هل يقرر الحشد الشعبي مستقبل الانتخابات العراقية المقبلة؟

يوسف بنده

رؤية

تتسارع وتيرة الاحداث السياسية في العراق، حيث بدأت ملامح نشاطات وتحركات الكتل والاحزاب السياسية للتهيئة للانتخابات المقبلة التي من المقرر اجراؤها في منتصف أيار العام الحالي، ولكن اللافت للنظر هو عملية تشكيل تكتلات وقوائم انتخابية مدعومة من أطراف اقليمية معروفة بعلاقتها مع فصائل مسلحة داخل العراق.

وهنا بالتحديد نشير إلى القائمة السياسية التي تتكون منها العديد من التشكيلات العسكرية المحسوبة على قيادات الحشد الشعبي التي شاركت في مواجهة الإرهاب وأدواته طيلة الثلاث سنوات الماضية التي شهدت النزاعات العسكرية بين القوات الأمنية وعناصر داعش في عموم المناطق التي تمت السيطرة عليها من قبل التنظيم.

فقد لاحت، الجمعة، معالم معركة حامية داخل العائلة السياسية الشيعية، مدارها استخدام ميليشيات الحشد الشعبي في الانتخابات القادمة المقرّرة لشهر مايو المقبل.

ويعدّ الحشد عشرات الآلاف من المقاتلين الشيعة، ويمكن أن يشكّل مع أسر المقاتلين، فضلا عن مناصريه والمعجبين بجهده الحربي في مواجهة تنظيم داعش، قوّة انتخابية قادرة على تحديد الفائز بتلك الانتخابات.

ويمثّل من هذا المنطلق ورقة ثمينة في أيدي عدد من كبار الساسة الشيعة الفاقدين للجماهيرية بفعل فشل تجربتهم في الحكم، من أمثال رئيس الوزراء السابق نوري المالكي المتحالف مع عدد من كبار قادة الميليشيات، والذي كثيرا ما قدّم نفسه مدافعا عن الحشد.

وبهذه الورقة يستطيع هؤلاء منافسة أعضاء آخرين في نفس عائلتهم السياسية مثل رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي الذي يبدو مقبولا لدى الشارع العراقي لما يظهره من سمات اعتدال، ومن رغبة في الإصلاح وتجاوز حدّة التقسيمات الطائفية والعرقية، وأيضا مثل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي اكتسب قدرا ملحوظا من الجماهيرية بتبنيه مطالب الإصلاح ومحاسبة الفاسدين.

وبرز العضوان في الحشد أحمد الأسدي وكريم النوري كقطبين للمعركة على استخدامه كورقة انتخابية.

وأعلن الأسدي قبل أيام استقالته من منصب الناطق الرسمي للحشد وتأسيس ما سمّاه “تحالف المجاهدين” في إحالة صريحة على ميليشيات الحشد التي شاركت في الحرب ضدّ داعش، وردّ عليه النوري الجمعة ببيان ناري اتهمه فيه باستغلال “الجهاد” لأغراض سياسية.

واعتبر كريم النوري القيادي في منظمة بدر أحد أبرز فصائل الحشد، أن الجهاد والمجاهدين عنوان كبير لا يمكن إقحامه في الحراك السياسي، معقبا على تشكيل قائمة انتخابية باسم “تحالف المجاهدين”، فيما شدد على أن الجهاد لا يمكن استغلاله لأغراض سياسية تكتنفها ما وصفه بـ”المصالح والمفاسد”.

أحقية الاستحقاق السياسي

ان المواجهة الاساسية التي يسعى اليها القائمون على هذه التشكيلات هي اعطاء صورة واضحة عن أهدافهم وتصوراتهم للمرحلة المقبلة من الحياة السياسية في العراق فهم يرون أنهم بعد أن تمكنوا من مواجهة الارهاب أصبح لديهم استحقاق سياسي في ادارة شؤون الدولة والسيطرة على القرارات السياسية والاقتصادية والامنية والاندفاع نحو تحقيق طموحاتهم في تعزيز دورهم في المجتمع العراقي وبسط نفوذهم السياسي وتحقيق غاياتهم في استمرارية تأثيرهم ووجودهم في الميدان.

وحسب حدة الدراسات العراقية، في مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية: من تلك الاهداف والمضامين الاساسية للدوافع الرئيسة التي تسعى اليها هذه التشكيلات العسكرية من اتحادها في قائمة انتخابية ما يلي:-

1. ترى بعض كتائب الحشد الشعبي وقادته الذين واجهوا الإرهاب وأدواته أن باستطاعتهم مواصلة عملهم وجهدهم في البناء السياسي وإدارة دفة الحكم في العراق بعد أن أسست الكتائب لمعايير وأهداف ميدانية أدت إلى عودة هيمنة الدولة وبسط نفوذها على جميع المناطق التي استولى عليها داعش منذ ثلاث سنوات وهي بهذا ترى انها الأجدر بقيادة البلد مستقبلا والأحق في الحفاظ على المكتسبات والإنجازات العسكرية التي تراها أنها تحققت بتضحيات كتائب الحشد الشعبي وهيئاته وقتالها.

2. بغية تحقيق الهدف السياسي بمشاركة بعض قادة الحشد الشعبي في الانتخابات المقبلة آثر العديد منهم ترك العمل أو الاستقالة من مهامه القتالية والتعبوية ليتفرغ لتحقيق طموحاته السياسية ومراعاة توجيهات رئاسة الوزارة بعدم السماح بمشاركة أي تكتل أو حزب سياسي في العراق بالانتخابات المقبلة إذا كان لديه أجنحة عسكرية مقاتلة.

3. تعزيز الجانب الريادي في توجيه هيئات الحشد الشعبي وتشكيلاته للراغبين في الانخراط بالعملية السياسية والمشاركة في تكوين قوائم انتخابية موحدة تشمل جميع القيادات العسكرية والميدانية للحشد الشعبي، وبهذا تستطيع أن تشكل لها عمقا استراتيجيا وميدانيا على الأرض معتمدة على مقاتليها المنضوين في تشكيلاتها العسكرية مع الاستناد للتضحيات التي قدمها على الأرض واعتمادها دافعا أساسيا يحقق لها التفوق الانتخابي.

4. تحاول قيادات هذه التشكيلات اعتماد الأساس في تكوين كتلها السياسية وقوائمها الانتخابية على معيار لا يتسم بالطائفية ولا المناطقية وذلك بالإشارة إلى مشاركة بعض قادة الحشود العشائرية العربية السنية معها التي قاتلت مع القوات الأمنية أو تشكيلات الحشد الشعبي في المناطق التي كان فيها مقاتلو داعش وقياداته.

5. بسبب العلاقة الميدانية التي تربط قيادات هذه التشكيلات العسكرية مع القادة والضباط الإيرانيين الذي عملوا مستشارين ميدانين لهم وقدموا لهم جميع التسهيلات العسكرية والتعبوية والاستخباراتية في تنفيذ العديد من الواجبات في جميع محاور القتال ضد داعش في العراق فإن القوائم الانتخابية لهذه التشكيلات ستحظى بدعم وإسناد سياسي من قبل النظام الإيراني تعزيزا لاستمرار فاعليته ودوره معها.

6. إن الإعداد المبكر لهذه الكتل والقوائم السياسية يشكل تنافسا ميدانيا واضحا مع أقطاب سياسية كبيرة ممثلة بالعبادي الذي يسعى لولاية ثانية وبدعم دولي وإقليمي وعربي واضح المعالم والدلائل ووجود منافسات لقيادات في أحزاب رئيسة، ومنها حزب الدعوة الذي أوضح حقيقة أهدافه وتطلعات قيادته لتولي المالكي لولاية ثالثة أخرى وسينعكس هذا التنافس بين جميع هذه القوى على طبيعة الحياة السياسية المقبلة في العراق، واستمرار العلاقة بين الأحزاب والكتل السياسية الأخرى المنضوية في التحالف الوطني وتحديدا العلاقة مع كتلة دولة القانون حيث لا يزال رئيس الوزراء حيدر العبادي أحد قادتها الرئيسيين.

إن هذه القراءة الميدانية والرؤية السياسية للأحداث التي تتسارع في العراق تجعل من الممكن النظر إلى مستقبل التحالفات السياسية المقبلة بأنها ستؤدي إلى انقسامات واختلافات هدفها الهيمنة والسيطرة على القرار السياسي السياسي العراقي لفترة 4 سنوات مقبلة وتشكيل أحزاب سياسية جديدة قياداتها كانت تمثل الدعامات الرئيسية في تشكيلاتها السابقة.

ربما يعجبك أيضا