بعد اشتعال أزمة “سكريبال”.. زئير غربي في وجه الدب الروسي

محمود طلعت

رؤية – محمود طلعت

تطورات متسارعة تشهدها الأزمة بين موسكو ولندن على خلفية تسميم الجاسوس الروسي المزدوج سيرجي سكريبال، في بريطانيا، حيث يوجه الجانب البريطاني، الاتهامات إلى روسيا بتورطها في تسميم سكريبال وابنته، بمادة شالة للأعصاب فيما ينفي الجانب الروسي ذلك.

بداية الأزمة

الأزمة بدأت شرارتها في الرابع من مارس 2018، حين فقد العقيد السابق في المخابرات العسكرية الروسية سيرجي سكريبال (66 عامًا) وابنته يوليا (33 عامًا) وعيهما على أريكة في مركز تجاري بمدينة سالزبري جنوب غربي إنجلترا بعد تعرضهما لمادة “نوفيتشوك”، وهي الفئة الأحدث في مواد غازات الأعصاب السامة.

ووفقًا لبعض التكهنات، وُضعت المادة في ملابس يوليا عشية سفرها من روسيا يوم 3 مارس، أو وُضعت في باقة الورود الصناعية التي أرسلتها إليها صديقة للعائلة لتضعها على مقبرة أمها في اليوم التالي. ولذلك دعت السلطات البريطانية كل المواطنين الذين كانوا على مقربة من مكان الحادث إلى تنظيف ملابسهم جيدًا.

وبشكل سريع، اتهمت بريطانيا روسيا بالوقوف وراء الحادث، ربما لأنها المستفيدة الوحيدة من مقتله، أو لأن المادة التي استُخدمت في عملية الهجوم الكيماوي على العميل المزدوج والذي عمل لصالح الاستخبارات البريطانية تُصنَّع حصرًا في روسيا.

تبادل الاتهامات

بعد إيداع سكريبال في المستشفى بيومين فقط، ودون انتظار نتيجة التحقيق، أسرع وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون بالتصريح بأن بلاده سترد بقوة إذا ثبت تورط روسيا. لكن السفارة الروسية في لندن طالبت بمعلومات حول الواقعة، بدلًا من “شيطنة روسيا في الإعلام البريطاني”.

استنكرت روسيا اتهام بريطانيا العشوائي، وأكدت دعوتها إلى التعاون مع المملكة المتحدة التي يجب عليها كشف خبايا الأمر. لكن التصعيدات البريطانية دفعت روسيا إلى اتهامها بارتكاب الحادث لأنها المستفيدة من تسميم سكريبال، فهو بالنسبة إلى موسكو ورقة محروقة، وقلوب المواطنين الروس منفطرة على ابنته يوليا.

وأشار تقرير إخباري على قناة “روسيا 1” إلى أن غاز الأعصاب ربما يكون جرى تصنيعه في مركز أبحاث “بورتون داون” التابع للجيش البريطاني، والذي لا يبعد عن سالزبري أكثر من 20 دقيقة بالسيارة.

تصعيد الغرب

بعد طرد لندن لـ23 دبلوماسيا روسيا من البلاد، ورد موسكو عليها بطرد 23 دبلوماسيا بريطانيا تطبيقا لمبدأ المعاملة بالمثل، أمر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اليوم الإثنين، بطرد 60 دبلوماسيًا روسيًا في تصعيد جديد للأزمة.

وفي المقابل، نقلت وكالة الإعلام الروسية للأنباء عن عضو في مجلس الاتحاد الروسي قوله إن موسكو ستطرد 60 على الأقل من أفراد البعثة الدبلوماسية الأمريكية، ردا على قرار واشنطن طرد دبلوماسيين روس.

وحتى الآن تضمنت قائمة الدول التي أعلنت عن طرد دبلوماسيين روس، كلاً من الولايات المتحدة وكندا وأوكرانيا وألمانيا وفرنسا وبولندا والتشيك وليتوانيا وهولندا والدنمارك وإيطاليا وألبانيا والسويد وكرواتيا ورومانيا وفنلندا وإستونيا ولاتفيا.

وكان أعضاء الاتحاد الأوروبي وافقوا الجمعة الماضية على اتخاذ مزيد من الإجراءات العقابية ضد روسيا بسبب الهجوم على سكريبال.

تجييش بريطاني

مما سبق يمكن القول إن لندن حققت اليوم انتصارا دبلوماسيا على موسكو، تمثل بتحويل دعم العديد من الدول لموقفها في قضية سكريبال، من مجرد تصريحات مؤيدة إلى أفعال، تمثلت بطرد عدد كبير من الدبلوماسيين الروس.

وأكد البيت الأبيض أن روسيا تتعمد تجاهل القواعد الدولية، وتسعى إلى هدم المؤسسات الديمقراطية الغربية. ودعمت المستشارة الألمانية ميركل ما انتهت إليه بريطانيا، لكنها أكدت ضرورة استمرار التواصل مع الروس رغم الخلافات.

ودعم الرئيس الفرنسي أيضًا موقف المملكة المتحدة في خلافها مع روسيا، لكنه لم يتخذ أي إجراءات. واستنكر أمين عام حلف شمال الأطلسي (الناتو) هجوم غاز الأعصاب الذي وقع على أراض بريطانية، واتهم روسيا بزعزعة استقرار الغرب.

ولم يقتصر تجييش بريطانيا ضد روسيا على الاتحاد الأوروبي، بل إن السفير البريطاني في إسرائيل حث السلطات الإسرائيلية على إدانة الهجوم الكيماوي على الجاسوس الروسي.

الاصطفاف العالمي الواضح مع بريطانيا يزيد من عزلة روسيا، التي تنتهج في المرحلة الحالية سياسة الرد بالمثل.

مخاوف الغرب

الدول الغربية، والولايات المتحدة على وجه الخصوص باتت تخشى من صعود قوة روسيا الاتحادية، ورئيسها فلاديمير بوتين، خاصة بعد نجاح الأخير بولاية رئاسية جديدة لمدة ست سنوات، وتهديده بامتلاك روسيا صواريخ باليستية جديدة تحمل رؤوسا نووية لا يمكن التصدي لها.

دعم الرئيس بوتين لزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون في صراعه مع الولايات المتحدة بسبب تجاربه النووية والباليستية الناجحة، صب المزيد من الزيت على نار القلق والخوف الغربيين، وجاءت محاولة اغتيال سكريبال كذريعة لإظهار هذا العداء إلى العلن.

ويرى خبراء ومحللون أن سياسات ترامب التصعيدية ستوحد القوتين العظميين، أي الصين وروسيا، ضدهم جميعا، فالصين اليوم ليست الصين قبل أربعين عاما، وروسيا بوتين هي غير روسيا غورباتشوف ويلتسين.

ربما يعجبك أيضا