إسرائيل وقطر .. علاقات دافئة وتناقضات

محمد عبد الدايم

رؤية – محمد عبدالدايم

لا يتعارض الدعم الذي تقدمه قطر لحماس واستثماراتها في قطاع غزة مع سياساتها الخارجية التي تتميز باحتضان الإسلام السياسي مع مساعيها لتعظيم دورها وبلورة تأثيرها في الشرق الأوسط، فيما تبدو العلاقات بين الإمارة القطرية وبين حماس معبرة أكثر عن براجماتية سياسية تغطي على الهوية الأيديولوجية .

من جانب آخر، فإن العلاقات المصرية القطرية تلقي بظلالها، وفي خضم ذلك تواجه إسرائيل معضلة كبيرة، فعليها من جانب أن تبرر لقطر دواعي حصارها لغزة، حفاظا على المصالح المشتركة بينهما، ومن جانب آخر عليها أن تحافظ على منظومة العلاقات الاستراتيجية مع مصر التي تحارب الإرهاب في سيناء، وتحرص إسرائيل على أن تكون دفة القيادة في هذه الحرب مع مصر.

العلاقات القطرية الدافئة مع إسرائيل

في أواخر فبراير الماضي إبان زيارته لقطاع غزة؛ التقى محمد العمادي المبعوث القطري لقطاع غزة، بـ تساحي هنجبي وزير شئون التعاون الإقليمي، رغم أن قطر وإسرائيل لا تقيمان علاقات ديبلوماسية رسمية، وخرج العمادي من اللقاء ليدلي بتصريحات تنم عن الاطمئنان التام على مستقبل الأوضاع.

“لا حماس ولا إسرائيل تريدان حرباً. خذ هذا تأكيداً مني بكل قوة، نحن نجلس مع الإسرائيليين، ولا يرغبون في التصعيد، ولا يريدون تصعيدا في المقابل، والأمور المعيشية والاقتصادية كلها سيتم حلها”، وأضاف: “ما نقوم به من جهد يمنع نشوب الحرب القادمة”.

تحدث العمادي من منطلق المسؤول عن كل شيء، والذي يتولى توزيع العطايا، رُغم أن مساعدات قطر لغزة لم تتجاوز عشرة ملايين دولارا في العام الحالي، لكن بلاده تعتمد على مثل هذه الوجاهة السياسية كي تكسب نقاطا عند النظام الأمريكي والذي ضغط لتقليص المساعدات لصالح غزة من ناحية، ويهتم بحماية إسرائيل من ناحية أخرى، ولم يجد أفضل من قطر، فيتحرك العمادي ذهابا وإيابا من غزة إلى إسرائيل ليخرج مطمئنا العالم بأن “كل شيء بخير”.

ليس خافيا على أحد أن قطر تسعى لتوطيد علاقاتها مع إسرائيل لعدة أسباب، أولها محاولة إيجاد شركاء يدعمونها في مواجهة المقاطعة العربية المشتركة، وثانيها يتمثل في توثيق علاقات تجارية تمكنها من سد احتياجاتها من إسرائيل، مثلما تكفلت لها تركيا ببعض احتياجاتها الاقتصادية، لتصبح كل من تركيا وإسرائيل بمثابة داعمين اقتصاديين للدوحة، أما ثالث الأسباب فيتعلق بموالاة الإدارة الأمريكية عبر الشراكة مع إسرائيل.

شهد العام 2012 بداية توطيد قطر لوجودها في قطاع غزة، مع زيارة حمد بن خليفة، وظل دعم الدوحة لحماس مستمرا، ما بين دعم سياسي ومعونات اقتصادية تتراجع قيمتها يوما بعد يوم مع ضغوط أمريكية لقصر المساعدات على الجانب الإنساني، وعبر عن ذلك بجلاء جيسون جرينبلات مبعوث دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط في تغريدة على تويتر تزامنت مع زيارة العمادي.

و”تشجع حماس مسيرة عدائية على الحدود بين إسرائيل وغزة، وينبغي لحماس أن تركز علي التحسينات التي تمس حياة الفلسطينيين في غزة بدلا من التحريض علي العنف ضد إسرائيل الذي يزيد المشقة ويقوض فرص السلام.”

التناقض القطري الإسرائيلي

لا شك أن تحركات قطر في غزة تأتي بمباركة من إسرائيل، مع وجود علاقات تجارية بين الدوحة وتل أبيب بدأت منذ عام 1996، ومع تواتر الحديث عن زيارات متبادلة بين مسئولين من الجانبين، والعمادي نفسه قد صرح أنه زار إسرائيل أكثر من عشرين مرة منذ انتهاء الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2014، والمسماة بعملية “الجرف الصامد”، فقطر لا تعتبر إسرائيل عدو، وهنا يبرز التناقض لدى الجانبين، فالدوحة تتحرك في غزة بتوافق مع إسرائيل وفي الوقت ذاته ترغب في أن تظهر للعالم وكأنها المنقذ الوحيد لسكان غزة الذين يعانون الحصار الإسرائيلي، وبدلا من الاعتراف بجريمة إسرائيل يتحدث العمادي موجها لومه إلى محمود عباس ومصر، معتبرا إياهما المسئولين الوحيدين عن معاناة القطاع، ودعا الرئيس الفلسطيني “للانفتاح على غزة” مثل الأمير تميم، أضاف العمادي بشكل واضح أنه من أجل إصلاح الأوضاع في غزة يجب أن تكون هناك علاقات مع إسرائيل.

بينما جاءت زيارة العمادي للقطاع قبل أسبوعين من محاولة اغتيال رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله في غزة، وهي الزيارة التي جاءت كمبادرة من السلطة الفلسطينية لمحاولة إنهاء الانقسام، والتمسك ببنود المصالحة التي ترعاها مصر، ولم يُسمع صوت العمادي “المطمئن” بعد هذه الحادثة.

كما لم يُسمع صوت العمادي بعدما تعرض لمحاولة اعتداء في غزة مؤخرا خلال زيارته الأخيرة، واتهمه المهاجمون بأن مساعدات بلاده غير حقيقية، وإنما تهدف في الأساس إلى تعزيز الانقسام الفلسطيني، وهو – إن صح – ما يصب مباشرة في صالح إسرائيل التي يبدو أنها استراحت قليلا من عناء حماس وأوكلت مهمة تهدئتها إلى مندوبتها هناك: قطر.

أما التناقض الإسرائيلي فيبرز في طيات علاقاتها المموهة مع قطر، حيث تخرج أصوات إسرائيلية تعتبر الدوحة العمود الفقري للإرهاب، وتحذر المسئولين من زيارتها، بينما تتوثق يوما بعد يوم العلاقات الاقتصادية والسياسية بينها وبين الدوحة، حتى يخرج العمادي من إسرائيل متحدثا بكل طمأنينة عن “حمائمية إسرائيل” التي لا ترغب في الحرب، قبل شهر واحد من سقوط ضحايا فلسطينيين على يد الجيش الإسرائيلي في مسيرات يوم الأرض الفلسطيني.

مؤخرا في رد على الأسئلة التي وُجهت له بخصوص قطر وحماس قال تساحي هنجبي إن قطر في محنة، لأنها تواجه مقاطعة عربية نظرا لاعتبارها داعما للإرهاب، وفي الوقت نفسه يبدو أن الدوحة لا تدعم حماس بشكل مباشر، لكنها “تتودد” إليها.

فإسرائيل لا تستطيع أن تعلن رأيها القاطع فيما يخص علاقتها بقطر من ناحية، وعلاقة قطر بحماس وغزة من ناحية أخرى، لأن تل أبيب في حقيقة الأمر تريد استمرار علاقاتها الودية مع قطر، دون تأييد علني لما تقوم به الدوحة.

الفوائد أكثر

رغم هذا التناقض البادي لدى الطرفين؛ فإن إسرائيل تعتمد على كسب الفوائد من علاقاتها مع قطر، بما فيها تقليص دور إيران في قطاع غزة، وتحييد تأثيرها على حركة حماس، مرورا باحتمالية أن تكون الدوحة بمثابة قناة اتصال بين إسرائيل وحماس، خصوصا فيما يتعلق بملفات تبادل الأسرى، كما أن قطر تحقق مطالب إسرائيل والولايات المتحدة، حيث طردت من أراضيهاعضو المكتب السياسي لحماس صالح العروري، وتقلص مساعداتها لغزة، وتوجهها إلى الأعمال الإنسانية مما يساعد في هدوء الأوضاع قليلا وإخماد فرص الحرب مع إسرائيل.

تحاول إسرائيل الخروج من دوامة التناقض في إطار علاقتها مع قطر، حيث ترغب في استمرار تأثيرها على حركة حماس، ومن ثم تقليص الوجود الإيراني، لكنها في الوقت ذاته لا ترغب في إغضاب السلطات المصرية خصوصا في خضم مواجهتها لحركة الإخوان التي تدعم حماس في غزة، وكذلك لا ترغب إسرائيل في أن تصبح قطر حجر عثرة بينها وبين صفقة الغاز مع مصر، خصوصا وأن المحور العربي مصر والسعودية والإمارات والبحرين يدشن مقاطعة قطر، وبالطبع لا ترغب إسرائيل أن تظهر في العلن كداعم للدوحة ضد العرب مثل تركيا.

تسعى إسرائيل لاستثمار الدفء القطري كي تأمن جانب حماس في الوقت الذي تركز فيه على التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية واستلاب القدس، بينما تعاني حكومة نتنياهو صراعا سياسيا حريفا يكاد يعصف برئيس الوزراء، ولا يرغب في الوقت الحالي بنشوب حرب مع حماس، ويعتمد على الدوحة في ذلك.

ربما يعجبك أيضا