الغوطة تنزف.. المعارضة والنظام يتبادلان الاتهام والعالم يكتفي بالتنديد !

حسام السبكي

حسام السبكي

كما هي العادة، في الكثير من الاتفاقيات والمبادرات والقرارات الصادرة من هنا وهناك، والتي تسعى لإحداث تغيير ولو بشيء يسير، يصب في صالح الشعب السوري، الذي يعاني الأمرَّين كل يوم، فلم تصمد هدنة، ولا تكاد تجف دموع الأطفال والأمهات الثكالى على ذويها، ولا يُشفَى المصابون من جراحهم، حتى يستيقظوا على أصوات القذائف والبراميل المتفجرة، وأزيز الطائرات، التي لا تتوقف، حتى تصب فوق رؤوسهم من العذاب صبًا.

اليوم، ومن المفترض أن تكون الهدنة الإنسانية، التي صدرت بقرار قوي من مجلس الأمن الدولي يوم السبت الماضي، قد دخلت حيز التنفيذ الفعلي، إلا أنها قد حظيت بالتبريرات والمواقف المتناقضة، والاتهامات المتبادلة، التي تكفل لأي اتفاق أو مبادرة بالفشل الذريع، وهو ما حدث بالفعل اليوم!.

سقط العشرات من السوريون مجددًا، المرصد السوري يتحدث عن 586 قتيلًا منذ الأحد الماضي، أي في اليوم التالي لقرار مجلس الأمن، ومنظمة الصحة العالمية تتحدث عن 1000 مصاب على الأقل من بين من نجوا من نيران النظام والمعارضة، ولا حديث الآن، سوى عن ممر، لم يعد على الأرجح آمنًا لخروج المزيد.

القصف مستمر.. والقتلى والجرحى أيضًا

من جديد، عاود النظام السوري بدعم من القوات الروسية، قصف المناطق المأهولة، في أحياء مدينة الغوطة الشرقية، التي يقطنها نحو نصف مليون إنسان، مع بدء سريان الهدنة التي أقرها مجلس الأمن الدولي، في اجتماعه، يوم السبت الماضي.

فقد كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان، والذي يتخذ من بريطانيا مقرًا له، عن سقوط قتيل وإصابة 7 آخرين من المدنيين، مع تجدد القصف من قبل طيران النظام وقواته، على مناطق متفرقة من الغوطة الشرقية.

ووفقًا للمرصد، نفذت الطائرات الحربية غارتين استهدفتا مناطق في مدينة عربين، في حين استهدفت بغارة مناطق في بلدة كفر بطنا، كذلك استهدفت غارتان مناطق في بلدة الأفتريس، وألقت مروحية تابعة للنظام برميلين متفجرين على مناطق في بلدة الشيفونية.

هذا، وقد أكدت الأمم المتحدة، ما ذكره المرصد، حيث أشارت إلى احتدام القتال، على الرغم من قرار وقف إطلاق النار الذي دعت إليه روسيا حليفة الرئيس السوري بشار الأسد لمدة خمس ساعات يوميا.

وأوضح “ينس لايركه”، وقال ينس لايركه، المتحدث باسم الأمم المتحدة في الشؤون الانسانية، خلال إفادة في جنيف “وردت إلينا تقارير هذا الصباح تفيد باستمرار القتال في الغوطة الشرقية”، مشيرًا أنه و”من الواضح أن الوضع على الأرض في حالة لا تسمح بدخول القوافل أو خروج حالات الإجلاء الطبي”.

وأضاف “لاريكه” “إنها مسألة حياة أو موت – إذا كانت هناك مسألة حياة أو موت. نريد وقفا للأعمال القتالية لمدة 30 يوما فى سوريا كما طالب مجلس الأمن”.

وفي سياقٍ متصل، صرح “طارق جسارفيتش” المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية إن أكثر من 1000 مريض وجريح على قائمة الهلال الأحمر العربى السورى لمن يحتاجون لإجلائهم وأضاف “لكن ليس لدينا أى معلومات حديثة بشأن حدوث شيء من هذا القبيل الآن أو قريبا”.

بريطانيا وأمريكا والنظام السوري.. العصا والجزرة

النظام والمعارضة.. اتهامات متبادلة ومبادرة للحل

لعل تشبيه العصا والجزرة، هو أقرب مثال يعبر عن الحالة التي آل إليها المجتمع الدولي، في التعامل مع نظام بشار الأسد وداعميه، فمن جهة يناشدون التدخل الروسي، بما يتمتع به من نفوذ، للضغط على النظام السوري، لوقف الغارات ضد المدنيين، في مختلف المناطق، وفي مقدمتها “الغوطة الشرقية”، وعلى الجانب الآخر، يلوحون بعمل عسكري جديد ضد دمشق، حال ثبوت استخدام أسلحة محرمة دوليًا ضد المدنيين.

فقد وجهت الإدارة الأمريكية، نداءً مباشرًا، ناشدت فيه روسيا، باستخدام نفوذها، والضغط على النظام السوري، من أجل وقفٍ “فوري” للهجوم على الغوطة المحاصرة، وذلك وفقًا لما جاء على لسان “هيدز نويرت”، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية.

وأوضحت “نويرت”، في بيان، أن “النظام السوري وداعميه الروس والإيرانيين يواصلون الهجوم على الغوطة الشرقية، وهي ضاحية لدمشق مكتظة بالسكان، وذلك على الرغم من النداء الذي وجهه مجلس الأمن الدولي لوقف إطلاق النار”.

وأكدت نويرت أن “روسيا لديها النفوذ لوقف هذه العمليات العسكرية، إن هي اختارت احترام التزاماتها المنصوص عليها في قرار وقف إطلاق النار الصادر عن مجلس الأمن الدولي”، مشددة على أن “الولايات المتحدة تدعو إلى إنهاء العمليات الهجومية فورا والسماح بصورة عاجلة لفرق الإغاثة بمعالجة الجرحى وإيصال المساعدات الإنسانية إلى من هم في أمس الحاجة إليها.

وأضافت أن “النظام يزعم أنه يحارب إرهابيين ولكنه عوضا عن ذلك يروع مئات آلاف المدنيين بالغارات الجوية والقصف المدفعي والصاروخي وبهجوم بري يلوح في الأفق. إن استخدام النظام لغاز الكلور كسلاح لا يؤدي إلا إلى زيادة السكان المدنيين بؤسا”.

أما في سياق “العصا”، فقد لوحت بريطانيا، بأنها قد تحذو حذو الولايات المتحدة، وتوجه ضربة عقابية إلى النظام السوري، حال ثبوت استخدامه للأسلحة الكيماوية، ضد المدنيين في مختلف المناطق.

فقد أكد وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، الثلاثاء، إن بلاده قد تشارك في الضربات العسكرية الأميركية ضد الحكومة السورية إذا ظهر دليل يثبت استخدام أسلحة كيماوية ضد المدنيين.

وأضاف “جونسون”، “إذا علمنا أن هذا حدث واستطعنا إثباته وإذا كان هناك اقتراح بالتحرك في وضع يمكن للمملكة المتحدة أن تفيد فيه فأعتقد أننا سنبحث الأمر بجدية”.

وكانت واشنطن قد شنت ضربة صاروخية على مطار الشعيرات السوري باستخدام 59 صاروخ كروز من طراز توماهوك، ردا على هجوم كيميائي بغاز السارين على منطقة خان شيخون في 4 أبريل 2017.

وأعلنت فرنسا في وقت سابق أنها ما تزال مستعدة لمعاقبة الأطراف التي يثبت أنها استخدمت الكيماوي في سوريا.

الخاتمة

يوم أسود جديد، يطل على السوريين مجددًا، ليزف بشرى السوء، حول واقعٍ أليم، لا يلوح في الأفق، أي أمل في تغييره، إلا أن يشاء الله، ويقضي أمرًا كان مفعولًا.

بينما تتحدث المعارضة السورية ومعها المرصد، عن استمرار الضربات الجوية والصاروخية من قبل النظام والروس، تجاه الأحياء السكنية في الغوطة الشرقية، فقد برر النظام وداعميه من المسؤولين الروس ذلك، باتخاذ المسلحين رهائن من بين المدنيين، خاصةً في المناطق المكتظة بالسكان، ما يتسبب في وقوع خسائر بشرية كبيرة في صفوف المدنيين.

فعلى  لسان قائد مجموعة مراقبة منطقة خفض التصعيد الثالثة في الغوطة الشرقية، الجنرال “فيكتور بانكوف”، فقد كشف أن المدنيين لا يستطيعون مغادرة الغوطة الشرقية بسبب قصف بقذائف الهاون من قبل المسلحين على الممر الإنساني في منطقة الوافدين.

وقال الجنرال إن ممرا إنسانيا فتح، اليوم الثلاثاء، في التاسعة صباحا وذلك لخروج المدنيين من المنطقة.

واستهدف مسلحو “جبهة النصرة”، أو “هيئة تحرير الشام” ومجموعات مسلحة أخرى الممر الآمن لخروج المدنيين من الغوطة الشرقية، والذي أعلنت عنه روسيا، أمس، بخمس قذائف، ما حال دون استمرار عمليات خروج المدنيين، بحسب التصريحات الروسية.

على جانبٍ آخر، عرضت المعارضة المسلحة في الغوطة، ما يشبه المبادرة، التي تطمح إلى البدء الفعلي في تنفيذ هدنة كاملة، ولو بمدى الـ 30 يومًا التي حددها قرار مجلس الأمن الدولي الأخير.

وتتمثل المبادرة، في عرض إخراج مسلحي “هيئة تحرير الشام” وأسرهم، خارج الغوطة الشرقية، مقابل وقف ضربات النظام والغارات الروسية على المدينة.

وفي هذا السياق، أكدت عدة فصائل مقاتلة، اليوم الثلاثاء، وهي “جيش الإسلام”، و”فيلق الرحمن”، و”حركة أحرار الشام”، في بيانٍ لها، عن التزامها، بإخراج مسلحي تنظيم “هيئة تحرير الشام”، و”جبهة النصرة”، و”القاعدة”، وكل من ينتمي لهم وذويهم من الغوطة الشرقية لمدينة دمشق خلال 15 يوما من بدء دخول وقف اطلاق النار حيز التنفيذ الفعلي.

ربما يعجبك أيضا