نحو نموذج مصري للتميز المؤسسي (2)

هيثم البشلاوي

هيثم البشلاوي

تناولنا فى الحلقة السابقة من هذة السلسلة تجربة اليابان في تطبيق نموذج للجودة والتميز لإعادة هيكله بنيتها الاقتصادية والاجتماعية من القاعدة للرأس، وذلك من خلال نموذج Deming للتميز المؤسسي, لتستطيع اليابان بذلك إحياء صناعتها الوطنية وتحسين وترسيخ صورة ذهنية لجودة المنتجات اليابانية  تستحوذ من خلالها على أسواق الصناعات الأمريكية، لترد اعتبارها الوطني بالتميز أمام العالم, مما دفع الولايات المتحدة في ثمانينات القرن العشرين للبحث عن نموذج للتميز المؤسسي يحافظ لصناعاتها الاستعمارية على أسواقها فى وجه الصناعة اليابانية.

وسنعمل هنا على استعراض النموذج الذي استخدمته الولايات المتحدة للحفاظ على تنافسية منتجاتها امام المنتجات اليابانية الذي تحول لاحقا لأحد أشهر نماذج التميز المؤسسي بالعالم:

الولايات المتحدة.. فرض التميز بقرار رئاسي
كانت منهجية الصناعة بالولايات المتحدة حتى أوائل الثمانينات قائمة على الإطار المادي الجاف والذي لا يرتقي ان يصبح نموذجا للتميز والذي كان يعتمد على التميز المقترن بالإغراء والحافز المادي وليس القائم على ثقافة تميز حقيقية للعامل الأمريكي, ما تسبب في تراجع سمعة المنتجات الأمريكية أمام منتجات منافسيها وخاصة اليابان التي كانت الولايات المتحدة قد ظنت أنها خرجت من المنافسة لفترة طويلة بسبب انهيار بنيتها الصناعية في الحرب العالمية الثانية.

ولكن على غير المتوقع وجدت الولايات المتحدة نفسها أمام  منافس استطاع هزيمتها اقتصاديا، في الوقت الذي كانت هي مشغولة فيه لتثبيت اقدامها بالنصر العسكري تلك الحالة من تباين النصر السياسي والهزيمة الاقتصادية للبيت الأبيض دفعت الرئيس الامريكي Reagan في عام 1987 لإقرار قانون malcolm baldrige رقم  (100- (107 لتحسين الجودة الوطنية، ليؤسس بذلك لنموذج للتميز المؤسسي  للصناعة الأمريكية بقوة القانون  ليتم إطلاق جائزة وطنية تمنح للشركات الصناعية والخدمية والمنظمات الصغيرة الملتزمة بمعايير النموذج الذي تم إقراره من قبل الدولة، وقد تم تأهيل النموذج ليتم تطبيقه على مختلف القطاعات الصناعية والخدمية من خلال الالتزام بمعايير النموذج لتعلن الولايات المتحدة عن منح جوائز للتميز المؤسسي لأكثر المؤسسات التزاما بمعايير النموذج في كل قطاع وقد تم إقرار ثلاث تصنيفات للنموذج.

في البداية يمنح من خلالها ثلاث جوائز كل عام لكل من (الشركات الصناعية الكبرى، المؤسسات الخدمية العملاقة، وحدات الأعمال والصناعات الصغيرة: 500 عامل فأقل)، وقد استطاعت الولايات المتحدة تطوير معايير النموذج من خلال مجموعة متخصصين لتتناسب مع كل القطاعات، وهو ما حقق ميزة تنافسية قوية امام النموذج الياباني الذي كان يعتمد معايير ثابتة التقييم يتم تعممها على كل الصناعات بمختلف مجالات عملها, لتؤكد الولايات المتحدة الأمريكية على تفوق النموذج الخاص بها وتضيف عدد من القطاعات المستحدثة لجائزة التميز لتشمل (تميز المؤسسات التعليمية وجودة الخدمات الصحية).

وبهذا تمكنت الولايات المتحدة من خلال تلك الجوائز نشر ضرورة التزام المؤسسات الأمريكية بمختلف أنشطتها بثقافة ومعايير التميز والجودة كتقليد مستمر للمؤسسات، وذلك من خلال تحديد مجموعة من الضوابط الملزمة لنموذج وجائزة التميز كالتالي:

– ضرورة التحسين المستمر كمرجعية أساسية للتميز المستدام, وذلك من خلال الزام المؤسسات بتقديم خطتها للتحسين والتطوير المستقبلي:

– ضرورة الالتزام بمعاير النموذج لتحقيق نتائج متميزة من خلال تحديد استراتيجياتها، دون اهتمام النموذج بالأداء المالي الذي يصعب تقييمه كونه يرتبط بالعوائد والأسعار والكلف التي تتباين من صناعة إلى أخرى وهو ما يضع اطار مرن لتطبيق النموذج على مختلف المؤسسات

–  تحديد المدة التي تستغرقها المؤسسات للحصول على الجائزة عاماً من تاريخ التقديم إلى تاريخ الإعلان عن الفائزين، في حين أن المنظمة تستغرق نحو 8- 10 سنوات للوصول إلى معدلات تطبيق لمعايير النموذج لتطوير لنظام العمل بها ليتوافق مع معايير الجائزة.

تلك الاستراتيجية في تطبيق النموذج من حيث الإطار الزمني تعمل على ترسيخ التميز في كل جوانب المؤسسات خلال فترة التحضير الطويلة في حين توجد حالة من المنافسة بين المؤسسات خلال المدة القصيرة المحددة  للتقدم لجائزة النموذج.

عدم الاعتراف بنمط القيادة الفردية للمؤسسات حتى وإن كانت تحقق نتائج متميزة, وذلك يتطلب التسجيل للحصول على الجائزة تضافر فريق العمل بالكامل لتطبيق معايير النموذج، ليكون لكل إدارة في العمل مسؤولية وأهداف محددة, بل ويتم مستويات تميز كل ادارة بشكل منفصل بأسلوب كمي محدد النقاط، لتكون النتيجة الكلية لجهود كل العاملين بالمؤسسة من خلال جمع النقاط وطرحها من مجموع 1000 نقطة والتي تمثل الدرجة العليا للنموذج والجائزة.

وبهذا تحولت الصناعة الأمريكية من حالة التميز النسبي للصناعات إلى معايير التميز المستدام لتلك الصناعات, ومع التطبيق النموذج وظهور النتائج بين تميز الأداء والمنتجات تقدمت نحو 18000 مؤسسة أمريكية لتطبيق النموذج في عام 1991، ليصبح التميز المؤسسي ثقافة عمل يتم تعميمها داخل المؤسسات الأمريكية بمختلف القطاعات العاملة بها.
 
ختاماً: جاء هذا العرض لتجربة اليابان والولايات المتحدة  في اعتماد نماذج للتميز المؤسسي للوقوف على مدي أهمية أن تمتلك الدول منهج ونموذج يحقق ريادتها المستدامة لا المرحلية, بما يمهد لمقترح صياغة نموذج مصري للتميز المؤسسي والذي سنعمل على استعراضه لاحقا.

 
 

ربما يعجبك أيضا