بعد موجة الهبوط.. هل تُنقذ الخرطوم “الجنيه” من الغرق؟

محمد عبدالله

رؤية – محمد عبدالله

24 .. 26 .. 28 مزاد أسعار انطلق فيه الدولار من عقاله في مواجهة الجنيه السوداني الذي تراجع بمتواليات متسارعة حيث امتزجت الدهشة بالحيرة والقلق لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع المعيشية في اقتصاد يعاني الهشاشة رغم غناه بالموارد.

انهيار غير مسبوق

رغم أجواء التفاؤل التي أشاعها القرار الأمريكي برفع العقوبات الاقتصادية على السودان وسط قطاعات واسعة من المواطنين، لم يمض سوى أسبوعين فقط كانت كفيلة بانهيار الجنيه السوداني أمام كافة العملات الأجنبية ليتجاوز سعره حاجز الـ27 جنيهاً أمام الدولار في السوق السوداء مقابل نحو 18 جنيهاً منذ نحو أسبوعين.

فبعد انخفاض قيمة الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية تبخرت على ما يبدو آمال السودانيين في الرخاء بعد رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية، اذ سرعان ما فوجئ الجميع بتحليق الدولار عاليا في سماء سوق الصرف مقابل العملة المحلية ليتجاوز 27 جنيهاً.

فشل السياسات النقدية

ثمة من ينتقد تصريحات حكومية سابقة ترى أن رفع العقوبات الاقتصادية سيكبح جماح الدولار، ويرى هؤلاء أن تدهور قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية ما هو إلا انعكاس لفشل السياسات النقدية الحكومية.

السياسات النقدية التي اتخذت في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي والتي كان من المنتظر أن تجتذب تحويلات المغتربين التي تقدر بنحو 4 مليارات دولار، لم تتمكن حتى منتصف العام الجاري من حصد أكثر من 150 مليون دولاراً !

وبحسب الخبراء فإن المشهد كله انعكاس للأوضاع الاقتصادية في بلاد يذهب جل ميزانيتها للإنفاق السياسي والأمني لمواجهة الحركات المسلحة أو المعارضة السياسية.

تعقيدات المشهد

يزيد من تعقيدات المشهد في السودان ارتفاع الدين الخارجي من 10 مليارات إلى 60 مليار دولار، فيما احتفظ الميزان التجاري بمتوسط عجز ناهز الـ 5 مليارات دولار منذ عام 2011.

فمنذ انفصال الجنوب في العام 2011 فقد الجنيه السوداني جزءاً كبيراً من قيمته فانتقل من  5 جنيهات للدولار الواحد إلى 25 جنيهاً أي أن الدولار قفز بنسبة 500%  خلال سنوات قليلة بعد أن ذهب الجنوب بأكثر من ثلثي النفط المصدر الأكبر لاستجلاب العملات الأجنبية.

إلا أن تصاعد الدولار هذه المرة جاء في وقت بشرت فيه الحكومة بانخفاضه إثر رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية على البلاد، حيث ارتفعت أسعار السلع الأساسية بشكل كبير تراجعت  معها القوة الشرائية وتسبب في إرباك السوق، كما استمر التضخم في السباق نحو الصعود متجاوزاً عتبة الـ 30 %.

حزمة إجراءات حكومية

لحماية ما تبقى من قيمة الجنية، أقرت الحكومة حزمة إجراءات لمواجهة المضاربين في الأسواق بأسعار الدولار، وهي إجراءت تصل لحد الاتهام بتخريب الاقتصاد الوطني وغسل الأموال وتمويل الإرهاب.

 كما أقرت الحكومة سياسات مصرفية خاصة بالاستيراد والتصدير تم بموجبه توقف شركات حكومية عن شراء النقد الأجنبي وتوجيه التمويل نحو مشروعات إنتاجية حقيقية، بالإضافة لمراجعة سياسات شراء الذهب وتصديره وهو ما أحدث نوعاً من الارتياح والأمل في التمكن من الإمساك بزمام الدولار.

ويبقى القول إن ارتفاع سعر صرف الجنية السوداني يرتبط أساساً برأي الخبراء بمستوى الإنتاج ومكافحة الفساد وتقليل الصرف الحكومي وليس بإلغاء العقوبات الأمريكية التي ظلت لعقود ترسخ اعتقاداً خاطئاً في السوق النقدي الأجنبي.

ربما يعجبك أيضا