أردوغان واللعب بالثلاث ورقات .. صراع الأضداد

مجدي سمير

رؤية – مجدي سمير

يلجأ الساسة دائمًا إلى استخدام أوراق سياسية للسيطرة على الداخل ومواجهة المعارضة والقضاء على المنافسين، وفي حال عدم توافر أوراق سياسية في يديه يلجأ إلى صنعها وتشكيل معارضة صورية وتصعيد أطياف وجماعات لمحاربة قوى المعارضة الحقيقية التي تزعزع استقرار عرشه.

في العقد الثامن من القرن الماضي لجأ الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات إلى الجماعات الإسلامية والإسلام الراديكالي المتمثل في جماعة الإخوان المسلمين آنذاك لمواجهة اليساريين والناصريين بهدف تعزيز حكمه بالبلاد وإضعاف شوكة اليسار وذلك كحل مؤقت ظنًا أنه ممسك بخيوط اللعبة ويمكنه تحريكها وسحبها وقتما يشاء.

ومعاصرًا، مع صعود حكم الإخوان في مصر، خلال فترة حكم الرئيس “محمد مرسي”، قام بإخراج الإسلاميين والجهاديين من السجون والمعتقلات وأطلق العنان للقنوات والمنابر الإعلامية الإسلامية من أجل تعزيز جبهته أمام التيارات الليبرالية والعلمانية والمدنية، ومن أجل معازلة قوى خليجية في ملف سوريا، فظهرت تجمعات مليونية للإسلاميين سُميت “جمعة قندهار” وظهرت مؤتمرات استنفار تحت شعار “لبيك يا سوريا” لقتال بشار الأسد. وكل هذه كانت رسائل للداخل بأن البلد ستحترق في حالة الاقتراب من الإسلاميين في مصر.

وها هو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مكررًا اللعبة.. فهل منح المزيد من الحريات وإطلاق العنان للإسلاميين والراديكاليين لمواجهة العلمانيين وأجهزة الدولة مثل الجيش والقضاء وغيرهما وكذلك أنصار جماعة الخدمة؟.. وهل ينجح أردوغان فيما فشل فيه السادات؟.. وما هي مقوماته لتكرار هذه اللعبة؟

“لعبة أردوغان”

تختلف لعبة أردوغان قليلاً مع ما فعله السادات، إذ إن الأول يعتمد في لعبته السياسية على امتلاكه في يده ثلاث أوراق يتلاعب بها في مواجهة كل من يخالفه، ومن الذكاء أنه اختار أوراقًا متنافرة ومتناحرة لا يمكنها الاتحاد ضده مستقبلًا، ولكلٍ منها أطماع وأهداف مختلفة يدركها جيدًا أردوغان ساعيًا للتلاعب بها لإدراك مصالحه في السلطة والبقاء على سدة العرش لأكبر فترة ممكنة، وتتمثل أولى هذه الأوراق في التيار الإسلامي المتشدد المتمثل في عناصر “حزب الله” التركي وجماعة “السلمانية” وهي حركة تكفيرية سطع نجمها مجددًا مع توطن العناصر المتشددة مناطق جنوب وشرق تركيا مثل عناصر تنظيمي داعش والقاعدة المقاتلة في سوريا.

أما الورقة الثانية فتتمثل في تنظيم “أرجنكون” أو ما يسمى بالدولة العميقة، والذي أخرجه أردوغان من السجون عام 2014 بهدف استخدامه لمواجهة جماعة الخدمة أو ما يطلق عليه “الدولة الموازية”.

والورقة الثالثة تتمثل في الميليشيات المدنية التي يعكف أردوغان وقيادات حزب “العدالة والتنمية” الحاكم خلال الأربع سنوات الأخيرة إلى تشكليها وتسليحها لمواجهة المعارضة والاضطرابات الاجتماعية والمؤسسات المدنية. وهذه الميليشيات تنقسم إلى عناصر شركة “صدات/ سادات” الأمنية، ووقف الشباب التركي، وجماعة الكتائب العثمانية، وكذلك القوات الخاصة الشعبية.

ولكل ورقة من هذه الأوراق دوره وأهدافه، ويخطط أردوغان التخلص منهم وحرق أوراقهم مع إنجاز الأهداف المطلوبة، إلا أن أي من هذه الأوراق قد تحرقه مستقبلا بعد انفلات خيوطها من يده مثلما رأينا في مشهد اغتيال السادات على يد قادة التنظيم الذي استعان به يومًا لتحقيق أهدافه السياسية.

الورقة الأولى

التيار الإسلامي المتشدد أو الراديكالي يجيد أردوغان مخاطبته وتحريكه بشعارات إعادة الهوية الدينية لتركيا وإحياء أسلمة الدولة وأمجاد عهد النبوة والصحابة بهدف مواجهة المعارضة والفكر الأتاتوركي المتوغل في العديد من مؤسسات الدولة وبعض أطياف المجتمع التي تفقده أصوات المدن العلمانية في انتخابات البلدية والبرلمانية، فضلًا عن محاولة لملء الفراغ المجتمعي الذي أحدثته العمليات الأمنية ضد حركة الخدمة.

وأكد تارهان إرديم رئيس مجلس إدارة شركة “كوندا” للدراسات السياسية بتركيا، في مقال له بموقع (تي 24) أن أردوغان يشرع بكل قوته في استغلال الدين لتحقيق انتصارات سياسية خاصة وتعزيز حكمه ولكسر شوكة العلمانيين.

وقال إرديم: “أردوغان هو أول سياسي تركي لجأ إلى رفع القرآن الكريم في يده خلال خطاباته ومؤتمراته الشعبية وذلك بعد إدراكه حقيقة تراجع شعبيته محليًا لأدنى من 41 بالمئة. كما حرص على توظيف المصطلحات الدينية والقصص النبوي في الكثير من تصريحاته لجذب الإسلاميين واستقطاب شرائح اجتماعية معينة”، معززًا خطابه ببعض الإجراءات مثل رفع الحظر عن حرية الحجاب وتدعيم هيئة الأوقاف ونشر المدارس الدينية وتمويلها.

الورقة الثانية

مع بداية إعلان أردوغان الحرب على زعيم حركة الخدمة فتح الله جولن منتصف عام 2013، سارع الأول لإيجاد ورقة سياسية تدعمه في محاربة “الجولانيين” المتوغلين داخل كافة مؤسسات الدولة تحت مظلة الحكومة وفي إطار تقديم خدمات للمجتمع المدني؛ فلجأ إلى أكبر أعداء جولن، وهو دوغو برينتشاك رئيس حزب الوطن التركي اليساري العلماني المتشدد وزملائه الذين تم إخراجهم من السجون وتبرئتهم في قضايا “أرجنكون” و”باليوز” عام 2014.

برينتشاك المعروف بعدائه السافر للإسلام، كانت مهمته إطلاق حرب نفسية ومعلوماتية ضد فكر وكوادر حركة الخدمة وتحجيم دورها داخل وخارج تركيا، والترويج لفكرة “الكيان الموازي” المناهض لأردوغان والمستهدف اغتياله والنيل من شخصه وانجازاته، فضلًا عن مهمة أخرى تمثلت في محاربة واجتثاث القوى الكردية في جنوب شرق البلاد.

وأقر برينتشاك في حوار صحفي شهير أجراه عام 2015 بهذه الخطة، مؤكداً “أنهم من وضعوا مشروع القضاء على حركة الخدمة. ويستهدفون القضاء على كل الجماعات الإسلامية أصلاً، لكن أولويتهم هي القضاء على حركة الخدمة. وأن الرئيس أردوغان انضم إلى صفنا في محاربة فتح الله جولن”. ومن عباراته الشهيرة “لن تتحقق تسوية القضية الكردية إلا بالسلاح”.
الورقة الثالثة

مع اشتعال الحرب بين التيارين الإسلامي والقومي، أدرك أردوغان أنه في حاجة إلى ورقة سياسية ثالثة لإحداث توازن استراتيجي لمستقبله السياسي وبقاء سلطانه في حال قضاء أحد التيارين على الآخر، فلم يجد فرقة أو حركة ذات ثقل سياسي، ما دفعه إلى تشكيل وصنع هذه الورقة وفقًا لخططه.

شرع أردوغان والحزب الحاكم في تكوين ميليشيات مدنية مسلحة وحمايتها قضائيًا بإصدار قانون “696” الذي كفل لبعض المدنيين حرية حمل السلاح دون أي مطاردة قضائية. ويجيد أردوغان تحريك عناصر هذه الميليشيات تحت رايات الدولة العثمانية وحلم إعادة الخلافة.

وظهرت هذه الميليشيات في أول اختبار حقيقي لها خلال محاولة انقلاب 15 يوليو/ تموز 2016. ونجحت عناصرها في التصدي لأفراد الجيش وظهورهم في صورة مدنية كعناصر منظمة تحمل السلاح في وجه أي خطر يهدد شخص أردوغان.

وتشير الإحصاءات إلى أن 60% من الشعب التركي يمتلك سلاح خاص، ونصف هذا العدد سلاحه غير مرخص وخارج إطار القانون. وأقرت المنظمات المدنية بزيادة ظاهرة العنف المجتمعي.

وخلال العامين الماضيين شاهدنا العديد من المؤتمرات الحزبية الخاصة بالمعارضة يتم مهاجمتها والتعدي على عناصر المعارضة من قِبل مجهولين يحملون الأسلحة البيضاء. كما تنتشر عناصر هذه الميليشيات المتمثلة معظمها في شباب ينتمي إلى جماعة الكتائب العثمانية والقوات الخاصة الشعبية داخل أحياء ومدن تركيا لتقويض المعارضة والقضاء على أي قوى تعتزم انتقاد أردوغان والحزب الحاكم سواء كانت قوى علمانية أو إسلامية مثل وقف “الفرقان” الذي أعلن مؤخرًا معارضته لبعض سياسات أردوغان.

فهل ينجح أردوغان في استمرار فرض سيطرته وتحكمه في أوراق اللعبة داخل تركيا وحماية سلطنه أم ستفلت إحداها من قبضته وترسم نهايته السياسية؟ فالشهور المقبلة ستحدد إجابة هذا السؤال، إذ ستشهد سلسلة من المعارك السياسية بداية من انتخابات البلدية حتى الرئاسية مرورًا بالانتخابات البرلمانية.

ربما يعجبك أيضا