من هوليود إلى البرلمان البريطاني.. انتفاضة ضد”التحرش” تكسر الصمت وتكشف المستور

أماني ربيع

أماني ربيع

منحت مجلة “تايم” الأمريكية لقب شخصية العام لـ “نساء كسرن الصمت” وحركة “#MeToo ” التي أطلقت بهدف زيادة الوعي حول الاعتداءات الجنسية والتي استجابت لها النساء بل والرجال حول العالم، لتكشف المستور عن قصص تورط نجوم ومنتجين ونواب برلمان وسياسيين كبار في قضايا تحرش وسلوكيات غير مرغوب فيها مع الأصغر سنا وأقل خبرة، معتمدين على قوة مركزهم، وضعف الطرف الآخر الذي سيضطره للصمت خوفا على مستقبله، لكن هذا النوع من الجرائم لا يسقط بالتقادم فهناك اتهامات تعود لـ 30 عاما مضت وأكثر، وحان الوقت لمعاقبة الجناة. 

ظهر على غلاف مجلة “تايم” مجموعة من نجمات هوليود اللاتي كشفن عن معاناتهن مع التحرش خلال تصوير الأفلام، مثل آشلي جود وروز ماكجوان، وإلى جانبهن ظهرت الناشطة تارانا بروك مؤسسة حملة هاشتاج “#MeToo “، وارتدين جميعهن اللون الأسود رمزا للحداد على سنوات من المعاناة الصامتة.

لكن السؤال هو كيف بدأ كل ذلك؟

حجر في مياه راكدة

وبعد ذلك أعلنت إدارة البرنامج التلفزيوني الأمريكي “مقابلة مع شارلي روز”، عن وقف مقدم البرنامج، وتعليق إذاعة حلقاته على قناة سي بي إس نيوز عقب انتشار مزاعم تتهمه بـالتحرش الجنسي، بعدما نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريراً عن 8 سيدات زعمن فيه تعرضهن للتحرش الجنسي من قبل مقدم البرنامج شارلي روز ، منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى العام 2011.

وفي بيان موقع تويتر، قال مقدم البرامج المخضرم: “أعتذر بشدة عن سلوكي غير اللائق، وأنا أشعر بحرج شديد، كنت أشعر بوجود مشاعر مشتركة، رغم أنني أدركت الآن أنني كنت مخطئا”.

وهناك نجوم آخرين أعيد فتح ملفاتهم القديمة مع التحرش مثل المخرج رومان بولنسكي، والمخرج وودي آلن، وغيرهم.

نضال الهاشتاج

حركت الاتهامات الموجهة إلى المنتج الأمريكي هارفي وينشتاين المياه الراكدة وكشفت عن الوجه القبيح لهوليود كغابة للمتحرشين، بعد نشر تحقيق بصحيفة The New York Times الأمريكية خرجت من خلاله العديد من الممثلات والعاملات بمجال صناعة السينما عن صمتهن مثل آشلي جاد وروز ماكجوان، وهو التحقيق الذي فجر أزمة لطالما أجادت هوليود دفنها، خاصة وأن النجمات في الماضي لم يرغبن في ارتباط أسمائهن بقضايا تحرش خوفا على ضياع فرص سينمائية مهمة.

عقب نشر التحقيق اضطرت شركة The Weinstein Company لإقالة هارفي بسبب سوء سلوكه، كما استقالت محامية وينشتاين ليزا بلوم ومستشاره الخاص لاني ديفيس فيما بعد.

ولم يكن أمر التحرش جديدا على وينشتاين الذي يواجه تهما تعود إلى 30 عاما، ولم تكن الاتهامات مجرد كلام مرسل، بل شهادات موثقة من موظفين حاليين وسابقين في مجال صناعة السينما، وتضمن أيضا تسجيلات قانونية، ورسائل البريد الإلكتروني، ومستندات سرية حصلت عليها صحيفة “نيويورك تايمز” من شركتي Miramax، وWeinstein.

ونفى وينشتاين بعض الاتهامات، لكنه اعتذر وقال: تسببت الطريقة التي تعاملت بها مع زملائي في السابق في الكثير من الألم، وأنا أعتذر بصدق عما بدر مني.

وقالت محاميته السابقة ليزا بلوم: لقد تعلم من أخطاء الماضي، والآن يقرأ الكتب ويذهب إلى جلسات علاج نفسي.

أزمة في هوليود

وللمرة الأولى منذ حوالي 30 عاما، سيغيب المنتِج الحائز على جائزة الأوسكار عن الموسم الذي طالما سيطر عليه.

وفي خطوة جريئة قامت أكاديمية الأوسكار بطرده من عضويتها إلى الأبد، رغم أن شركة وينشتاين طالما نافست مع بعض شركات رئيسية أخرى على جائزة أفضل فيلم في سباق الأوسكار، بل وتمكنت شركته أحيانا من المنافسة على أهم جائزة في الأوسكار بأكثر من فيلم، وتحديدا في عام 2003 الذي رشحت فيه ثلاثة أفلام من إنتاجه للمنافسة على جائزة أفضل فيلم التي لا تضم أكثر من خمسة أفلام.

ويعتبر وينشتاين أول من لجأ إلى فكرة الحملات الترويجية لدعم أفلام محددة من أجل الترشيح والفوز بالأوسكار عبر  شبكة علاقات قوية مع الصحفيين والنقاد المؤثرين في الرأي العام، والنقاد، وإحداث نزاعات وهمية لجعل الفيلم في أذهان الجميع.

والمشكلة أن أزمة المنتِج لم يكن تأثيرها شخصيا فحسب، فمداها طال صناعة السينما في هوليود هذا الموسم، وبدأت مجموعة من الأسئلة تتداول بين العاملين في المجال، خاصة مع اقتراب موسم الجوائز في هوليود، مثلا: كيف ستتعامل حفلات الجوائز مع قضية التحرش الجنسي التي فرضت نفسها على أخبار صناعة السينما الأمريكية، وهل سيكون هناك فقرات تتناول الموضوع بشكل ساخر أم سيفضلون تناوله بجديا حرصا على مشاعر ضحايا الاعتداءات.

وقررت عدد من نجمات هوليوود ارتداء فساتين سوداء اللون، خلال حفل توزيع جوائز “جولدن جلوب”، يوم 7 يناير المقبل، احتجاجا على الاعتداءات الجنسية التي تطال نساء ورجال المهنة، وبين هؤلاء النجمات وفقا لمجلة People، إيما ستون وجيسيكا شاستين وجنيفر لورانس بهدف فضح المتورطين وتغيير الأوضاع القائمة أيضًا.

وهكذا ما بدأ بتحقيق مع مجموعة بسيطة من الممثلات، جعل كرة الثلج تكبر وتتضخم لتشجع المزيد من النجوم والنجمات على الخروج عن صمتهن والحديث عن تعرضهن للتحرش على يديه، ووصلت لائحة النجمات التي اتهمنه إلى أكثر من 30 نجمة، بينهن نجمات من وزن أنجلينا جولي وجوينث بالترو، وكيت بيكنسل، وروزانا أركيت، وغيرهن.
 
الرجال أيضا ضحايا

لم يقتصر الأمر على الشهادات النسائية، فقد اعترف ممثلون رجال بأنهم تعرضوا لانتهاكات شبيهة على يد مشاهير مثل كيفين سبيسي، الذي فضحه الممثل أنتوني راب عبر لقاء مع موقع BuzzFeed وقال إن كيفين تحرش به عندما كان أنتوني مراهقا في الرابعة عشر، عام 1986.

وأكد الاتهام سبيسي نفسه الذي اعتذر في بيان عما بدر منه، أعلن فيه أيضا عن ميوله الجنسية كرجل مثلي في مفاجأة لكل عشاقه ومحبيه.
ونتج عن عاصفة الاعترافات تلك أن أعلنت الأكاديمية الدولية للعلوم والفنون التلفزيونية، عن سحب جائزة “إيمي” من كيفين .

 قررت شبكة Netflix أن يكون الموسم السادس، الذي بدأ تصويره بالفعل، من مسلسل House Of Cards هو الأخير،  حيث سيكون من الصعب التهاون مع أي ممثل تورط في مثل هذه الانتهاكات في ظل حراك هوليوود ضد التحرش والاستغلال الجنسي.

ودفعت شجاعة أنتوني راب، عددا كبيرا من الممثلين وصناع السينما الرجال في هوليوود إلى الخروج عن صمتهم وفضح اعتداءات سبيسي.

وبحسب موقع CNN، فإن كيفين سبيسي حول موقع تصوير مسلسل House Of Cards إلى مكان للتحرش والانتهاكات الجنسية، وذلك بناء على شكاوي مقدمة من قبل 8 أشخاص من فريق العمل.

وردا على ذلك أصدرت MRC -الشركة الثانية المسؤولة عن إنتاج المسلسل بالتعاون مع Netflix- بيانا يؤكد صحة الادعاءات، ويشير إلى أن وقائع التحرش الجنسي التي ارتكبها سبيسي تعود إلى عام 2012، واعتذرت الشركة عن جهلها بهذه الاتهامات التي لم تعرفها إلا عن طريق الصحافة.

وبسبب ذلك خسر سبيسي فرصة حصوله على الأوسكار مجددا عن دوره في فيلم ريدلي سكوت All The Money In The World، عبر حملات من الشركةا لمنتجة لكن كل ذلك توقف خاصة وأن سكوت قام باستبدال كيفن بعد تصويره لمشاهده بالفعل بالممثل كريستوفر بلامر رغم ما كلف ذلك من وقت تعدى الأسبوع وميزانية تخطت 10 مليون دولار، وخسر سبيسي فرصة الترشح لجائزة جولدن جلوب التي ترشح لها بلامر عن التمثيل وسكوت عن الإخراج.

كيسي أفليك

بعد قرار إلغاء عضوية المنتج هارفي وينشتاين من أكاديمية الأوسكار، فتح الأمر باب النقاش حول فصل أعضاء آخرين منهم المخرج رومان بولانسكي، والممثل بيل كوسبي، وكيسي أفليك نظرًا لتورطهم في فضائح مشابهة.

وحرص كيسي أفليك الذي حصل على الأوسكار العام الماضي عن دوره في فيلم Manchester By The Sea، وعدم التعليق على أي من الأخبار المتداولة في وسائل الإعلام، حتى لا يتذكر البعض حادثة تورطه في تحرش لفظي وجسدي بالمصورة السينمائية ماجدالينا جوركا، والمنتجة أماندا وايت، أثناء تصوير فيلمه I’m Still Here عام 2008،  ونفى الممثل وقتها الأمر وأكد أنه سيقاضيهما لتشويه سمعته، لكن بعد وقت قصير توصل الطرفان لاتفاق ومبلغ مادي لم يكشف عنه.

وقدم المخرج كاميرون بوستر من تقديم عريضة إلى الأكاديمية بهدف منع كيسي أفليك من حضور حفل الأوسكار لعام 2018.

داستن هوفمان

وعلى خط النار يقف أيضا النجم داستين هوفمان الذي اتهمته الكاتبة آنا جراهام بالتحرش بها أثناء تصويرفيلم Death of a Salesman، واعتذر النجم ذو الثمانين عاما عن سلوكه السابق في حق الكاتبة التي كانت في سن17 عندما قام بالتحرش بها، ليواجه اتهام الكاتبة والمنتجة ويندي ريس الممثل الأمريكيبالتحرش الجنسي بها أثناء اجتماع عمل في عام 1991، وكانت حينها في العشرين.

شارلي روز

التقطت الناشطة تارانا بروك طرف الخيط وقررت أنه لا مجال للصمت بعد الآن، ودشنت هاشتاج “#MeToo ”  الذي تصدر التريند على مواقع التواصل الاجتماعي، واستجابت له آلاف النساء ليتبادلن حكاياتهن مع التحرش والاعتداءات الجنسية.

وتبنى منظمو الهاشتاج وجهة نظر مفادها أن النقاش حول التحرش في هوليوود سيتسع ليشمل قطاعات أخرى إذا دفعه الناس إلى ذلك،  ولن يتسع من تلقاء نفسه”.

ولم يقتصر الأمر على العاملات في الفن فحسب، فشاركت لاعبة الجمباز الأمريكية مكايلا ماروني في الحملة بقصتها الخاصة، معلنة عبر حسابها على تويتر تعرضها للتحرش على يد طبيب فريقها السابق، لاري نصار حين كانت في 13 من العمر، وتكرر الأمر حتى اضطرت أن تترك الرياضة، وقالت:  “يجب أن يعرف الناس أن هذا لا يحدث فقط فى هوليوود، كنت أحلم بالوصول إلى الألعاب الأولمبية، لكن كان هناك أشياء يجب أن أتحملها أيضا مثيرة للاشمئزاز.

وبدأت المسيرات تخرج من قلب هوليود لدعم ضحايا الاعتداءات التي بدت كأنها أمرا طبيعي في الحياة الأمريكية، نظم مئات الأشخاص مسيرة، أمس الأحد، في قلب مدينة هوليوود الأمريكية دعمًا لضحايا الاعتداءات والتحرش الجنسي، بعد حملة على وسائل التواصل الاجتماعي صورت مثل تلك الاعتداءات كسمة منتشرة في الحياة الأمريكية.

وكان المشاركين نساء ورجال أكدو أن الاعتداءاتا لجنسية ليست موجهة للنساء فقط بل للرجال أيضا والأطفال، وقال ستيفن ميرفي(51 عاماً)، من لوس أنجلوس، إنه “يرى واجه تحرشاً جنسياً أثناء عمله محاسباً في صناعة الرعاية الطبية”.

وأضاف “لدي تجارب شخصية لأصدقاء وزملاء في العمل تعرضوا لتحرش ولم يحدث شيء نتيجة ذلك على الإطلاق،تم تصويرهم على أنهم المذنبون. وتعرضوا لضغوط ومضايقات من الشركة بسبب إعلان اعتراضهم على الاعتداء والتحرش الجنسي في مكان العمل”.

تداعيات عالمية

فرنسا

 وفي استجابة عالمي للحراك ضد التحرش امتدت ثورة هوليود إلى فرنسا حيث طالبت نحو 100 شخصية نسائية شهيرة في أوساط الفن والإعلام والسينما الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، باعتماد “خطة طوارئ” لمكافحة العنف الجنسي بعد سلسلة من الاتهامات بالتحرش والاعتداء الجنسي بينها اتهام لنائب في حزب ماكرون نفسه.

وفي رسالة موجهة إلى ماكرون، نشرت في صحيفة “لوجورنال دو ديمانش”، قالت الناشطة الفرنسية، كارولين دي هاس، والصحفية، جوليا فوا، والناشطتان، ماري سيرفيتي، وكلارا جونزاليس، إن “امرأة من كل امرأتين تتعرض لاعتداء جنسي”.

وتضمنت الرسالة أن الكثير من المعتدى عليهن لا يمكنهن توقيع هذه العريضة لأنهن توفين بسبب الضرب.

واتفقت الموقعات على أنه سواء في الشارع والعمل والمنزل يجب أن يصبح عدم التسامح مع العنف هو المعيار. نحن أمام أزمة خطيرة. فهل أنت إلى جانبنا”؟

وفي بريطانيا

انتشرت أخبار عن أن العاملات بالبرلمان البريطاني قمن بإنشاء مجموعة للدردشة عبر تطبيق واتس آب، لتبادل التحذيرات من السلوكيات الجنسية غير المرغوب فيها من قبل البرلمانيين والوزراء.

بعد ذلك تداولت وسائل الإعلام في بريطانيا وضع قائمة من أسماء 36 نائبا من حزب المحافظين متهمين بالتحرش الجنسي والسلوك غير اللائق، بينهم مارك جارنييه، وزير الدولة للتجارة الدولية، الذي اعترف بتحرشه بالسكرتيرة كارولاين إدموندسون.

وكلفت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي جيريمي هيوود، سكرتير مجلس الوزراء، بإجراء تحقيق في شكوى رفعتها الصحفية كيت مولتبي قالت فيها إنها تعرضت للتحرش الجنسي من قبل داميان جرين، سكرتير الدولة الأول (وكيل رئيس الوزراء)، وهو ما نفاه جرين بشدة.

ثم فوجئت الأوساط السياسية في بريطانيا باستقالة وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون من منصبه بعد اتهامات وجهت إليه بالتحرش الجنسي، تعود إلى عام 2002 عندما وضع يده على ركبة صحافية، ليصبح أول سياسي يتنحى في إطار فضيحة.

وكتب فالون في رسالة وجهها إلى رئيسة الوزراء “برزت في الأيام الأخيرة ادعاءات طالت نوابا في البرلمان، بعضها يتعلق بسلوكي في السابق، الكثير من هذه الادعاءات خاطئ، ولكنني أقر بأن “سلوكي” في الماضي كان أدنى من المعايير العليا التي تتطلبها القوات المسلحة التي لي شرف تمثيلها”.

وإثر تلك الفضائح المتوالية في أروقة وستمنستر، دعت ماي إلى تشديد القوانين التي ترعى تصرفات النواب.

ربما يعجبك أيضا