غزو القارة السمراء .. تركيا وتصدير العنف إلى أفريقيا

مجدي سمير

رؤية – مجدي سمير

لسنوات كانت تركيا تعلق الآمال على الاندماج بالجسد الأوروبي، لكنه لم تستطع تحقيق ذلك عبر حكومات متعددة الاتجاهات، وهو ما دفعها إلى العودة إلى إرث الدولة العثمانية من الاحتلال في أفريقيا وشرق المتوسط. حيث تجد لنفسها قاعدة من الدعم عبر الإسلاميين والمهووسين بمشروع عودة الخلافة، وكذلك تستغل فقر وعوز القارة السمراء للتنمية والتكنولوجيا وسيلةً لتحقيق التواجد الاستراتيجي داخل القارة، تحت غطاء التنمية والدعم الخيري؛ بما يؤمن لتركيا إيجاد أسواق خارجية دائمة، ويوفر لها سلة غذاء، وكذلك يساعدها على تأمين طرق تجارتها ومواصلاتها عبر العالم، من البحر المتوسط إلى البحر الأحمر والمحيط الهندي. وهذه الأهداف تدفع تركيا للتورط في عمليات القتال وتصدير السلاح إلى إفريقيا تحت غطاء وهمي وهو مكافحة الإرهاب.

نحو أفريقيا

ربما ليس من فراغ حصول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على لقب أكثر زعماء العالم زيارة إلى دول أفريقيا خلال السنوات الأخيرة حسبما يروج له الإعلام التركي الموالي له بتصويره بالشخص الذي يحمل الخير والتنمية إلى إفريقيا.

إلا أن واقعة ضبط خفر السواحل اليونانية الأسبوع الماضي سفينة تركية محملة بأسلحة ومتفجرات في طريقها إلى مدينة مصراتة الليبية فتحت باب التساؤلات عن حقيقة هذا “الخير الأردوغاني” الذي تحمله السفن التركية لإفريقيا.

بينما تتوسع تركيا اقتصاديا داخل أفريقيا تسلك مسارا آخر موازيا وهو المسار العسكري، إذ تمتلك تركيا قواعد عسكرية وتواجدا عسكريا تحت مسميات مختلفة في الصومال والسودان مع سلسلة من الدعم التسليحي السري لجماعات وميليشيات غير معلنة في عدد من الدول الأفريقية مثل ليبيا ونيجيريا والسودان فضلًا عن دول أخرى غير أفريقية مثل سوريا واليمن.

“تسليح ليبيا”

السفينة التي اعترضتها خفر السواحل اليونانية في السابع من يناير/ كانون ثان الجاري قادمة من تركيا ترفع العلم التنزاني متجهة نحو ليبيا ومحملة بكميات كبيرة من المتفجرات والصواعق ونترات الأمونيوم، ليست الواقعة الأولى من نوعها وربما لن تكون الأخيرة.

وكانت أول واقعة تكشف عن إسهام تركيا في إشعال الحرب الليبية وتسليح بعض الميليشيات بشكل غير قانوني ومخالف لقرارات الأمم المتحدة، في يناير/كانون ثان عام 2013 إذ أوقفت القوات اليونانية سفينة تركية وسحبتها إلى إحدى الجزر لسوء الأحوال الجوية، وبتفتيشها تبين وجود حاويات من الأسلحة كانت في طريقها إلى ليبيا. وفي ديسمبر/ كانون أول من نفس العام أعلنت هيئة الجمارك المصرية عن اعتراضها سفينة محملة بأربع حاويات أسلحة قادمة من تركيا ويعتقد أنها كانت متجهة إلى الميليشيات الليبية.

كما أعلنت قوات الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر تدمير سفينة قادمة من تركيا محملة بالسلاح كانت تتجه نحو ميناء درنة في أغسطس/ آب عام 2014.

يأتي ذلك بالتزامن مع توارد أنباء عن انتقال عناصر تابعة لتنظيم داعش ومقاتلين أجانب فارين من ساحات المعارك في سوريا والعراق إلى السودان لتنظيم صفوفها، ومنها تتجه إلى ليبيا وإعادة الانتشار في المنطقة، وفقًا لمخططات دولية.

وتتواصل محاولات التسليح التركي للميليشيات الليبية والجماعات الإرهابية المسلحة عبر إرسال سفينة تركية محملة بالسلاح نحو ميناء درنة والتي اعترضتها القوات الجوية الليبية بغارتين جويتين بعد عدم استجابة طاقم السفينة للتعليمات الأمنية التي شكت في نقلها أسلحة ومتفجرات إلى جماعات متشددة.

وتستمر الوقائع المشابهة حتى السابع من الشهر الجاري، حيث كانت الواقعة الأحدث، والتي على إثرها طالبت منظمة حقوق الإنسان في ليبيا بضرورة محاسبة تركيا دوليًا ومقاضاة الحكومة التركية لدعمها الإرهاب في ليبيا.
“تسليح نيجيريا”

أعلنت الجمارك النيجيرية في مايو/ آيار الماضي، اعتراضها شحنة أسلحة قادمة من تركيا في مرفأ أبابا لاغوس عبارة عن 440 بندقية وقطع من الأسلحة النارية الأخرى، وذلك بعد خمسة أشهر من ضبط شحنة مماثلة قادمة من تركيا متضمنة أكثر من 600 بندقية.

وفي منتصف سبتمبر/ أيلول الماضي أعلنت الجمارك النيجيرية عن ضبط نحو ألف قطعة سلاح جديدة قادمة من تركيا كانت في طريقها إلى جماعات إرهابية داخل البلاد. وفي نهاية الشهر ذاته تم استدعاء السفير التركي بنيجيريا بعد ضبط رابع شحنة سلاح قادمة من تركيا.

وأفادت السلطات النيجيرية أن عام 2017 شهد ضبط نحو 2671 قطعة سلاح قادمة من تركيا في سلسلة من عمليات التهريب التي تستهدف أمن واستقرار البلاد.

“تسليح الصومال”

أما عن الصومال فالأمر يختلف قليلًا، إذ إن التسليح التركي والإعداد العسكري للصومال يأتي في إطار معلن وفي صورة التعاون العسكري الرسمي بين حكومة البلدين ورفع جاهزية الجيش الصومالي.

ودشنت تركيا أكبر قاعدة عسكرية لها بالخارج في العاصمة الصومالية مقديشيو في سبتمبر/ أيلول الماضي، بهدف تدريب وإعداد 10 آلاف جندي، فضلًا عن تسليح 400 جندي بأسلحة خفيفة ومتوسطة كدفعة أولى تم تخريجها نهاية العام الماضي.

“تسليح اليمن”

بالانحراف قليلًا عن أفريقيا والتوجه نحو اليمن نجد سلسلة من محاولات التسليح التركية لليمن.

في نوفمبر/ تشرين ثان 2012 ضبطت الأجهزة الأمنية باليمن سفينة تجارية قادمة من تركيا تحمل ثلاثة آلاف قطعة سلاح مخبأة داخل صناديق أغذية.

وفي يوليو/ تموز عام2013 أعلنت السلطات اليمنية عن ضبط سفينة محملة بأسلحة تركية أثناء دخولها المياه الإقليمية اليمنية بالقرب من جزيرة زقر. وكان من المخطط أن يتم إنزال السلاح على متن قوارب صغيرة في عرض البحر لإيصالها إلى إحدى الجزر التابعة لأرخبيل حنيش، ليتم بعد ذلك تهريبها على متن قوارب أخرى إلى الشواطئ اليمنية. وبعد أيام أعلنت الأجهزة الأمنية بمحافظة تعز من ضبط سيارة تحمل أسلحة بينها مسدسات تركية الصنع وبنادق خاصة بالاغتيالات.

ربما يعجبك أيضا