إعادة تنظيم القاعدة للواجهة أحد خيارات إيران في حالة رفض الاتفاق النووي

دعاء عبدالنبي

رؤية ـ جاسم محمد

ظهرت على السطح من جديد العلاقة ما بين طهران وتنظيم القاعدة، من الخط الأول، في اعقاب تهديدات المرشد الأعلى الإيراني وظريف، بأن إيران سيكون لها رد قوي، في حالة رفض الاتفاق النووي مع إيران، هذا الاتفاق الذي أثار الكثير من الخلافات والانقسامات بين ضفتي الأطلسي.

شهدت العاصمة البلجيكية بروكسل يوم 11 يناير 2018، اجتماعا للممثلية العليا لسياسة الخارجية للمفوضية الأوروبية، مع وزراء خارجية فرنسا والمانيا وبريطانيا مع وزير خارجية إيران ظريفي. توقيت الاجتماع جاء تماما في أعقاب المخاوف من نقض ترامب للاتفاق النووي المبرم عام 2015 ووقعته إيران.

مع واشنطن وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا سمي باتفاق الدول الخمس زائد واحد.  ورغم أن ترمب أعلن في في وقت سابق رفضه الإقرار بالتزام إيران بالاتفاق النووي، لكنه وافق على تمديد وقف العقوبات عن إيران بالتزامن مع عقد اجتماع بروكسل.

ولدى ترامب  ثلاثة اعتراضات على الاتفاق، الأول يتعلق بـ”بنود انقضاء” يتضمن إلغاء كل العقوبات المفروضة على إيران خلال فترة تتراوح بين 10 سنوات و30 سنة، وتدعو المقترحات الإيرانية الجديدة إلى إلغاء مفهوم “الانقضاء”، وربط الإلغاء الكامل للعقوبات بأداء إيران على نحو يتم توثيقه وتأكيده.

ويتمثل الاعتراض الثاني في رفض طهران التصديق على البروتوكولات الإضافية في معاهدة منع الانتشار النووي، أما الاعتراض الثالث فيتعلق بمحاولة إبعاد البرنامج الصاروخي الإيراني من الاتفاق.

أما موقف الدول الأوروبية وكذلك المفوضية الأوروبية، فهي ما زالت تدعم الاتفاق النووي، وما زالت تتواصل مع طهران، وهذا ما يثير التساؤل؟

الموقف الأوروبي ربما ما زال متحفظا إزاء الملف النووي، إن لم يكن داعما، ويعود ذلك إلى عاملين، أولهما تأمين مصادر الطاقة، من وجهة نظر أوروبا، والثاني، ميزان التبادل التجاري مع إيران في أعقاب رفع العقوبات والحظر عن طهران.

المراقبون يتوقعون إصرار أوروبا على موقفها، أما أسباب قبول ترامب بتمديد رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، فيعود  إلى  احتمالات مخاوف تكمن بانفراد دول أوروبا باقتصاديات إيران.

أما على الجانب السياسي والدولي، فإن دول أوروبا أحرجت ترامب، بتعليق قراره، مفاده، أن أي قرار يتخذه ترامب سيضع الحلفاء الأوروبيين في موقف حرج، وربما يقلل من هيبة دول أوروبا ومكانتها في المجتمع الدولي -من وجهة نظر أوروبيةـ  وهذه الحسابات، ربما وراء تمديد ترامب مؤخرا تعليق العقوبات الاقتصادية على إيران.

وكانت تصريحات عباس عراقجي، قد تضمنت الكثير من التهديدات بقوله: “نحن في إيران مستعدون لكافة الاحتمالات وسيكون المجتمع الدولي الخاسر الأكبر ومنطقتنا أيضًا، نتيجة خسارة تجربة ناجحة على الساحة الدولية. منطقتنا لن تكون أكثر أمنا من دون الاتفاق النووي”.
وجاءت تهديدات المرشد الأعلى “خامنئي” تقول بأن رد فعل إيران سيكون قويا.

وفي سياق أنشطة إيران التجسسية داخل أوروبا، قالت ألمانيا -يوم 9 يناير 2018- إنها استدعت السفير الإيراني لـ”توبيخ” طهران بسبب التجسس على أفراد وجماعات على صلة وثيقة بإسرائيل، ووصفت مثل تلك الأفعال بأنها خرق غير مقبول تمامًا للقانون الألماني.

 وجاءت الخطوة بعد إدانة رجل باكستاني يدعى مصطفى حيدر سيد نقفي (31 عاما) خلال شهر مارس 2017 بالتجسس لمصلحة إيران في ألمانيا بالتجسس عن راينهولد روبي الرئيس السابق لجمعية الصداقة الألمانية – الإسرائيلية، وعن أستاذ اقتصاد إسرائيلي – فرنسي في باريس. 

وقال ممثل عن جهاز الاستخبارات الألماني الداخلي -الذي يتعامل مع مكافحة التجسس- إن مصدرًا “موثوقًا” أبلغ الجهاز عن المتهم. واشتبه الجهاز بأن “فيلق القدس” يستعد لمواجهة محتملة مع واشنطن بحيث يمكن أن يضرب أهدافًا في أوروبا، في حالة ايقاف العمل بالاتفاق النووي.

وفي تقرير -نشرته صحيفة الصانداي تايمز، يوم 12 يناير 2017 للكاتبان أدريان ليفي وكاثي سكوت –كلارك-  كشف فيها جهود الاستخبارات الإيرانية لإعادة تأهيل تنظيم القاعدة من داخل إيران وإرساله إلى سوريا.  ووفقا لـتقارير (إف بي آي)، فإن عدد تنظيم القاعدة لم يكن يتعدى 400 رجل فقط وقت تنفيذ اعتداءات 11 سبتمبر 2001.

وكشفت الصانداي تايمز أن التعاون حاليا بين إيران والقاعدة يحصل خصوصا في سوريا لرفد استراتيجية إيران في ذلك البلد، وأن قاسم سليماني يستخدم القاعدة في مناوراته للعب على جميع أطراف الصراع الجاري هناك، مما يتيح لإيران البقاء في الصدارة.

إيران ما زالت تحتفظ بقيادات القاعدة من الخط الأول والبعض منهم ترتبط معهم بعلاقة بعد مغادرتهم أراضيها، أبرزهم محمد المصري المخطط العملياتي لتنظيم القاعدة وسيف العدل. وسمحت إيران بدخول مئات من كبار الشخصيات في حركة طالبان إلى أراضيها، ومن بينهم أفراد من عائلة بن لادن.

المشكلة تكمن أن إيران هي منطقة العبور بين مناطق النزاع أبرزها أفغانستان والعراق، وهذا ما كشفه ناصر الوحيشي زعيم تنظيم القاعدة في اليمن والذي قتل عام 2015، الوحيشي استطاع العودة إلى اليمن عبر إيران وسلوك الممرات المائية للوصول إلى اليمن، قبل أن يُنصب زعيمًا للتنظيم هناك.

أوراق بن لادن التي نشرت عنه -بعد مقتله في مايو 2011- كشفت أن هناك اتفاقا وتحالفات بين تنظيم القاعدة وإيران، واعتبرتها القاعدة الخط الخلفي للتنظيم. رسائل بن لادن إلى أبي بكر البغدادي، والسجال مع الظواهري، كشفت أيضا الأسباب وراء عدم تنفيذ تنظيم القاعدة وحتى تنظيم داعش أي عملية إرهابية ضد إيران ومصالحها، وهذا ما يثير الكثير من الشكوك حول طبيعة وأسباب ديمومة الاتفاقات بين القاعدة وطهران؟

إن تهديدات المرشد الأعلى الإيراني، لم تكن بعيدة عن التحقيقات التي توصلت لها الاستخبارات الألمانية، والتي أكدت تسليط الاستخبارات الإيرانية، على تنفيذ عمليات إرهابية في أوروبا، منها ضد المصالح الاميركية، في حالة رفض ترامب الاتفاق النووي.

هذه التهديدات وسياسة إيران لها دلالات، بأن إيران تسعى للمواجهة غير السياسية من نوع آخر، بالاعتماد على عناصر فيلق القدس واستخباراتها وأنصارها في أوروبا، ربما أكثر من غيرها لتنفيذ عمليات إرهابية، وكأنها تتصرف كمجموعة ميليشياوية أو منظمة سرية أكثر منها دولة، إيران تؤمن بالقوة الموازية، في حل مشاكلها مع دول المنطقة ودوليا، حتى في أعقاب الاتفاق النووي.
 
 *باحث في قضايا الإرهاب والاستخبارات*

ربما يعجبك أيضا