“بري وعون”.. جراحات الماضي وصراعات الحاضر

محمود سعيد

رؤية – محمود سعيد

يبدو أن الدولة اللبنانية كتب عليها أن تعيش أجواء الصدامات والخلافات والاستقالات والصدمات السياسية والاقتصادية التي لا تنتهي، فما أن تنتهي من أزمة حتى يدخل في أخرى.

وحتى صراعات الدول الإقليمية لم تسلم منها الدولة اللبنانية، والغريب أن العداءات القديمة قد تشتعل في أي لحظة، وهذا ما حدث بين الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس البرلمان نبيه بري الأمر الذي يهدد بإشعال فتيل التوتر الطائفي في لبنان.

فنبيه بري زعيم حركة أمل الشيعية، أما عون فزعيم التيار الوطني الحر “الماروني”.

جذور الصراع

النزاع يعود إلى الحرب الأهلية التي دارت بين عامي 1975 و1990 كما أنه يمس توازن القوى بين الطوائف في النظام السياسي اللبناني.

وكانت العلاقة بين الرجلين متوترة إبان الحرب الأهلية لأنهما كان في معسكرين متضادين. وقد انتهت الحرب في عام 1990 عندما أجبرت قوات حافظ الأسد، عون الذي كان يترأس إحدى الحكومتين المتنافستين على مغادرة القصر الرئاسي إلى المنفى.

فيما خرج بري من الحرب الأهلية كأحد أقوى الشخصيات في لبنان، فيما عاد عون إلى البلاد في عام 2005، بعد خرج من قصر بعبدا إلى السفارة الفرنسية هاربا إلى خارج لبنان بعدما فشل في تحقيق حلمه بحكم لبنان حينها.

الأزمة الحالية

أما الأزمة الحالية التي فتحت جراح الماضي، فقد بدأت منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي عندما وقع عون مرسوما يقضي بترقية العشرات من ضباط الجيش الموالين له بدون توقيع وزير المالية الشيعي علي حسن خليل وهو عضو في حركة أمل التي يتزعمها بري ومن أقرب معاونيه. وقال بري: إن عون تجاوز سلطاته على حساب الطوائف الأخرى بقيامه بترقية ضباط موالين له.

البداية كانت بعد وصف وزير الخارجية جبران باسيل لنبيه بري رئيس مجلس النواب بأنه “بلطجي”. فيما اعتبر أنصار بري بأن تصريح باسيل تجاوز لكل الخطوط الحمراء. وانتشر جنود لبنانيون في محيط مكاتب “التيار الوطني الحر” بعد تجمع لأنصار بري في المنطقة القريبة منه.

ورد أنصار بري الغاضبون قائلين: إن باسيل تجاوز كل “الخطوط الحمراء” واحتج مؤيدو حركة أمل بإشعال إطارات سيارات في بيروت.

وقالت مصادر أمنية إنه سُمع دوي إطلاق نار لدى تجمع أنصار بري للاحتجاج قرب مكاتب التيار الوطني الحر الذي أسسه عون قرب منطقة جديدة المسيحية بشرق بيروت مما أدى إلى انتشار جنود في المنطقة للحيلولة دون وقوع اضطرابات أخرى.

وأعرب باسيل فيما بعد عن أسفه. لكن هذا الاعتذار لم يؤد لنزع فتيل التوتر الذي هز أيضا تحالف عون مع حزب الله الشيعي المدعوم من إيران الذي تربطه ببري علاقات أعمق.

موقف “حزب الله”

وكان من الطبيعي أن ترفض مليشيات “حزب الله” ما وصفته بأي إهانة لبري. وقالت في بيان إن هذه اللغة تأخذ البلاد صوب أخطار هي في غنى عنها.

وقد حاول حزب الله الوساطة بين عون وبري من اجل تخفيف حدة الصراع بينهما مع البقاء على اختلاف مواقفهما سياسيا في شأن مرسوم ترقية منح سنة اقدمية لضباط 1994 وضرورة توقيعه من وزير المال، إضافة إلى عدم توقيع وزير المال مراسيم ترقية الضباط الى رتبة عقيد وعميد، لكن “حزب الله” فشل في هذه الوساطة ووضع جهده اللازم والمعقول لكنه لم يضع كل ثقله كي لا يختلف لا مع الرئيس نبيه بري ولا مع الرئيس ميشال عون. كما اكتشف حزب الله ان الصراع عنيف جدا في النفوس بين عون ورئيس مجلس النواب الرئيس نبيه بري.

تصعيد خطير

وقال راجح الخوري -وهو كاتب في صحيفتي النهار والشرق الأوسط- “بلا ريب أن الامور ذاهبة إلى مزيد من التصعيد لسببين: الأول المباشر أننا نحن عشية الانتخابات النيابية وهناك صراع على جمع الشعبويات واللغة التي تجمع الشعبويات هي لغة غير منطقية وتحك على العواطف عند الناس”. أضاف “الأمر الثاني أن هناك خلافا على السلطة والمسؤوليات في إطار السلطة وأين تبدأ الصلاحيات وأين تنتهي وكيف نفسر الدستور وللأسف أصبح تفسير الدستور وجهة نظر”.

ويرى مراقبون أن أكبر الخاسرين من التوتر بين الطرفين هو حزب الله الذي سيبذل جهودا كبيرة لوقفه، ويقول أحد المقربين من تيار بري للجزيرة نت -فضل عدم الكشف عن اسمه- إن توجيهات بري كانت وقف السجال مع فريق عون، و”لكن كلام باسيل بحق بري أجج الصراع”.

فيما رأى الكاتب اللبناني أواب المصري أن: “خطورة الأزمة الجديدة بين رئيس الجمهورية اللبناني ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري؛ تكمن في أنها بين رجلين عنيدين. فأجواء الأعياد الإيجابية السائدة في لبنان لم تدفع بري لـ”بلع” محاولة رئيس الجمهورية تمرير مرسوم منح دورة ضباط عام 1994 أقدمية لمدة سنة؛ دون الحصول على موافقته.

وتابع الكاتب اللبناني: “الكيمياء الغائبة بين الرئيسين عون وبري لم تكن يوماً سراً، فالأزمات بين الرجلين كثيرة، ومن المعروف أنه لولا الجهود الجبارة التي يبذلها حزب الله، واضطرار السيد حسن نصر الله في أحيان كثيرة للتدخل والوساطة بين الرجلين، لخرجت خلافاتهما إلى العلن. فإضافة لعناد الرجلين، يستند الجفاء بينهما على أبعاد تاريخية وطائفية. فدورة الضباط التي أراد رئيس الجمهورية تمرير أقدمية سنة لأفرادها؛ هي الدورة التي كان أثناءها ميشال عون رئيساً للحكومة العسكرية الانتقالية عام 1989، بعد انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل.. كان المطلوب حينئذ من عون تأمين انتخاب رئيس جديد للجمهورية، لكن عون حلّ مجلس النواب، واعتصم بالقصر الرئاسي في بعبدا، وأعلن حرباً على النظام السوري؛ أطلق عليها اسم (حرب التحرير). وفي ذلك الحين، كان الرئيس نبيه بري أحد أهم حلفاء هذا النظام، وساند الجيش السوري في مواجهة عون، لطرده من قصر بعبدا”.

وختم المصري بالقول: “أما في البعد الطائفي، فإن الدورة التي يريد عون تمرير مرسوم منحها أقدمية قوامها 195 ضابطاً، 179 منهم مسيحيون، و16 مسلما، وهذا يخلّ بالتوازن الطائفي، بالإضافة إلى أن جميع ضباط هذه الدورة هم من الموالين لعون، والجانب الطائفي الآخر للمشكلة؛ أن تجاهل رئيس الجمهورية الحصول على توقيع وزير المالية (الشيعي) على المرسوم سيكرس سابقة يحارب رئيس مجلس النواب (الشيعي) لمواجهتها، وهي إمكانية صدور مراسيم دون الحصول على موافقة الشريك الشيعي في الدولة. فالشرط الوحيد للرئيس نبيه بري عند تشكيل الحكومة هو أن تكون وزارة المالية من حصته، لضمان وجوب الحصول على توقيع وزير المالية (الشيعي) على جميع المراسيم. لكن رئيس الجمهورية (المسيحي) تجاهل توقيع وزير المالية، واكتفى بتوقيع رئيس الحكومة (السني) ووزير الدفاع التابع له، وهو أمر لن يسمح بري بحصوله. ومن الواضح أن حزب الله يسانده في هذا الموقف وإن كان حريصاً على التزام الصمت حرصاً على عدم إحراج رئيس الجمهورية”.

 

ربما يعجبك أيضا