“ضربات ثلاثية” تُربك نظام الأسد .. ترحيب غربي وتباين عربي

حسام السبكي

حسام السبكي

أخيرًا، وبعد تضارب الأنباء حول الموعد المحدد، لإطلاق زخات العقاب الأمريكية المعهودة، ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وبعد أيامٍ قليلة، من نفي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تحديد موعد للضربة الأمريكية الجديدة ضد سوريا، في أعقاب مجزرة الكيماوي في دوما، نفذت الولايات المتحدة بالتعاون مع فرنسا وبريطانيا وعيدها، ودكت معاقل النظام السوري في ساعة متأخرة من مساء أمس الجمعة.

الضربات السريعة والمركزة، لم تستغرق أكثر من دقائق، وكان الهدف منها بحسب البيانات الصادرة عن الدول الثلاث المشاركة بها، هي ردع النظام السوري عن استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين العزل، وليس الهدف إسقاط نظام الأسد، في مشهد مكرر، لرد الفعل الأمريكي على مجزرة “خان شيخون”، في أبريل من العام الماضي، والتي ردت عليها أمريكا، بقصف قاعدة “الشعيرات”، الجوية التابعة للنظام السوري في حمص.

رد الفعل الروسي جاء عنيفًا، حيث شجب بشدة الهجوم الأمريكي، ووصفه بـ “غير الأخلاقي”، حيث سبب على ما يبدو إحراجًا لإدارة الرئيس “بوتين”، التي سبقت وحذرت من أي هجوم أمريكي ضد نظام الأسد، متوعدة بالرد في الحال، فيما رأت وسائل إعلام روسية أن ما حدث نذير باندلاع “حرب عالمية ثالثة”.

أما إيران، فأبدت تعاطفًا وتأييدًا للنظام السوري، مؤكدة على وقوفها إلى جانب “الشعب السوري”، وبالقطع يقصدون بالشعب المؤيد للرئيس “بشار الأسد” وفقط، فلا يعنيهم الشعب الآخر الذي يُباد ليل نهار، منذ أكثر من 7 سنوات، في مختلف بقاع سوريا، مؤكدة أنه يخلق الفوضى وعدم الاستقرار، ويعطي قبلة حياة جديدة لمن أسمتهم بـ “الإرهابيين”.

فيما أيدت دول فرنسا وبريطانيا وألمانيا وتركيا وكندا وأستراليا والناتو والاتحاد الأوروبي الضربات الثلاثية، معتبرة إياها وسيلة لتحجيم النظام السوري عن جرائمه ضد شعبه.

بنك الأهداف الأمريكية 

تباينت خارطة الأهداف، التي سعت من خلالها الولايات المتحدة وحلفاؤها من وراء الضربة العسكرية الموجهة للنظام السوري، لكنها تركزت على المنشآت التي يُعتقد استخدامها من قبل النظام، في شن هجمات كيماوية ضد المدنيين.

فقد تحدثت أنباء، أن من بين الأهداف المؤكد استهدافها “مركز البحوث” في منطقة برزة بالعاصمة دمشق، وموقع عسكري آخر يقع شمالي منطقة القصير بريف حمص على الحدود السورية اللبنانية، وهي منطقة تسيطر عليها ميليشيات “حزب الله، إضافة إلى موقع ثالث، ليس ببعيد عن الموقع الثاني، أكدت كلٌ من الولايات المتحدة وفرنسا، أنه عبارة عن منشأة، استخدمت لتخزين الأسلحة الكيماوية، ومركز للقيادة، فيما أكدت “وكالة الأنباء السورية”، أنه يضم مستودعات للأسلحة.

من جانبه، أشار المرصد السوري إلى استهداف غارات التحالف الدولي مركز بحوث آخر قرب دمشق، وهو “مركز البحوث العلمية” في جمرايا، والذي سبق أن استهدفته غارات عدة يعتقد أنها إسرائيلية.

أما الجيش الروسي فقد تحدث عن طبيعة الأهداف التي طالها القصف، حيث أكد إطلاق 12 صاروخا على مطار قريب من دمشق، تمكنت الدفاعات الجوية السورية من إسقاطها جميعًا، كما أشار إلى استهداف مطار في حمص بـ 16 صاروخا، وتم اعتراض 13 منها، غير أن الروس أكدوا كذلك، أن الصواريخ لم تدخل أي المناطق التي تضم منشآت تحميها منظومة الدفاع الجوي الروسية في طرطوس وحميميم.

غير أن أهداف أخرى، تم تداول الحديث عنها، بشكل لم يتسنى التأكد منه، مثل قاعدة الدفاع الجوي في جبل قاسيون في دمشق، وموقع الحرس الجمهوري اللواء 105 في العاصمة، ومطار المزة العسكري في دمشق، ومطار الضمير العسكري في ريف العاصمة، ومواقع عسكرية قرب الرحيبة في القلمون الشرقي ريف دمشق، إضافة إلى موقع تابع للحرس الجمهوري في حلب، كما تداول ناشطون أن الغارات استهدفت مقار لميليشيا حزب الله اللبنانية في القصير، إلا الحزب نفى ذلك.

الأسلحة المستخدمة في الهجمات

مع مشاركة كلٌ من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا، في الضربات الموجهة ضد مواقع النظام السوري، تنوعت الأسلحة المستخدمة في الهجوم، الذي شمل إطلاق ما بين 100 إلى 120 صاروخًا، وهو ما يزيد مرتين عن الأسلحة المستخدمة في هجوم العام الماضي وفق مسؤولين أمريكيين.

وبحسب قناة “سي إن إن” الأميركية، شاركت سفينة حربية أميركية في البحر الأحمر في الهجوم، إضافة إلى طائرات وقاذفات القنابل من نوع B-1، حيث استخدمت صواريخ كروز من طراز توماهوك في الغارات.

أما المشاركة البريطانية، فجاءت من خلال 4 طائرات مقاتلة من طراز “تورنادو جي آر 4″، التابعة لسلاح الجو الملكي، وتم إطلاق صواريخ “ستورم شادو” على مجمع عسكري سوري، يبعد 24 كم غربي حمص، وفقًا لوزارة الدفاع البريطانية.

كما شاركت فرنسا بطائرات “ميراج 2000″ و”رافال” المعروفة، في الضربات العسكرية، إلى جانب 4 فرقاطات بحرية، وفقًا لبيان الرئاسة الفرنسية.

واشتملت المشاركة الفرنسية على فرقاطة للدفاع الجوي، وثلاث فرقاطات متعددة المهام، وطائرات “ميراج 2000” و”رافال”، ونظام الإنذار المبكر، والتحكم المحمول جوا (أواكس)، إلى جانب خدمات الدعم والإمداد.

تنديد روسي إيراني

قوبلت الضربات الثلاثية برد فعل روسي إيراني عنيف، فكلاهما يؤيدان النظام السوري، ويعتبران وجوده، دحرًا لمحاولات الهيمنة الأمريكية على منطقة الشرق الأوسط. 

ففي أول رد فعل روسي، اعتبر “أنا تولي أنتونوف”، السفير الروسي في واشنطن، أن القصف الثلاثي يعد “إهانة” للرئيس بوتين، مؤكدًا أنها لن تمر، وستكون مصحوبة بعواقب.

وأوضح السفير في بيان “حذرنا من أن تصرفات كهذه ستكون لها عواقب، والمسوؤلية عنها كلها تقع على عاتق واشنطن ولندن وباريس”، مضيفاً، “أسوأ المخاوف أصبحت حقيقة، ظلت تحذيراتنا غير مسموعة، يجري تنفيذ سيناريو أعدّ مسبقا، مرة أخرى”.

وعبر صفحتها في “فيس بوك”، أدانت المتحدثة باسم الخارجية الروسية “ماريا زاخاروفا” الضربات الأمريكية الفرنسية البريطانية، مشيرًا إلى أن “الضربة استهدفت عاصمة دولة ذات سيادة تحارب الإرهاب منذ سنوات”.

وأضافت “زاخاروفا”: “الذين يعتبرون أنفسهم استثنائيين، يوجهون ضربة لدمشق في الوقت الذي ظهرت لديها فرصة للتسوية السلمية”.

أما إيران، فقد أدانت عبر خارجيتها، العدوان الثلاثي، معتبرة إياه “خرقًا” للقوانين الدولية، محذرة في الوقت ذاته من تبعاته وآثاره على الصعيدين الإقليمي والدولي.

وأدانت إيران، مستندة إلى معايير القانونية والأخلاقية والشرعية الدولية استخدام الأسلحة الكيميائية في أي وقت ومن قبل أي كان، ولكن في الوقت ذاته ترفض أن يوضع ذريعة للاعتداء على  دولة ذات سيادة.

وتناول بيان الخارجية الإيرانية، إلى تزامن توقيت الهجومين الأمريكيين، بعد مجزرة “خان شيخون” و”دوما” الكيماويين، اللذين تبعا سقوط “حلب” و”الغوطة الشرقية” في يد نظام الأسد، موضحة أنهما يكشفان بشكل واضح عن نوايا أمريكا من هذا العدوان، في تعويض فشل وهزيمة “الإرهابيين”.

وأكد البيان، أن الشعب السوري، وكما هو الحال في السنين السبعة الماضية سوف يتصدى لمؤامرات الاعداء التي تهدف لتغيير المعادلات الميدانية على الارض لصالح “الإرهابيين”.

وشدد البيان على ضرورة أن يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته حيال هذا العدوان الغاشم، وقال: “على المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية والإنسانية أن تدين بقوة هذا العدوان الأحادي الجانب على سيادة بلد مستقل وعضو في الأمم المتحدة”.

تباين الموقف العربي من الضربات

على الرغم من المطالبات العدة بتدخل دولي يواجه النظام السوري، إلا أن الخشية من ويلات وتبعات أكثر إيلامًا لسوريا وشعبها، بات محركًا لكثير من الدول العربية، التي أيدت بعضها الهجمات، ورأت فيه وسيلة فعالة لرد الأسد وحلفاؤه، فيما عبرت بعضها الآخر عن قلقها ورفضها للهجوم، الذي لن يزيد الأمور إلا تعقيدًا، والضحية في النهاية ستكون سوريا.

وعن الأصوات المؤيدة، فقد أعلن مصدر مسؤول داخل وزارة الخارجية السعودية، عن تأكيد المملكة للعمليات العسكرية، مشيرًا إلى أنها جاءت ردًا على استمرار النظام السوري في استخدام الأسلحة الكيماوية المحرمة دوليا، ضد المدنيين الأبرياء بمن فيهم الأطفال والنساء، وإيقافا لجرائمه البشعة التي يرتكبها منذ سنوات ضد الشعب السوري الشقيق.

كما أيدت مملكة البحرين بشدة العملية العسكرية، مؤكدة على ضرورتها لحماية المدنيين في جميع الأراضي السورية، ومنع استخدام أي أسلحة محظورة من شأنها زيادة وتيرة العنف وتدهور الأوضاع الإنسانية.

وأعربت الخارجية القطرية أيضًا، تأييدها للضربة العسكرية الثلاثية ضد النظام السوري، ورأت فيها الوسيلة الأنسب لحماية الشعب السوري، ولتجريد النظام من الأسلحة المحرمة دوليًا.

وأعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة، أنها تتابع بقلق شديد التطورات على الساحة السورية والتصعيد الحالي، وتدين بشدة استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين.

وفي بيان لوزارة الخارجية الإماراتية، عرضته “وكالة الأنباء الرسمية (وام)”، أكدت فيه تأييدها كافة الإجراءات الدولية التي تستهدف نزع وتدمير هذه الأسلحة المحرمة دوليًا، وضرورة الحيلولة دون وقوعها في أيدي المنظمات الإرهابية المسلحة في مناطق الصراع.

كما أكدت دولة الامارات في هذا السياق دعمها للعمليات العسكرية التي استهدفت هذه الأسلحة المحرمة ومنشآتها في سوريا.

وأعربت مصر أيضًا عن قلقها البالغ من “التصعيد العسكري” القائم في سوريا، وما ينطوي عليه من آثار تمس سلامة الشعب السوري الشقيق، كما تهدد ما تم التوصل إليه من تفاهمات حول مناطق خفض التوتر.

وأكدت الخارجية المصرية، أن القاهرة تؤكد على رفضها القاطع لاستخدام أي أسلحة محرمة دوليًا على الأراضي السورية، مطالبة بإجراء تحقيق دولي شفاف في هذا الشأن وفقا للآليات والمرجعيات الدولية”.

الأردن من جانبها، أكدت أن استمرار العنف يؤدي إلى مزيد من العنف، واستمرار الصراع والقتال والدمار والتشريد، الذي يدفع ثمنه الشعب السوري، مشددة على أن الحل السياسي هو الضمانة الوحيدة لاستقرار سوريا ووحدة أراضيها.

وأدانت لبنان بشدة الضربات العسكرية، واعتبرت الخارجية اللبنانية أنها تمثل اعتداءً صارخًا على سيادة دولة عربية شقيقة وانتهاكا للمواثيق والأعراف الدولية، مؤكدة أنه كان لابد من إجراء تحقيق دولى شفاف وموضوعى من قبل الوكالة الدولية لحظر الأسلحة الكيماوية، ومن ثم استصدار قرار أممى شرعى عن المؤسسات الدولية قبل تنفيذ أى ضربة عسكرية.

وأبدت الخارجية العراقية، تنديدًا شديدًا بالهجمات، ووصفتها بـ “التصرف الخطير جدًا”، وحذرت من تداعياتها على استقرار وأمن المنطقة.

وأكدت الخارجية العراقية، أن الضربات الثلاثية، من شأنها منح فرصة جديدة للإرهاب للتمدد، بعد أن تم دحره في العراق، وتراجع كثيراً في سوريا، داعيةً إلى عقد قمة عربية طارئة.

وأعربت الجزائر عن أسفها للهجمات، وشدد رئيس الحكومة الجزائرية ” أحمد أويحيى”، على أنه كان ينبغى التحقق من معلومات عن الهجومات الكيمياوية فى سوريا، مؤكدًا فى ذات السياق، أن الجزائر تدين أى هجوم كيمياوى تطبيقا للمعاهدات الدولية.

ربما يعجبك أيضا