وعند بلوغه السادسة من العمر انتقلت أسرته إلى قضاء الصويرة في محافظة واسط العراقية، لعجز والده عن الإيفاء بالمتطلبات الحياتية للأسرة، وقد عمل فلاحًا بغرض تحسين دخله المادي، وقد التحق “عبد الكريم قاسم” بمدرسة الصويرة الابتدائية، وقد أمضى فيها 4 سنوات، قبل أن يعود إلى العاصمة العراقية بغداد بغرض إتمام تعليمه الابتدائي والثانوي فيها، وعقب تخرجها منها، اتجاه إلى قضاء الشامية التابعة لمحافظة الديوانية، ثم التحق بعدها بالسلك العسكري.

التحاق عبد الكريم قاسم بالجيش.. وثورة 14 تموز

شهد العراق في فترة ما بعد نهاية الحقبة الملكية، وميلاد الجمهورية العراقية، عهدًا جديدًا، ربما لا يعكر صفوه سوى الاضطرابات السياسية والتناحر الحاصل بين الأحزاب في المُعتاد بعد الثورات على السلطة، إلا أن العديد من الإنجازات والتغييرات السياسية كانت حاضرة في المشهد بقوة، فقد تغير نظام الحكم من الملكي إلى الجمهوري، كما أطلق سراح العديد من المعتقلين السياسيين والسجناء، وألغيت قرارات سابقة بنزع الجنسية من العراقيين، كما أطلقت الحريات العامة والأنشطة الحزبية في البلاد، وقد اعتبرت “حركة مايس 1941” إحدى حركات التحرر الوطنية في العراق، كما ساهمت الثورة أيضًا في التخفيف من المحكوميات بحق السجناء الأكراد، وشهدت البلاد أيضًا إصدار دستور 1958 المؤقت.

من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية، شهد العراق ما بعد ثورة 14 تموز، إلغاءً للنظام الإقطاعي، ودعاوي العشائر، فضلًا عن المناهج الدراسية التي تم تنقيحها لتلائم العهد الجمهوري الجديد، كما تم سن قانون الإصلاح الزراعي في البلاد، كما انسحب العراق من منطقة “الجنيه الإسترليني”، وشهدت الفترة ذاتها صدور القانون رقم 60 لسنة 1961، والخاص بتحديد المناطق الاستثمارية لشركات النفط في البلاد، والذي بموجبه سحبت 99.5% من الأراضي التي كانت ممنوحة في العهد السابق للشركات الأجنبية في البلاد، هذا، وقد تم توزيع العديد من الأبنية السكينة للعمال والموظفين من أصحاب الدخول المحدودة، كما تم بناء العديد من الأحياء السكنية للضباط وضباط الصف في كافة المحافظات العراقية، كما تم التوسع في بناء المدارس والمستشفيات، وشهد الجيش العراقي تسليحًا متميزًا من الاتحاد السوفيتي، كما فتحت الطرق للربط بين الريف والمدن، فيما صدر قانون الأحوال الشخصية الجديد والذي تم بموجبه المساواة بين الرجال والنساء في الحقوق والواجبات.

على المستوى السياسي أيضًا، عقدت الجمهورية العراقية في عهد “عبد الكريم قاسم”، اتفاقية مع الجمهورية العربية المتحدة، إلا أن العلاقة بين الجانبين لم تستمر كثيرًا، فقد شابها الخلافات بين الجانبين، وقد سلكت الحكومة العراقية في عهد قاسم، نهجًا لدعم الحركات التحررية والوطنية في المنطقة العربية، حيث قدمت المساعدات العسكرية والمالية لحركات التحرر في دولة عُمان ودول منطقة الخليج العربي، كما دعمت القضية الفلسطينية خلال احتفالات الأمم المتحدة، ودعت وقتها الحكومة العراقية إلى تشكيل جيش تحرير فلسطيني، وشهدت فترة “قاسم” كذلك عقد العديد من الإتفاقات والعلاقات مع الدول الإشتراكية والمحايدة، وذلك لتأكيد السعي العراقي الجديد للابتعاد عن خط العهد السابق الذي قصر التعامل على الغرب فقط، فيما انسحب العراق في عهد قاسم من الاتحاد العربي الهاشمي، ونجح في القضاء على النفوذ الأجنبي والبريطاني على وجه التحديد في البلاد.

انقلاب البعثيين والقوميين العرب.. ونهاية حكم عبد الكريم قاسم

شكل انقلاب البعثيين في الثامن من فبراير/ شباط عام 1963 (انقلاب 8 شباط)، نهاية عهد الجمهورية العراقية الأول بقيادة “عبد الكريم قاسم”، والذي أنهى حياة قاسم نفسه في اليوم التالي للانقلاب، بعد محاكمة صورية عقدها قادة الانقلاب العسكري، ليلقى “عبد الكريم قاسم” حتفه رميًا بالرصاص.

كان التحول الأهم والأبرز في حياة “عبد الكريم قاسم” في عام 1932، حين التحق بالقوات المسلحة العراقية، التي أعلنت حينها عن حاجتها لضباط جدد، فالتحق قاسم بالكلية العسكرية، وتخرج منها بتفوق عام 1934 ليتعين برتبة ملازم ثان، وتدرج في المراتب داخل الجيش العراقي حتى بلغ رتبة “زعيم ركن” أو “عميد ركن”، أما آخر منصب عسكري شغله قاسم فكان “آمر اللواء الـ19”.

شارك “عبد الكريم قاسم” في العديد من الحركات الوطنية والتحررية، كمان شارك أيضًا في حروب عدة، من بينها حرب فلسطين، وحركات الفرات الأولى، وشارك كذلك حركة “مايس” التحررية، والتي وقعت أحداثها في الأول من أبريل عام 1941، ونتج عنها الإطاحة بالأمير “عبد الإله الهاشمي” الوصي على العرش، وتشكيل حكومة عراقية جديدة بقيادة “رشيد علي الكيلاني”.

كما شارك “عبد الكريم قاسم” كذلك في العديد من الدورات العسكرية، والتي حصل خلالها على العديد من الأوسمة، وقد عُرف عنه دماثة الخلق، وتنبأ له الكثيرون بأنه سيكون أحد ضباط الجيش العراقي القديرين.

وكان تحت يدي “عبد الكريم قاسم”، تنظيم سري عُرف باسم “تنظيم المنصور” أو “المنصورية”، بعد ذلك جاءت مرحلة الانضمام إلى تنظيم الضباط الأحرار الوطني العراقي، بغرض توحيد جهود المعارضة الوطنية، حيث أصبح “عبد الكريم قاسم” أحد أعضائه، ومنه قاد ثورة الرابع عشر من تموز/ يوليو “ثورة 14 تموز”، بالتعاون مع “عبد السلام عارف”، الذي أصبح نائبًا له بعد ذلك، واستطاعت الثورة أن تنهي الحكم الملكي في البلاد، ليتم بعد ذلك الإعلان عن تأسيس الجمهورية العراقية الأولى، وذلك عبر الإذاعة العراقية في هذا الوقت، وقد تمخض عن الثورة أيضًا، اعتقال العديد من أفراد الأسرة الملكية الحاكمة فضلًا عن مقتل العديد منهم ومن المقربين إليهم، ليبدأ بذلك عهد جديد، وسط حالة من القلق والترقب المحلي والعربي والدولي من تلك الثورة.

العراق ما بعد ثورة 14 تموز.. إنجازات سياسية واقتصادية واجتماعية عديدة

ربما يعجبك أيضا