2017.. أمريكا في مرمى الكوارث الطبيعية

محمد عبدالله

رؤية – محمد عبدالله

تسعدنا الطبيعة كثيرًا لكنها تقسو علينا أحيانًا وعندما تغضب لأسباب قد نعلم بعضها ونجهل كثيرًا منها، لا يكون أمامنا خيار سوى السعي للتقليل من حجم الأضرار قدر الإمكان.

“غرق أمريكا”.. “الهروب الكبير”.. “إعصار إرما”.. و”فيضانات غير مسبوقة” عناوين اعتاد المواطن الأمريكي على سماعها في العام 2017، بعدما شهدت البلاد أسوأ موجة مناخ في تاريخها، أسفرت عن خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات فاقت كل التوقعات.

“هارفي”، “إرما” و”ماريا” اختلفت المسميات والفاجعة واحدة، ضحايا بالعشرات وخسائر في الممتلكات تقدر بعشرات المليارات.

ولأن المصائب لا تأتي فرادى، فقد رأي البعض في “الكوارث” المناخية التي ضربت أمريكا “رسالة غضب” من السماء للبلد التي طالما تسببت في قتل وتشريد الملايين في أنحاء متفرقة من العالم، وأيضًا رسالة مؤداها “مهما بلغ تقدمكم واقتصادكم فأبسط جند الله تسحقكم”.

إعصار هارفي

“الخسائر تقدر بالمليارات ونحتاج وقتاً طويلاً لإعادة الإعمار” هكذا جاءت تصريحات حاكم تكساس “جريج أبوت” لوسائل الإعلام الأمريكية تعليقا على حجم الدمار الذي خلفه إعصار “هارفي” الأقوى منذ إعصار كاترينا عام 2005 والأعنف على تكساس منذ ستينات القرن الماضي والذي خلّف أكثر من 30 شخصاً ودمر آلاف المنازل في ولاية تكساس الأمريكية.

“هارفي” الضيف الذي أحدث ارتباك لدى متخذي القرار في البيت الأبيض، حوّل مدناً بكاملها إلى منكوبة ودفع السلطات إلى إعلان حالة الطوارئ في نحو 50 منطقة، وتسببت الأمطار التي وصفها المركز الوطني للأعاصير بـ”غير المسبوقة” في عزل هيوستن رابع أكبر المدن الأمريكية وإغلاق مطاراتها وطرقها السريعة.

فمن عاصفة شديدة إلى إعصار من الدرجة الرابعة وصلت سرعته الى نحو 215 كم/ س، بدأ هارفي رحلته متجهاً إلى مناطق الجزء الأوسط من ساحل تكساس ومن خلفها، في تحد هو الأكبر لترامب منذ تسلمه مهامه في يناير 2017.

واحد من أكبر الأعاصير التي ضربت الولايات المتحدة وتسببت في فيضانات كبيرة حشد خلالها نحو 12 ألفا من الحرس الوطني لمواجهة الكارثة التي لم تتضح معالمها إلا مع تراجع المياه تدريجيا، إذ بدت بعض الأحياء غارقة في المياه ولن تكون صالحة للسكن قبل عدة أشهر، حتى يتم إخراج المياه تماماً وإتمام عملية الإعمار .

إعصار إرما

إحدى صور غصب الطبيعة كانت في فلوريدا حيث تسبب إعصار “إرما” في فيضانات كارثية بعد وصول تقديرات بالخسائر إلى ما يقرب من  100 مليار دولار، إضافة إلى تسببه في انقطاع الكهرباء عن 4 ملايين منزل، فيما شملت عمليات الإخلاء الإجباري والجزئي والطوعي، نحو 6.5 ملايين نسمة في مشهد أطلق عليه “الهروب الكبير”.

ساعات قليلة كانت كفيلة بأن تحول طرقات ولاية تكساس إلى أنهار جارفة، ومسطحات مائية غمرت حتى الجسور، أما الأشجار الباسقة فأصبحت تبدو كأنها شجيرات على حافة أنهار.

هبت الرياح بقوة تقارب 200 كم/ الساعة وغمرت المياه أحياء بكاملها واقتلعت من الأرض ما استطاعت، وتحولت مناطق بكاملها إلى مدن أشباح منهم من سافر إلى منطقة بعيدة عن الإعصار ومنهم من احتمى بمركز إيواء أعد خصيصاً حتى انتهاء كابوس غضب الطبيعة.

عين إعصار إرما على فلوريدا وعيون كثيرين كانت على طريقة إدارة الأزمة بأقل الأضرار في الأرواح والممتلكات، إذ  كان من الممكن حدوث الأسوأ لولا أن السلطات الأمريكية أصرت على إجلاء نحو 6 ملايين من ولاية فلوريدا، لأن الإرادة كانت تجاوز الخطر والحفاظ على الأرواح.

أعلن ترامب حالة الطوارئ في الولاية معتبرًا إياها منطقة كوارث، إجراء أتاح للولايات الجنوبية الاستفادة من مساعدات فيدرالية إضافية لمواجهة ما دمره إرما، بعدما قدرت بعض المؤسسات المختصة حجم الخسائر بنحو 100 مليار دولار .

أحد أبرز الأسباب وراء العديد من الكوارث المناخية التي شهدتها ولايات مختلفة في أمريكا على مدار العام 2017، هو التغير المناخي نظراً لأن الاحتباس الحراري يؤثر على ارتفاع منسوب المياه في البحار ويزيد من القوة التدميرية للأعاصير.

وهو ما يذكّرنا بخيبة الأمل التي أصابت قادة العالم إثر انسحاب الولايات المتحدة تحت إدارة ترامب من اتفاقية باريس لمكافحة تغير المناخ، مثيراً بذلك قلقا بشأن مستقبل الاتفاقية وعلاقات واشنطن بدول العالم، قبل أن يكون المواطن الأمريكي الذي انتخب ترامب هو أول ضحايا القرار “الطائش” الذي اتخذه ترامب بشأن اتفاقية المناخ.

في هذا التقرير نسلط الضوء على أبرز الكوارث الطبيعية التي ضربت الولايات المتحدة خلال العام 2017:

إعصار ماريا

لم تكد الولايات الأمريكية تخرج من إعصاري هارفي وإرما حتى اشتدت قوة الإعصار “ماريا” ليصبح من الفئة الخامسة منذراً بـ”كارثة” عند وصوله إلى جمهورية الدومينيكان في منطقة الكاريبي التي تعرضت لأكبر دمار في تاريخها جراء الإعصار.

الأمر الذي دفع سكان الجزر إلى انتقاد إدارة ترامب لبطئها في تقديم الإغاثة للضحايا، وهو ما رفضه ترامب وبدلا من مواساة هؤلاء المنكوبين اتهم ترامب من منتجع الجولف الفخم الذي يملكه في فلوريدا، البورتوريكيين بأنهم “يريدون أن يفعل آخرون ما يترتب عليهم”.

وانتقد البعض بشدة تصريحات للرئيس الأمريكي يتساءل فيها عمن سيسدد فاتورة إعادة الإعمار نظراً إلى مديونية بورتوريكو، في وقت يواجه سكانها أخطاراً تهدد حياتهم، وهو ما أغضب سكانَ الجزيرة متهمين إياه بالتعاطي مع البورتوريكيين على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، وهم أمريكيون غير أنهم لا يملكون حق التصويت في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

وبينما شهدت مناطق واسعة من بورتوريكو انقطاعا للتيار الكهربائي ومياه الشرب والاتصالات بعد أيام من عبور الإعصار ماريا، ذكرت تقارير ميدانية أن هناك بلدات في الجزيرة تفتقر إلى أي جهاز فيدرالي أو محلي لتقديم الإغاثة.

وشوهدت طوابير طويلة أمام محطات الوقود في سان خوان، حيث نظمت شركات أمنية خاصة دوريات، في حين قال سكان المناطق الداخلية إن المراسلين كانوا أول الوافدين من خارج مناطقهم.

إدارة الأزمة

كل الإجراءات التي اتخذت نجحت بشكل أو بآخر في إنقاذ أرواح الملايين، إذ لم يترك شيئاً للصدفة أو الارتجال أو تحميل القدر مسبقاً مصائب الإعصار حتى المناطق التي أخليت من سكانها تماماً تسيّر فيها الشرطة متى سمحت الظروف المناخية دوريات لمنع عمليات السلب والنهب.

إدارة الأزمات الناجمة عن الكوارث ثقافة مفقودة في كثير من الدول نجحت أمريكا في مواجهة إعصار مدمر ضرب ولاية بحجم دولة أو أكبر.

 في أماكن أخرى من العالم إذا زادت الأمطار بضع قطرات عن نسبتها المعتادة يموت الناس غرقاً في بيوتهم وفي الشوارع.

فعندما تكون هناك دولة حقيقية بمؤسسات وتخطيط لكل شيء حتى “عين” إرما مقدور عليها، وعندما يكون العكس عواصف السياسة وتقلبات الطبيعة وبغض النظر عن سرعتها تترك وراءها الخراب والموت.

حرائق كاليفورنيا

شهدت ولاية كاليفورنيا عدداً من الحرائق خلال العام 2017 والذي اعتبر كونه الأسوأ على الإطلاق في التاريخ الأمريكي بعد ارتفاع عدد الضحايا للآلاف أثناء مغادرة مناطق سكنهم.

في الغالب تجتاح الحرائق الغابات غرب الولايات المتحدة خلال فصل الصيف، إلا أنها كانت الأسوأ لهذا العام، فقد دمرت النيران ما يقرب من 864 كيلومترا مربع في المناطق السكنية والغابات، كما تسببت في تدمير نحو 5700 منزل ومتجر بحسب إدارة الإطفاء.

دفعت السلطات الأمريكية بأكثر من 10 آلاف رجل إطفاء لمكافحة الحرائق الضخمة المستعرة في عدة مقاطعات بالولاية تسببت في سقوط عشرات القتلى وإجلاء عشرات الآلاف من منازلهم، بعدما أعلن الرئيس ترامب حالة الطوارئ في الولاية ما يتيح لها  الاستفادة من إمكانات الحكومة الفيدرالية لمواجهة الحرائق الضخمة.

وأكد البيت الأبيض في بيان أن ترامب “أمر بأن تأتي المساعدات الفدرالية لإسناد جهود الإنقاذ المحلية في المناطق المتضررة من حرائق الغابات التي بدأت في 8 تشرين الأول/أكتوبر وما زالت مستمرة”.

أعاصير وسيول وحرائق وكأنها رسالة غضب من السماء لأمريكا التي لطالما تغنت بقوتها اقتصادياً وسياسياً وتكنولوجياً لعقود مضت وإلى الآن، فهل يعي الساسة والمسؤولون رسالة السماء !
https://www.youtube.com/watch?v=-CXudw8lXu4



ربما يعجبك أيضا